قانون الإدارة المحلية تام في عيون خبراء.. وآخرون وصفوه بـ«السويسري» لا يراعي الخصوصية السورية!
تشرين- هناء غانم:
عند الحديث عن قانون الإدارة المحلية رقم 107 لعام 2011 نجزم بأنه جاء ليكون من أهم الاستحقاقات المجتمعية الإدارية.. عنوان عريض يفترض أن يكرس لخدمة المحافظات والمدن والقرى وكل المناطق، وقد أعطى القانون صلاحيات واسعة للمشاركة المجتمعية في مسار العمل الإصلاحي لعمل الوحدات الإدارية وفتح الطريق أمام اللامركزية الإدارية باعتباره يهدف إلى مواءمة العمل المحلي مع التنمية المستدامة وبشكل يشرك جميع المواطنين بالعمل.
السؤال المشروع إلى أي حد استطاع هذا القانون أن يأخذ دوره الحقيقي في واقع العمل المحلي كما يجب، سواء بين المجالس أو مجتمعاتها؟ وهل تم التعامل معه لجهة تحقيق العائدات بعيداً عن الفساد والمحسوبيات؟
تساؤلات عديدة وضعتها “تشرين” أمام من كان بها خبيراً من أساتذة في القانون والاقتصاد والتنمية وغيرهم لمعرفة هل تم تحسين الواقع الإداري بين المؤسسات والمواطن؟ وهل تحققت الاحتياجات المطلوبة من أعضاء المجالس كما يجب؟
عياش: التحدي الأساسي هو في تحفيز الكفاءات التي تتمتع بثقة المجتمع المحلي
حاجة وضرورة
الباحث والمستشار الاقتصادي د. فادي عياش أكد لـ”تشرين” أنه بداية يجب تحديد مفهوم الإدارة المحلية، فالإدارة المحلية كفكرة هي عبارة عن تمكين المجتمع المحلي من أن يقوم بإدارة شؤونه المحلية بشكل مباشر من خلال مجالس محلية يتم انتخابها باقتراع عام وسري ومباشر ومتساو وفق ما ورد في دستور الجمهورية العربية السورية، الذي كرّس المجالس المحلية المنتخبة كركن من الأركان الثلاثة للسلطة التنفيذية في سورية، فالجمهورية العربية السورية تتكون من مجموعة وحدات إدارية يرتكز تنظيمها على مبدأ لا مركزية السلطات والمسؤوليات وتمارس هذه الوحدات أدوارها من خلال مجالس محلية منتخبة بشكل مباشر من المجتمع المحلي.
وبذلك تهدف إلى تحقيق هدف رئيسي يتمثل في التنمية المحلية المستدامة من خلال التشاركية المجتمعية بين المؤسسات الرسمية والمجتمع المحلي وأساس المشاركة هي العمل التطوعي، وتطبيق اللامركزية بشقيها الإداري ويتضمن المسؤوليات والواجبات.. والمالي الذي يتضمن تأمين التمويل اللازم لتنفيذ مشروعات الوحدات الإدارية التنموية وكذلك تقديم الخدمات الأساسية وتغطية نفقاتها الجارية بما يعود على المجتمع ككل لجهة التحسن في الخدمات وتحسين مستوى المعيشة أيضاً.
وبالتالي تقع المسؤولية الأولى في نجاح مفهوم الإدارية المحلية على المجتمع المحلي ذاته من خلال حسن اختيار ممثليه في المجالس المحلية ومدى مشاركتها في التنمية ومسؤوليته في الرقابة على حسن استثمار الموارد المحلية وحسن توظيفها بما يحقق الأهداف أعلاه بفاعلية تنعكس على التنمية الشاملة.
وأضاف عياش: إن قانون الإدارة المحلية رقم 107 لعام 2011 جاء ليكون المجلس المحلي بمنزلة صدى وإرادة ورغبة المجتمع المحلي، والتحدي الأساسي هو في تحفيز الكفاءات التي تتمتع بثقة المجتمع المحلي على أن تقدم على عملية الترشيح وأن يكون انعكاساً صادقاً لرغبة المجتمع المحلي، بحيث يضم نخبة الشخصيات والكفاءات الموجودة في الوحدة الإدارية.. ولكن للأسف وحسب الواقع، ما زال قسم كبير من الكفاءات يحجم عن الانخراط في هذه العملية لأسباب مختلفة.
أما القانون المالي الموحد رقم 37، يضيف عياش، فيهدف بشكل رئيس إلى تمكين الوحدة الإدارية من أن تمتلك المقومات المالية التي تساعدها على تأدية كل الخدمات المطلوبة وتمويلها ذاتياً من خلال استثمار الموارد المحلية وتعزيز إيراداتها الذاتية من خلال خدماتها للمجتمع، ويقوم المجلس المحلي بوضع أسس التصرف بـأملاك الوحدة الإدارية ويقوم الجهاز التنفيذي بالتنفيذ .
وأشار عياش إلى أن القانون ألزم مجلس المحافظة بتخصيص 25% من موازنته المستقلة وتوزع على الوحدات الإدارية لتنفيذ مشروعات تنموية واستثمارية ذات مردود تحقق دخلاً ومورداً مستداماً للوحدة الإدارية حتى تستطيع تأدية خدماتها، كما أجاز القانون لمجلس المحافظة أن يخصص 25% إضافية لتنفيذ مشروعات استثمارية ذات مردود على مستوى المحافظة كي تكون مورداً مستداماً على مستوى المحافظة.
لكن المعوقات الرئيسة جاءت في تطبيق مفاهيم التنمية المحلية من خلال الإدارة المحلية وأدواتها الرئيسة المتمثلة في المجالس المحلية، مشيرا إلى أنها تكمن في عدة نقاط، أولها ضعف الوعي المتعلق بفهم قانون الإدارة المحلية 107 والقانون المالي 37 حتى من القائمين عليه، وضعف مفهوم التشاركية المجتمعية وتراجع مفهوم العمل التطوعي.
إضافة إلى ضعف الثقة بالعملية الانتخابية للمجالس المحلية وبالتالي ضعف التمثيل الفعلي والمتوازن للمجتمع المحلي لا سيما من حيث الكفاءات والجدارة، وقلة الخبرة في كيفية استثمار الموارد المحلية لتكون رافداً قوياً لتحسين المستوى المعيشي على مختلف الصعد وتأمين الموارد الذاتية للوحدات الإدارية.
وأردف: باختصار لدينا كل ما نحتاجه تشريعياً لكننا نفتقر للتطبيق الصحيح والسليم لهذه التشريعات، كما نفتقر لروح المبادرة والمسؤولية المجتمعية.
وختم عياش بأن التنمية المحلية حاجة وضرورة تفرضها الظروف الراهنة للمساعدة في سرعة التعافي.. وأدواتها الرئيسة هي الإدارة المحلية المتمثلة بالمجالس المحلية المنتخبة، والتشاركية المجتمعية، واللامركزية الإدارية والمالية.
عنيز: لا بد من تعديل القانون بما ينسجم مع الظروف والأوضاع الراهنة
التطبيق لم يكن على المستوى المأمول
عضو مجلس الشعب والمحامي غالب عنيز، أكد لـ”تشرين” أن تجربة الإدارة المحلية جاءت مع الحركة التصحيحية التي قادها القائد المؤسس حافظ الأسد، وتطورت قضايا الإدارة المحلية بشكل كبير خلال العقود الماضية حتى وصلنا إلى قانون كنا نصبو إليه في عام ٢٠١١.
وفيما يتعلق بتطبيق هذا المرسوم التشريعي أكد أن هناك إشكالات حدثت خلال تطبيقه، موضحاً أنه من خلال متابعته لثلاث دورات في مجلس الشعب ومجالس المحافظة وجد أن التطبيق لم يكن على المستوى المأمول منه، لعدة أسباب أهمها أن هذه التجربة بالأصل أخذت من دول أخرى، مشيراً إلى أن الفرق بيننا وبين هذه الدول الكثير من الأمور التي لا يمكن مقارنتها بسورية وجاء قانون الإدارة المحلية ليحل محل القانون السابق، وهنا بدأت الإيجابيات وكذلك السلبيات، ومن ضمن السلبيات (علماً أن الإيجابيات واضحة وموجودة) إلا أن السلبيات يجب النظر فيها لمعالجتها وإيجاد الحلول لها، مشيراً إلى أنه والحديث هنا عن السلبيات كنا نأمل الفصل بين المحافظ ومجلس المحافظة وهذا ما حدث فعلاً لأنه لأول مرة يكون المحافظ وفق القانون الجديد رئيساً منتخباً من أعضاء المجلس لكن قضية المحسوبيات والولاءات بقيت هي المؤثرة لجهة تعيين أعضاء مجلس إدارة المحافظة.
وعلى العموم بقيت هناك سلطة وحيدة هي التي تقوم بتبدل الكوادر بشكل كبير وخصوصاً في الانتخابات الأخيرة وقبل الأخيرة وبقى هناك تدخل واضح من المحافظ وبعض الجهات بتسمية أعضاء مجالس المحافظة والانتخاب الشكلي لهم، وبذلك بقيت الولاية للمحافظ على المدينة ويا ليتنا نعود إلى ما كنا عليه سابقاً، فيبقى المحافظ هو رئيس مجلس المحافظة لأنه هذا الفصل كان شكلياً ولم يكن تنفيذياً أي يجب أن يكون هناك فصل بالمجالس المحلية بين المحافظ ومجالس المحافظة حتى تكون الأخيرة سلطات رقابية فعلية.
وحسب عنيز، فإن هذه الأمور بحاجة إلى معالجة وإلى لقاءات ومؤتمرات وليس كلاماً ومداخلات بسيطة، اليوم نحن بحاجة إلى انفتاح على بعضنا بعضنا والسماع للجميع ولكل من لديه اقتراحات ومبادرات لا أن يبقى الأمر للأسف مرهوناً بأشخاص معينين وأن يكون صاحب القرار في المحافظة أو في المجلس المحلي يصم آذانه عن سماع ما هو مطلوب ويقوم فقط بما هو مقتنع به، أما غير ذلك من الأفكار والآراء فلا تسمع إلا إذا كانت لهم مصلحة بها.
وذكر عنيز مثلاً بأنه كنا قد طالبنا فيما يتعلق بموضوع المدارس، بإيجاد حل لاستثمار المدارس بعد الدوام الرسمي لاسيما للطلاب المنقطعين وغيرها من الحالات التي لها علاقة بالتعليم، والنتيجة أن هذا الموضوع تم رفضه تحت ذريعة الحرص على المدارس العامة واليوم نرى العكس تماماً وكانت هناك خطة لأن تسلم المدارس العامة للقطاع الخاص لاستملاكها كاملة وليس جزئياً كما طالبنا، وللأسف سياسة تخصيص التعليم موجودة ولمصلحة من لا أحد يعلم !!! وكذلك سياسة تخصيص الكهرباء وموضوع الأمبيرات؟؟!
هذا وغيره من الأسباب أدت إلى ضعف الكوادر وضعف المبادرات ضمن عدم إمكانية المتابعة ولا أحد يبدي رأيه أو يقدم أي نقد بنّاء كما وجهنا السيد الرئيس بشار الأسد، ومن يقدم رأيه يُحارب، الأمر الذي يؤكد أننا بحاجة إلى لقاءات وحوارات نوعية.
ويرى عنيز أن تعزيز موقع العمل في الإدارة المحلية يتطلب تشكيل لجان قانونية وأخرى هندسية وإدارية قادرة على تعديل قانون الإدارة المحلية بما ينسجم مع الظروف والأوضاع الراهنة، إضافة إلى ضرورة تعديل مدة المكاتب التنفيذية في الانتخابات بحيث لا تبقى طوال فترة الدورة الانتخابية وإنما كل سنتين.. وكذلك أعضاء مكتب المجلس بمن فيهم رئيس المجلس يجب أن ينتخب سنوياً كما هي الحال في مجلس الشعب .. إضافة لذلك لا بد أن يعاد النظر بموضوع الانتخابات بحيث تكون من دون تدخل أو محسوبيات لأن هذا الأمر يعد أساساً في ابتعاد المجالس المحلية عن الشعب وابتعاد ممثل المجلس عن ناخبيه ما أدى إلى المزيد من تدهور عمل العديد من المجالس المحلية.
وأشار عنيز إلى أن هناك مبادرات كثيرة لكن معظمها تبوء بالفشل لأنه لا يوجد دعم حقيقي لها، إذاً لا بد من إعادة النظر والسعي نحو الكفاءات وعدم تهميشها وعدم إبعادها عن المجالس المحلية، والأمر الأهم أن هناك الكثير من الخدمات مغيبة والأراضي المهملة وغير المستخدمة، لذلك لا بد من تضافر الجهود وتفعيل العمل الحيوي لهذه المجالس للوصول إلى الغاية المرجوة من قانون الإدارة المحلية بحيث يكون هناك استقلال بالوحدات الإدارية واختيار سليم لهذه الوحدات لتعزيز الوعي والثقة لهذه المجالس.. صحيح أن ذلك يحتاج إلى وقت لكن أن تصل متأخراً خير من ألا تصل”..
اليوسف: قانون الإدارة المحلية الموجود غير قابل للتطبيق لأنه وضع لبلد مثل سويسرا؟!
مخالفات وتجاوزات
المحامي والباحث الاقتصادي الدكتور عمار اليوسف أوضح لـ”تشرين” أن قانون الإدارة المحلية الموجود حالياً غير قابل للتطبيق لأنه وضع لبلد مثل سويسرا، مبيناً أنه لا يتماشى مع الأوضاع الموجودة في سورية وكان من المفترض أن يراعي القانون الحالة الخصوصية للبلد.
وأشار اليوسف إلى أن هناك الكثير من التجاوزات والمخالفات تحدث في مجالس المحافظة والتي تندرج ضمن منظومة الفساد الموجودة، لافتاً إلى أنه من يريد تطبيق القوانين ولاسيما لجهة المخالفات الخاصة بالبناء والبلديات وغيرها يحارب من أعضاء مجلس المحافظة أو من المتنفذين في /مافيا العقارات/، مشيراً إلى معظم القائمين على مجالس المحافظة آخر همهم خدمة المواطن، لافتاً إلى أن التجارب أثبتت أن المجالس إما أن تكون تابعة لشخص ذي شخصية قوية اعتبارية أو ذي ملاءة مالية أو تكون هذه المجالس معطلة والواقع يؤكد ذلك.
والمشكلة الأهم – حسب اليوسف – هي التخبط في التعامل مع الموارد الموجودة، مبيناً أنه لا توجد آلية صحيحة للاستغلال واستثمار الموارد بشكلها الصحيح، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في قانون الإدارة المحلية وإعادة هيكلته وتعديله، بحيث يتناسب مع الوضع الحالي ويتم التركيز على أن تكون هناك صلاحيات مطلقة للقائمين على التنفيذ بحيث يتم تحديد المسؤوليات وحصرها بشخص ما، لا يكون منتخباً بل يتم تعيينه كما كان في السابق (أي العودة إلى العملية المركزية).
الموارد عامة ولا تدار بالشكل الصحيح؟
يوسف أكد أن كل التجارب أتثبتت أن الفشل موجود مادام الأمر عاماً والموارد عامة ولا تدار بالشكل الصحيح وحتى الرشاوى والمخالفات تخضع للمحسوبيات، معتبراً أن الحل الآخر يتطلب تحسين وضع الموظف والقائمين على البلديات والمجالس وغيرهم.. عندها نستطيع أن نطبق قانون الإدارة المحلية ونجزي عائداته بالشكل الصحيح التي هي بالأساس فيها منفعة للجميع من حكومة ومؤسسات ومواطنين.