بعد سنوات من الإقصاء والتهميش وانعدام الأمل.. خريجو الجامعات يتطلعون للمساهمة في بناء سوريا الجديدة
الحرية – عمار الصبح:
بكثير من الأمل يتطلع خريجو الجامعات إلى المساهمة في بناء سوريا الجديدة، وذلك بعد سنوات من الإقصاء والتهميش مارسها النظام البائد بحق الكثيرين منهم، في وقت انعدمت فيه فرص العمل أمامهم وأغلقت الأبواب في وجوههم، ما اضطرهم مكرهين، إما للعمل في مهن لا تناسب تخصصاتهم أو للهجرة بحثاً عن مستقبل أفضل.
عودة الأمل
في أروقة شؤون الطلاب بجامعة دمشق، يتنقل الشاب معاذ الحسين من مكتب لآخر لاستكمال إجراءات الحصول على شهادته الجامعية وتصديقها، منهياً بذلك مشواره التعليمي بعد سنوات قضاها في دراسة اللغة العربية.
يتحدث الشاب الذي ينحدر من محافظة درعا بكثير من الأمل الذي كان مفقوداً، مؤكداً أنه وكما كل الشباب، وخصوصاً الخريجين منهم، بدؤوا باستعادة الأمل بعد عقود من سياسة إقصاء الكفاءات وتحييدهم من مواقع المسؤولية والإبقاء على أصحاب المحسوبيات والولاءات.
ويضيف: “الفرصة تبدو سانحة اليوم ليأخذ أصحاب الكفاءات دورهم في بناء سوريا الجديدة، والتي تحتاج إلى كل أبنائها للنهوض بها ومنحها ما تستحق من مكانة تليق بها”.
إعادة الاعتبار
سنوات عجز فيها النظام البائد عن دمج خريجي الجامعات في سوق العمل، ليتحول هؤلاء الخريجون إلى خزان بشري بلا استثمار.
يبين شاهر المصري خريج كلية الاقتصاد قسم المحاسبة، أنه مضى على تخرجه من الجامعة أكثر من 13 عاماً ولم يحظَ حتى الآن بفرصة عمل في الدولة لقلة المسابقات التي كانت تعلن في هذا السياق، واقتصر عمله كل هذه السنوات على العمل في القطاع الخاص متنقلاً من مجال إلى آخر على أمل أن تأتي الفرصة المناسبة.
فرصة تأخرت كثيراً، كما يؤكد الشاب الذي بلغ السادسة والثلاثين من عمره، حاله في ذلك كما يؤكد ، كحال الآلاف من أبناء جيله، وخصوصاً من خريجي الجامعات الذين لم يقف الحظ إلى جانبهم.
يضيف المصري: “لم يكن مستهجناً أن يتحول خريجو الجامعات في عهد النظام البائد إلى عمال مطاعم أو نادلي مقاهٍ، أو غيرها من المهن التي لا تتناسب مع اختصاصهم، وهم ينتظرون فرصة مناسبة، باتت بالنسبة للكثيرين منهم أشبه بالحلم”.
ويرى أنه آن الأوان كي تعود للشهادة الجامعية قيمتها، وللخريجين مكانتهم التي يستحقونها، بعد سنوات تحولت فيها الدراسة الجامعية إلى عبء ثقيل أثقل كاهل الأسر وأضحت فيها الشهادة مجرد ورقة تزين الجدران، فضلاً عن النظرة الدونية التي كان ينظر فيها البعض للشهادة الجامعية باعتبارها “لا تطعم خبزاً” على حد وصفه.
كارثة الهجرة
وأمام انعدام الأمل ومحدودية الفرص، شكلت الهجرة سبيلاً للخلاص من الواقع أمام كثير من الشباب السوري، وخصوصاً حملة الشهادات الجامعية، مع ما شكلته هذه الهجرة من استنزاف للموارد البشرية.
يؤكد بشر الزين خريج كلية الحقوق، أن السنوات التي قضاها في دراسته الجامعية ذهبت أدراج الرياح، إذ لم يستطع الحصول على فرصة عمل مناسبة لاختصاصه رغم أنه طرق كل الأبواب لأجل ذلك، ولم يبقَ أمامه سوى التفكير بالهجرة، التي اندفع إليها كثير من الشباب مكرهين للبحث عن الفرص في ما وراء البحار على حد وصفه، إلا أن التكاليف العالية التي وصلت إلى أكثر من 10 آلاف دولار للشخص الواحد، إضافة إلى المخاطر المحتملة جعلته يعدل عن الفكرة.
خريج كلية الحقوق يرى اليوم أن ثمة أملاً بأن يجد فرصة عمل تناسب تخصصه، وتضمن له ولأبناء جيله من خريجي الجامعات مستقبلاً أفضل، يعينهم وأسرهم على متطلبات الحياة، ويغنيهم عن الهجرة في أصقاع الأرض.
الحق المفقود
وفيما أسعف الحظ كثيرون للحصول على الشهادة الجامعية، لم يتمكن آخرون من استكمال دراستهم، فالظروف المادية الصعبة وارتفاع التكاليف والهاجس الأمني، كل ذلك شكل حائلاً أمام كثيرين، منعهم من إتمام مشوار الدراسة الجامعية.
وفي هذا السياق، يعود الشاب محمود المبارك – وهو طالب جامعي منقطع عن الدراسة- بذكرياته إلى سنوات خلت، حيث كان مجرد الوصول إلى الجامعة وحضور المحاضرات في الوقت المحدد أشبه بالمغامرة، في ظل القبضة الأمنية وسلطة الحواجز العسكرية آنذاك، ما حرم كثيراً من طلاب الجامعات من إكمال دراستهم رغم أن بعضهم وصل إلى أبواب التخرج حسبما يقول، لافتاً إلى أن كثيرين فضلوا ترك الدراسة والتوجه للعمل، وهم اليوم يحدوهم الأمل بالعودة إلى مقاعد الدراسة واستعادة حقهم في التأهيل الأكاديمي.
متميزون ولكن!
بدوره، يرى الخبير في الموارد البشرية خير الله العوض أن مخرجات التعليم العالي من خريجي الجامعات والمعاهد، تعد رافداً مهماً وأساسياً لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لذلك فالتركيز يجب أن ينصب على استيعاب هؤلاء الخريجين وأصحاب الكفاءات في سوق العمل، وخلق فرص مناسبة لهم سواء في التوظيف أو في القطاع الخاص، موضحاً أن الكوادر البشرية السورية متميزة وليس أدل على ذلك من حالات التميز التي حققها العديدون منهم في دول الاغتراب التي استطاعت استيعابهم والاستفادة منهم في تنمية اقتصادياتها.
ولعل ما فاقم المشكلة -حسب العوض- هو عجز النظام البائد وخلال كل العقود الماضية، عن ربط مخرجات التعليم بسوق العمل، ما شكل فجوة كبيرة في هذا المجال وأخرج الآلاف من هؤلاء الخريجين من دائرة الاهتمام، حتى تحولوا من خزان بشري داعم للتنمية إلى عبء ثقيل على المجتمع.
وكشف العوض أن ما يقرب من 50 ألف خريج جامعي في سوريا ينضمون إلى سوق العمل سنوياً، وهو رقم كبير بالمقارنة مع الفرص المتاحة، ما يستدعي فتح كل الأبواب لاستيعاب هؤلاء الخريجين، سواء كان في القطاعين العام والخاص، أو في مساعدة من يرغب بإنشاء مشروعه الخاص وتقديم كل التسهيلات له، ما يسهم في تقليص الفجوة بين مخرجات التعليم من جهة وسوق العمل من جهة ثانية.