حتى يعرف العالم كُله… الفياض يُصمّم طوابع تُوثّق مَجازر الأسد 

الحرية-لبنى شاكر: 

لم يكن مُفاجئاً اهتمام مئات وسائل الإعلام بالشأن السوري مع إعلان سقوط النظام، حتى إن بعضها سرعان ما أعدّ برامج ولقاءاتٍ وأفلاماً قصيرة، تُعنى بالأخبار والأحداث المُتلاحقة على امتداد الجغرافيا السورية، لكن ما يذهب إليه الباحث والمُهتم بشؤون التراث محمد فياض الفياض، يتجاوز فكرة المُتابعة اليومية واللهاث لتحقيق السبق الصحفي، نحو التوثيق المُتأني ومُمتد الأثر، وتحديداً عبر الطوابع البريدية بوصفها رسالةً مفتوحةً على العالم كله.

يُمكن للطوابع الإضاءة على رموزٍ وأحداثٍ وشخصياتٍ كان لها الأثر الكبير في إشعال الثورة وتحرير البلاد

توثيقٌ مُختلف

اختيار الفياض الطوابع البريدية لتوثيق جرائم النظام البائد دوناً عن غيرها مما يُمكن تداوله، يعود إلى الدور المُنوط بها بطبيعة الحال في توثيق قضايا حياتية كثيرة، عدا عن أنها تنتقل عبر الدول ويتلقفها الهواة في كل مكان ولاسيما إذا كانت تحمل رسالة لها دلالات، ولهذا فإن مشروعه القائم على إصدارات الطوابع سيأخذ سِمةً مختلفةً عن سِمات التوثيق الأخرى برأيه، بل إن الفكرة بحد ذاتها سابقة في تاريخ الطوابع البريدية السورية. يُضيف الفياض لـ “الحرية”: “سترحل الطوابع حول العالم مُتحدثةً عن الأساليب الوحشية التي استخدمها النظام في قتل شعبهِ من خلال السجون المنتشرة بشكل كبير، على سائر الجغرافيا السورية، مدعومةً بمؤسساته الأمنية، وستحكي عن التدمير المُمنهج الذي طال المدن السورية التاريخية برمتها، ناهيك بالمواقع الأثرية المهمة من خلال استخدام البراميل المتفجرة، وصولاً إلى استهداف مدينة حلب وأسواقها القديمة ومسجدها الكبير، ومدينة حمص وأوابدها الأثرية كمسجد الصحابي الجليل خالد بن الوليد، والعديد من الكنائس التي لحقها الدمار والتخريب، وغير ذلك من مواقع ومدنٍ تاريخية”.

رموز وشخصيات

صمّم الفياض مجموعة طوابع، عَرَضَ فيها صورة الشهيد مازن الحمّادة، ولحظة سقوط المئذنة التاريخية للمسجد العمري في درعا البلد، إضافةً إلى صورةٍ جويّةٍ لمُعتقل صيدنايا، وأخرى لكنيسة القصير في حمص، إشارةً إلى الجرائم المُرتكبة ضد التراث الثقافي، لكن ما يُمكن الإضاءة عليه عبر الطوابع كثيرٌ جداً، يشرح الفياض: “هناك رموزٌ كثيرةٌ وأحداثٌ مهمةٌ، وشخصياتٌ كان لها الأثر الكبير في إشعال الثورة، وبالنهاية تحقيق الانتصار، ومن هؤلاء الطفل حمزة الخطيب والشهيد عبد الباسط الساروت، والدكتورة رانيا العباسي بطلة سورية والعرب في الشطرنج وزوجها عبد الرحمن ياسين، ويُمكن الانتباه إلى عددٍ كبيرٍ من الأطباء الذين تمت تصفيتهم فقط لأنهم قاموا بتقديم المساعدة للجرحى والمصابين نتيجة القصف الجنوني للنظام على الأحياء المدنية”.

أيضاً، يُشير الفياض إلى “ضرورة عدم إغفال الكوادر الفنيّة والإعلاميّة التي كان لها الدور الأرفع في تسطير الانتصار الكبير على الطغاة، من خلال مواقفهم الجريئة والمميزة، منهم الفنان خالد تاجا، والمخرج حاتم علي، والفنان سميح شقير الذي حرّك مشاعر الجميع في أغنيته الشهيرة “يا حيف”، وكذلك الفنانة مي سكاف وغيرهم الكثير”.

توثيق جرائم النظام المُرتكَبة ضد الإنسانيّة عبر الطوابع حالةٌ استثنائيّةٌ ستجد رواجاً وانتشاراً كبيرين

قضايا مهمة

كما يُمكن التركيز على قضايا مهمة، كي تبقى في ذاكرة السوريين، يستحضر منها “قتل الأطفال، واغتصاب النساء، وما يتعلق بالسجون، ولا سيما مُعتقل صيدنايا المعروف بسجن الموت، ومن ضمنه موضوع المرأة التي اعتُقلت وكانت عزباء وخرجت ومعها ثلاثة أطفال بعد اغتصابها من قبل السجانين، والأدوات المستخدمة في التعذيب من مكابس ومناشير وغيرها، والتي تُستخدم عادةً لقطعِ الأشجار أو التعامل مع المعادن، كذلك التذويب بالأسيد لإخفاء الجثث، والمقابر الجماعية التي فاقت جرائم المغول والتتار، ولا تفوتنا قضية المخدرات، وكيف تم توظيفها من قبل النظام لتدمير المجتمع السوري ودول الجوار ليبقى في الحكم مدة أطول، وعلينا أن نتذكر أيضاً استخدام النظام للمواد الكيماوية في ريف دمشق (حرستا ودوما)، والتي ذهب ضحيتها العديد من الناس الأبرياء، وفي الذاكرة طبعاً مجزرة التضامن”.

تطوير الفكرة

الحديث عن إمكانية تطوير فكرة الفياض أو تشعبها نحو اتجاهاتٍ أخرى تصب في نفس السياق، واردٌ جداً على ما يقول، ثم إن توثيق جرائم النظام المُرتكبة ضد الإنسانية عبر الطوابع حالةٌ استثنائيّةٌ ستجد رواجاً وانتشاراً كبيرين، كما يُمكن استخدام عمليات التوثيق في مواقع أخرى مثل إصدارات العملة الورقية الجديدة، وعلى حد تعبيره: “نستطيع أن نأخذ بعض الرموز أو الشخصيات التي لها وقعٌ في نفوس الشارع  السوري لتتصدر مفردات العملة السورية كالساروت أو حمزة الخطيب أو رائد الفضاء السوري محمد فارس الذي ظلمه النظام، وغيره الكثير من أبناء الشعب السوري، وإن كُنت أُفضل أن نأخذ من كل محافظةٍ رمزاً أثرياً مُدمّراً، أو شخصيةً مميزةً”.

قتل الأطفال واغتصاب النساء وأساليب التعذيب في السجون…مواضيع مُقترحة للطوابع ……

عن الجولان

طرح الفياض سابقاً على بعض الشخصيات المُقرّبة من أصحاب القرار بما يخص الجَّولان السوري، إصدار مجموعةٍ بَريديَّة لمواقع أثرية في الجولان، تُذكّر العالم بأرضٍ سورية احتُلت في العام 1967م، مضى على احتلالها ما يقارب خمسة عقود ونيف، ومن هذه المواقع على سبيل المثال لا الحصر “جبل الشيخ، قلعة الصبيبة، النمرود، رجم الهري، أم القناطر، قلعة الحصن، نبع بانياس، الكرسي، فيق، كنيسة بانياس التاريخية، بحيرة مسعدة، الحمة السورية”.

يُضيف الفياض لـ”الحرية”: “قدمتُ هذا المُقترح للنظام أكثر من مرة، من خلال جهاتٍ ثقافيةٍ تهتم بالشأن التراثي، لكن لم نلقَ آذاناً مصغية، نأمل من الإدارة الجديدة أن تعمل على إصداراتٍ جديدةٍ تُعيد الألق للمؤسسة العامة للبريد، وللبريد السوري بالعموم، ولكيلا ننسى فإن المُكوّن التراثي الأهم والمنسي دائماً في إصدارات الطوابع البريدية في سورية هو الخط العربي ورواده الأوائل، فدمشق كانت موطن الخط العربي وفيها أهم مدارسه، وأهم رجالاته الراحل بدوي الديراني خطاط بلاد الشام بلا مُنازع”.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار