مركزُ أدهم إسماعيل للفنون التشكيلية مهددٌ بالإغلاق التام… هل مِنْ مُجيرٍ لطلابه؟! 

الحرية- جواد ديوب:

هو مكانٌ لوّنَ أيامَ طفولتي بألوان البهجة، ولاتزال رائحة الألوان الزيتية وشكلُ الألوان المائية السابحة في مزّاجات اللون تزورني في أحلامي… هو مركزٌ حملَ اسمَ واحد من رواد الفن السوري منذ بداية الستينيّات، وتخرّجَ فيه فنانون كبار صاروا جزءاً من تاريخ الحركة التشكيلية السورية منهم مثلاً  الفنانون: ناصر حسني وعبد الله صالومة وسارة شمة.. وغيرهم الكثير.

مؤخراً، يكاد أن يتحولَ وجهُ المركز إلى قتامةٍ وغمامةٍ سوداء لأن صاحب العقار (الشقة/البيت) استعادَ ملكيته للمكان من دون تنسيق مع وزارة الثقافة ودون مراعاة للقيمة الرمزية للمركز.

“تعالوا خذوا أغراضكم”!!

صحيفة (الحرية) تواصلت مع مدير المركز  قصي العبدالله الأسعد والذي أبلغنا في تصريح خاص:

“حاولنا كثيراً أن نقنعَ صاحبَ العقار بخصوص معرفة التفاصيل لكنه قال لنا حرفياً: (إنني صبرتُ كثيراً على عقار مغتصَب من قبل النظام السابق البائد والآن أنا استرديتُ حقي.. تعالوا خذوا أغراضكم وارحلوا خلال أسبوع وإلا سأرميها خارج المركز)… وضعتُ السيدة وزيرة الثقافة في ضوء ما حدث، وهي بدورها تواصلت مع الإدارة الجديدة لكننا لم نتلق اي تجاوب حقيقي حتى تاريخ البارحة أو أي جواب يمكن ان يكون حلاً. ”

الفنونُ وجهُ سوريا الحضاري!

” المشكلةُ -يُكملُ الأسعد كلامه-  أن ما فعله صاحبُ العقار حرمَ قرابة مئة طالب وطالبة بأعمار ومستويات وشرائح متنوعة من متابعة تدريباتهم الفنية وحياتهم العملية، وإن كنا نريد بناء البلد والهوية الثقافية الحقيقية؛ فحرمان هولاء الطلاب والفنانين الأساتذة ( معنا قرابة ١١ أستاذاً) من هذا المركز؛ هذا معناه تهميشاً لهم في أن يساهموا مساهمة راقية في مستقبل سوريا الجديدة، فالفن والمنتج الثقافي والفنون الجميلة هي الوجه الحضاري للبلد”.

خطوةٌ نحو الاعتصام!

* وماذا عن الاعتصام الذي سمعنا أن طلاب المركز والأساتذة قرروا القيام به؟

**يقول الأسعد:  “للأمانة؛ فقد سمعتُ بذلك من خلال صفحات الطلاب على الفيسبوك والذين شعروا بالحزن الشديد على مركز كان يشبه بيتهم، ويبدو أنهم كانوا بعيدين عن التقديرات الإدارية التي أحاول تنسيقها مع السيدة وزيرة الثقافة، ولأنهم أحسوا بأن نداءاتهم ومناشداتهم لم تلقَ صدىً إيجابياً… لذلك قرروا القيام بخطوة التجمع أمام مبنى وزارة الثقافة لعل هذه الخطوة تشكل دعماً إيجابياً لجهودنا في الوصول إلى حل ينصف الجميع”.

تأجيلُ الاعتصام!

وسيم الكِلّ من خريجي المركز وأستاذ حالي فيه، أخبرنا أنه: “شعرنا بالظلم رغم معرفتنا بأن مالك العقار هو صاحبُ حقٍ في البناء… غادرنا ولم تبق هناك  فقط لوحاتُ الطلاب في المركز المقفل، بل بقيت أرواحنا هناك… لذلك ذهبتُ إلى وزارة الداخلية للحصول على ترخيص وموافقة على التجمع، وكيلا نُعرّض أحداً من الطلاب للمساءلة…وفي وزارة الداخلية وعدني مدير العلاقات العامة بالاهتمام بشكل جدي ومحاولة إيجاد حل لهذه المشكلة.. وبناءً على وعده لنا تم تأجيل التجمع الاعتصامي”.

*ماذا كنتم تنوون قوله في الاعتصام؟

يجيبنا الكل: “نريدُ أن نقول إننا متمسكون بالمركز وبقيمته، وأننا جزءٌ من مستقبل سوريا الحرة الجديدة ولنا أحقية أيضاً في الإبقاء على الهوية التاريخية لمركز أدهم اسماعيل؛ وأننا لم نتخلص من النظام البائد لنصل إلى هذه اللحظات غير المنصفة بحقنا.”!

أيقونة حضارية!

ربيعة أبو الخير (أمٌّ لشابين أحدهما سنة رابعة موسيقا والآخر بكالوريا، كانت تدرس جامعة تربية خاصة لذوي الاحتياجات الخاصة لكنها أوقفت الدراسة الجامعية لتعاود شغفها في دراسة الرسم في مركز أدهم اسماعيل) تقول لصحيفة( الحرية) فكرتها عن الوقفة التي أرادت المشاركة فيها: “الموضوع محزنٌ جداَ بالنسبة لي ولزملائي الطلاب…وقد أحببنا أن نوصلَ صوتنا بطريقة لبقة وسلمية وحضارية لمن هم مسؤولون عن الحل… ربما لم يسمع  الكثيرُ من الناس  بما حصل لمركزٍ هو مركزُ إشعاع حضاري وتنويري وتربوي لأجيال تخرجت فيه ولأجيال قادمة… لطالما حلمتُ بدراسة الرسم بطريقة أكاديمية ولكن ذلك لم يتحقق لي في كلية الفنون الجميلة، ثم وجدتُ حلمي القديم المتجدد هاهنا في مركز أدهم إسماعيل  لأكتسبَ خبرة من الأساتذة الراقين الذين لكل منهم تجربة مهمة وخبرة طويلة في الفنون الجميلة… وجدتُ فيه فسحة لروحي ومتنفساً لي من ضغوط الحياة، وأوقفتُ دراستي الجامعية كرمى لمتابعة حلمي بالفن، لكن وبكل أسف أنني وبعد وصولي للدورة الأخيرة (مرحلة الرسم بالألوان الزيتية)  حصل ما حصل وأصبحنا في مهب الريح… وقد يخسر أولادنا وأحفادنا فرصة تاريخية للتواجد في هكذا مركز حضاري”.

عائلة واحدة!

المدرس في المركز وسيم الحيدر: “للمركز ليس فقط قيمة فنية تشكيلية، بل هو مركز تربوي لأننا عملنا كثيراً على قضايا وطنية، وتضامنّا برسوماتنا وبأعمال الطلاب مع قضايا عربية مثل القضية الفلسطينية… بل كان الأساتذة ومنهم كبيرُ الأساتذة (الفنان حسن حسن) مع الطلاب يشكلون عائلةً واحدة، تجمعهم الأُلفةُ ومحبة العمل لدرجة أننا كنا ندهن جدران المركز ونحاول ترميمه من مالنا الخاص رغم أن أجور الأساتذة زهيدة جداً جداً تكاد لا تصل إلى سبعين ألف ليرة شهرياً في زمن النظام السابق الذي رغم تبجحه بالاهتمام بالفنانين إلا أنه لم يكن يدعمنا في كثير من الأمور الأساسية”.

أحدُ الحلول!

*هل من حلول منصفة للجميع إذاً؟!

يجيبنا الأسعد:  “نحن مع صاحب العقار في أن يجد حلاً منصفاً يرضيه، لكن نتمنى أيضاً أن نتوافق على واحد من الحلول المقترحة والتي نتمنى على وزارة الثقافة أو الإدارة الجديدة تبنّي أحدها، مثلاً: دفع الأجار لصاحب الحق كاملاَ بحسب القيمة الرائجة… أو  شراء العقار بالكامل، أو مبادلة صاحب العقار بعقار مشابه يُعطى له في مكان آخر، أو  بحل أخير هو تأمين مركز يشبه مركز أدهم اسماعيل رغم كل الغبن والخسارة للقيمة التاريخية لمَعلَمٍ من مَعالم سوريا عبر الزمن”.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار