عبد السلام قطرميز… فنان الأعمال النحتيّة الكبيرة
تشرين- لبنى شاكر:
يُعرف النحات عبد السلام قطرميز 1939 بإنجازه أعمالاً نُصُبيةً كبيرة الحجم، أشهرها “الثوري العربي”، الذي اشترك في إنجازه مع الفنانين الراحلين محمود جلال ووديع رحمة، ونُفِّذ بمادة البرونز بعد أن تمّ تشكيله بالطين والجص، ثم وُضِع عام 1967 في ساحة المحافظة بدمشق، ونُقِل لاحقاً إلى منطقة البرامكة. وعلى أهمية منحوتاته ذات القياسات الكبيرة، إلّا أن البحث في مشواره، يُظهر تنوعاً لافتاً أيضاً في الأساليب، وصل إلى النحت التجريدي الحديث، وما يدور في سياقه من رؤى ومفاهيم، بموازاة تمكّنٍ من تقانات فن النحت، على اختلاف المواد والخامات، ولاسيما البرونز والحجر والرخام، مُضافاً إليها الحجر الصناعي والخزف والبوليستر، ولا مبالغة في القول إن هذا الاحتراف المدعوم بأعوامٍ من الخبرات والعطاءات المتلاحقة، يستند في تجربته إلى شغفٍ قديمٍ مُتجدد.
عام 1983 نفّذ قطرميز نُصُباً تذكارياً لمجاهدي الثورة السورية الكبرى في حماة تُزينه لوحة من الفسيفساء الزجاجي
أول الطريق
اختبر قطرميز الحجارة منذ كان طفلاً يُرافق أباه العامل في البناء، ومن ثم اعتاد الاشتغال عليها بالتكسير والتهذيب والرصف، إضافةً إلى “التكحيل” بإعطاء الحجر لوناً أسود، ومن ثم تزيين واجهات الأبنية ذات الحجر المُسمى “التلفيتي”، برسم النسر السوري عليها، كل هذا جعله مُتمرساً في التعاطي مع مختلف أنواع الحجارة، إلى جانب اهتمامه بالرسم، والذي بدأه بالخطوط حول النوافذ العالية في بيت عائلته المبني من “الكلسة” العربية المطلية بالطين والتبن، رسم أوراقاً ووروداً وفواكه، تتناسب مع لونها الفخاري، مُحاوِلاً تجميلها رغم صعوبة رؤيتها بوضوح.
خَطوات ومهام
الرغبة في تطويع الحجر، اتخذت طريقاً أكاديمياً مع إيفاد قطرميز عقب نجاحه في الثانوية إلى مصر لدراسة الفنون، هناك عرف النحت بالطين لأول مرة، وسرعان ما أثبت جدارة بنيله درجةً تامة عن عملٍ يُصوّر قروياً، ومع افتتاح كلية الفنون الجميلة في سورية، عاد إلى دمشق وتابع دراسته بإشراف عددٍ من الفنانين الكبار أمثال “محمود جلال، جاك وردة، مخلص صابوني، نصير شورى”، لِيتخرج ضمن الدفعة الأولى عام 1964، مُقدِّماً مشروعاً للتخرج عن موسم القمح، لا تزال قطعٌ منه محفوظة حتى اليوم بين مكتب عمادة كلية الفنون الجميلة، ونقابة المهندسين الزراعيين، والمتحف الوطني في دمشق “المحراث”.
عُيّن قطرميز رئيساً لمركز الفنون التشكيلية في حماة، وافتتح فيه قسماً للنحت، استقطب أعداداً كبيرة من الطلاب، ثم درّس مادة النحت في كلية الفنون الجميلة، كما درّسها في مركز أدهم اسماعيل للفنون التشكيلية في دمشق حوالي عشر سنوات، إلى جانب مساهمته في تأسيس نقابة الفنون الجميلة، كذلك شغل ما بين عامي 1969-2002 منصب مدير مركز أحمد وليد عزت للفنون التطبيقية، وخلال هذه الفترة درس عام 1975 فن النحت على الحجر والرخام في مدينة كارارا الإيطالية، بينما بقي الرسم هواية، أنجز في ميدانها عدة لوحات زيتية، واستفاد منها في فن النحت.
قدّم مشروعاً للتخرج عن موسم القمح “المحراث” لا تزال قطعٌ منه محفوظة حتى اليوم
أُسلوب مُبسّط
يقول النحّات عبد السلام قطرميز “معظم أعمالي تنتمي إلى الأسلوب الواقعي المُبسّط من ناحية السطوح، وهو ما يُميزني عن غيري، إضافةً إلى إنجاز الأعمال النحتية بحجمٍ صغير بدايةً بحيث أتمكن من السيطرة على الكتلة ثم ألجأ إلى تكبيرها، وهو ما فعلتُه حين قدّمت تمثال الرئيس الراحل حافظ الأسد، صممته بدايةً بقياس 70 سم، ثم عملت على تكبيره عدة مرات حتى وصل إلى ارتفاع خمسة عشر متراً، وفي بعض الأحيان المساحة المخصصة للعرض، تفرضُ عليّ حجماً معيناً”.
درّس مادة النحت في كلية الفنون الجميلة كما درّسها في مركز أدهم اسماعيل للفنون التشكيلية
إنجازات فنيّة
عام 1972 نفّذ قطرميز نُصُباً تذكارياً للثورة السورية في جبل العرب، عبارة عن فارسٍ عربي يرتدي الزي الشعبي لمحافظة السويداء ويمتطي حصاناً يستند إلى قائمتيه الخلفيتين، لاحقاً في عام 1977 نفّذ بمادة الرخام الإيطالي الأبيض نُصُباً تذكارياً للثورة السورية الكبرى في درعا، يُمثّل مجاهداً على كتفه بندقية وباليد الأخرى يحمل سنابل قمح، أيضاً عام 1983 نفّذ نُصُباً تذكارياً لمجاهدي الثورة السورية الكبرى في حماة في ساحة بمدخل المدينة الشمالي، تُزينه لوحة من الفسيفساء الزجاجي.
وفي عام 1990 نفّذ نُصُباً تذكارياً للرئيس الراحل حافظ الأسد على تلّة مقابل معمل إسمنت طرطوس، بارتفاع خمسة عشر متراً، نُحِتَ العمل في إحدى ساحات معرض دمشق الدولي القديم، بالتعاون مع النحّات محمود شاهين، ثم سُحِبت قوالبه ونُفِّذ بمادة الحجر الصناعي، وفي رصيده ترميم تمثال رياض الصلح في بيروت عام 1978 مع تعويضٍ كُلي للأجزاء المفقودة بمادة البرونز وتصميم وبناء القاعدة، كذلك صمم ونفّذ اللوحة الجدارية لمجمع صحارى العمالي بريف دمشق عام 2002 بمساحةٍ كليّة قرابة 600 متر مربّع بمادة البوليستر، وتُمثّل بانوراما فنية للجغرافية السورية العريقة بتنوعاتها المختلفة.