التراث.. محاصر بين التزييف والتغريبب
تشرين- محمد خالد الخضر:
يعتبر التراث من أهم مقومات الشخصية الاجتماعية التي تلعب الثقافة دوراً كبير في حضورها وأهميتها وقدرتها على حماية ذاتها.. ولابد للمثقف بكل أنواع الثقافة أن يسعى جاهداً لحماية تراثه وأصالته ومعرفة الحقيقي منها ويغربله عن المزيف..
غربلة التراث
وفي هذا المجال بدأ الخلط واضحاً بين ما يخص تراثنا العربي في الآثار والثقافة وبين ما يخص سوانا.. فلابد من عدم الخلط بين ما نشره وسعى لنشره العثمانيون على سبيل المثال وبين ما أسس له العرب منذ القدم من مكونات تعرض في المعارض ومنها ما يستخدم للضيافة وللطعام ومنها ما يستخدم للزينة ومنها ما يستخدم للباس.. وهي ظاهرة يُحتفى بها كثيراً ونقوم برعايتها من دون أن ندري.. وهذا ينطبق أحياناً على الأدب والثقافة ما جعلنا بحجة التطوير نستمع ونقرأ ونقتدي بمن يدعون لنهاية التراث والماضي والأصالة ونقتدي بهم ونمجدهم ونلقي عليهم الأضواء ونهمل من يحترمون آباءهم وأجدادهم بالثقافة والوعي والحضارة .
حكاية التهميش
وعلى سبيل المثال هناك من يقلد الغرب في تهميش أباءهم رغم قدرتهم الثقافية والأدبية التي لا ينافسها لا حاضر ولا مستقبل، فمن يمتلك القدرة يحاكي الماضي الثقافي والأدبي ومن لا يمتلك يدخل في الغموض و(الهيستريا) ويتلقى ثناءات الغرب.. كما ينال جوائزهم ودعواتهم وعطاياهم مقابل دعواته لإلغاء الأصالة وتحطيم الشخصية الحقيقة للمثقف العربي .
ونجد أن دعاة الحداثة التقليدية والتي تأتي لا علاقة لها بناسها وشعبها أغلبهم كانوا في مسار التطبيع والاعتراف بكيان العدو ودعم حضوره فاعتبروا هؤلاء “رمزاً” للثقافة العربية وبدأ الضوء يسلط عليهم .. ومن كان في مساره الصحيح تم اغتياله مثل كمال ناصر الشاعر الفلسطيني وغيره.
وعلى هذا المنهج اللاتطبيقي انساق ما يسميهم الجاهلون ثقافياً وإعلامياً بالنقاد للخلط بين مكونات التراث الشعبي الحقيقي وبين ما هو قادم من أيام الاحتلال والتباهي به وعرضه بفخر واعتزاز ليسخر منا الآخرون ويفكروا بمستقبل آخر يخدم مصالحهم إضافة لتسريب أشكال ثقافية لتحطيم المجتمع العربي وتخدم الغربي والصهيوني ويقلع المثقف ومن يطلب الثقافة عن حضور النشاط الذي يهفو إليه.. فهو في الواقع أمام ما يسمى برموز لامعنى لها دخلت إلى الساحة بادعاء الكتابة والتطوير .
سبائك الذهب
وبدلاً من أن نقرأ بيت الشعر للجواهري:
دمشق صبراً على البلوى فكم صهرت
سبائك الذهب الغالي فما احترقا
نقرأ مقاله أحدهم في أمريكا :
(في الشام تفاحة وعشر صراصير وأنا أنام وأمي كالهستريا على شارع الباندونغ )
فما علاقتنا هنا بالشعر والثقافة؟! وعندما دعا أحدهم قائلاً لا يتطور المرء إلا إذا قتل أباه هو ذاته قال:
“إسرائيل: تنتمي جغرافيا إلى منطقة معينة..
يا صاحبي الذئب انتبه سيدفع الثمن أولادك وتعال لنقرأ ما قاله الرصافي :
انظر لخصمي تعترف بمكانتي
وترى علائي من وضيع مقامه
فالمرء إن تجهله تعرف قدره
من صحبه أحياناً ومن أخصامه
وما كتبه من آلاف النسنين عبر التراث الخالد طرفة بن العبد:
عن المرء لا تسأل وأبصر قرينه
فكل قرين بالمقارن يقتدي
والقضية ليست بالشكل يا صاحبي.. فالتطوير هو تطوير القوة لا تفكيكها، فلا مانع من الحداثة شرط أن تكون من قوي إلى أقوى .