شادي سروة: الموسيقى السريانية أحد مكونات الموسيقى السورية
تشرين – رنا بغدان:
ليس غريباً أن تُشتقّ كلمة “موسيقى” من الكلمة اليونانية “μουσική موسيكه” والتي تعني “فنّ إلهات الإلهام” أو الملهمات أو ربات الفن, ولتغدو على مرّ الزمن فناً وعلماً ولغةَ التعبير العالمية وتشكل جزءاً هاماً في العديد من ثقافات الشعوب والمجتمعات الإنسانية وتلعب دوراً رئيسياً في بعض الطقوس الدينية والنشاطات الاجتماعية والمجالات الثقافية.. من هنا وللإضاءة على الموسيقى عامة والموسيقى السريانية خاصة استضاف المركز الثقافي في “أبو رمانة”- مديرية ثقافة دمشق محاضرة بعنوان: “الموسيقى السريانية” قدمها الموسيقي والملحن شادي إميل سروة متناولاً فيها محاور عديدة بشكل تساؤلات ترك للجمهور الإجابة عنها من خلال عرض الموضوع ورفده بعرض سمعي بصري مشوّق.
وكانت البداية عبر رحلة تاريخية ركّز فيها على أن الأبحاث التاريخية أكدت الفضل الكبير في تطور الموسيقى المنتشرة في بلاد الشام عموماً، يعود للشعب السوري المتمثل بالأموريين/الكنعانيين والآراميين الذين يعتبرون من أعمدة صرح الحضارة السوري، وما الرُقم المكتشف عام 1948 والذي يعود عمره إلى 3000 عام قبل الميلاد في مدينة أوغاريت السورية إلا عبارة عن موسيقى لأنشودة دينية موجهة إلى آلهة القمر والتي تحكي عن ابتهال سيدة عاقر للآلهة كي تمنحها ذرية من نسلها, بعدها تمّ عرض لموسيقى رُقم اوغاريت ليواصل الموسيقي حديثه عن الموسيقى السريانية التي كانت ابنة وامتداداً للموسيقى الآرامية الوثنية المقدسة في المعابد والقصور الملكية والأغاني الشعبية وغيرها التي نشأت في هذه المنطقة من العالم.
وعن جذور الموسيقى السريانية تحدث سروة قائلاً:
تعدّ الموسيقى السريانية أحد مكونات الموسيقى السورية وهذا ما تعمل به وزارة الثقافة في السنوات الأخيرة مشكورة على إبرازه وتوضيحه من خلال اهتمامها بالموسيقى السريانية كأحد المكونات ليس فقط التاريخية والتراثية السورية وإنما المشهد الثقافي السوري الحديث, فالسريان الآراميون هم مكوّن أساسي من مكونات التاريخ والحضارة السورية ومن هنا يكون الجذر التاريخي للموسيقى السريانية هو أحد الجذور التاريخية للموسيقى السورية.
أما عن بداية تشكل هذه الهوية مع الموسيقى الدينية فقال: تكونت هوية الموسيقى السريانية عموماً من موسيقى المدن والأرياف الآرامية المنتشرة حينها والتي هي جزء من الموروث الموسيقي السوري, ومن الموسيقى الدينية الوثنية واليهودية خاصة المزامير, ومن التآليف الخاصة للموسيقيين وأرباب الموسيقى الدينية مثل برديصان ويعقوب الرهاوي وماربالاي وجماعة الخزافين ومار أفرام السرياني الذي أسس اول جوقة نسائية تخدم الطقوس الكنسية.. إضافة إلى بعض التأثيرات الموسيقية اليونانية والبيزنطية والفارسية والتركية والعربية.
ثم تابع سروة محاضرته فذكر جميع الأعلام في الموسيقى الكنسية السريانية حتى القرن السابع, وتكلم عن الأسباب التي دفعت الكنيسة لإدخال الموسيقى والألحان إليها وجمع هذه الألحان في كتاب الـ”بيث غازو- مخزن الالحان”. ومن ثمّ تحدث عن الشق التقني الموسيقي فتناول نظام الألحان في الكنيسة السريانية, والقوالب الموسيقية للأغنية الشعبية مؤكداً أن الألحان السريانية الكنسية تعتمد في أساسها على أجناس المقامات وليس كامل المقام, وتم استعراض هذه الألحان بشكل سمعي مع عرض لتفصيله الموسيقي. بعدها انتقل إلى ميزات وصفات الموسيقا السريانية الشعبية والدينية فتحدث عن مقاماتها وإيقاعاتها ومدارسها المختلفة مع عرض لأمثلة مسجلة، ثم انتقل إلى الجزء الأخير من العرض والذي أفرده للتحديات التي واجهتها هذه الموسيقى عبر التاريخ.
هذا وقد ختم سروة محاضرته بالحديث عن النهضة الحديثة للموسيقى الشعبية السريانية في بدايات القرن التاسع عشر فاستعرض أعمالاً غنائية وموسيقية لأعلام الموسيقى السريانية في العصر الحديث أمثال نعوم فائق وغابريال أسعد وحبيب موسى وجان كارات ويوسف شمعون وكان مسك الختام التركيز على الموسيقي السوري الكبير الأستاذ نوري اسكندر الذي رحل عنا العام الماضي.