دراسة وتحليل لرواية «نبوءة على التلفاز» لأمين الساطي

تشرين- أحمد محمود الباشا: 

رواية “نبوءة على التلفاز ” للكاتب أمين الساطي تستحق بحق الوقوف عندها ودراستها وتحليلها ‏في كل مراحلها ومفاصلها التي نرى فيها أسلوب الكاتب وحنكته ودقته في سرد هذه الرواية ‏وانتقاله فيها من مرحلة إلى أخرى يطلعنا فيها على حياة البطل اليومية والشخصية ويمر فيها ‏على كل ما يعتلجه من مواقف وأحداث، بطل الرواية وائل شاب يعيش وحده في غرفة على ‏السطوح استأجرها لنفسه، ترك أسرته أمه وأخته المريضة وحدهما، حيث إن أخته مريضة ‏بفشل كلوي وبحاجة إلى غسيل مرتين في الأسبوع إن لم يكن أكثر، وحالتها تزداد سوءاً، ‏وهو موظف بدائرة السجل العقاري في بيروت بعد وساطة قريبه لتعيينه فيها براتب متدنٍ لا ‏يكفي له ولعائلته، وزملاؤه بالعمل سعيد وسلمى.‏

يحب مشاهدة التلفزيون الذي تعرّف من خلاله إلى مذيع برنامج في إحدى القنوات ‏التلفزيونية، حيث عدّ المذيع معلمه يتلقى منه التعليمات والأوامر، ويقوم بتنفيذها، وهو ‏يعرف عنه كل شيء، وما يحدث معه ويلقنه ماذا عليه أن يفعل.

أما في العمل فصديقه الوحيد سعيد وزميلته سلمى التي تتبدل أفكاره وآراؤه حولها، فتارة يرى ‏فيها زوجة المستقبل وشريكة حياته، وتارة أخرى يرى أنها ليست جميلة ولا تناسبه.

في بداية حواره مع المعلم طلب منه العبث بالسيارات وخدشها وتكسير زجاج أضوائها، ومن ‏ثم عليه أن يشتري مسدساً ويسطو على محل للمجوهرات، ونفذ فعلاً ما طلبه منه وأخذ ‏المجوهرات والأموال الموجودة بالمحل، فكر بأن يذهب إلى الهند ليشتري كلية لأخته، فترك ‏العمل في دائرة السجل العقاري ببيروت، وأخبر سعيد بسفره إلى الهند لعلاج أخته، وطلب من ‏سلمى ألّا تترك والدته وحيدة وتتصل بها وتطمئن عليها.

وعند وصوله إلى الهند نزل في فندق وذهب هو وأخته إلى المشفى الذي راسله والتقى ‏بالدكتور الذي سيجري العملية وأخبره بأن المتبرعة جاهزة للتبرع بكليتها لقاء مبلغ مالي، ‏وتمت الفحوصات وبقية الإجراءات وأجريت العملية على أنها تكللت بالنجاح، لكنه رأى أن ‏شقيقته تتراجع وليست على ما يرام وصحتها تسوء ما أدى إلى وفاتها، وأخبره الطبيب معاون ‏مدير المشفى أن وفاتها كانت نتيجة جلطة قلبية وهي نائمة، فقرر أن يدفنها بالهند لصعوبة نقل ‏جثمانها إلى لبنان، وذلك بإحدى المقابر الإسلامية هناك وبعد دفنها طلب من سلمى أن تخبر ‏أمه بوفاة ابنتها، فاعتذرت وأنه يصعب عليها ذلك.

وعندما عاد أخبر أمه بوفاة أخته فتأثرت كثيراً وبكت على فراقها، ولوائل علاقات عاطفية ‏ليشبع غريزته فيها، فتعرف إلى إحدى المومسات التي كانت تتردد عليه دائماً وأصبحت لا ‏تتقاضى منه مالاً، وقام معها بالسطو على محل مجوهرات، وهو الذي قتل القواد الذي تعمل ‏معه، وقد عرفت ذلك بعد سفره إلى الهند.

كان دائماً يجتمع مع صديقه سعيد في المقهى كل يوم، راودته فكرة تجاه أمه بأن يضعها في ‏دار المسنين وأقنعها بأنه سيزورها كل أسبوع مرة ونفذ ذلك، شاهد المذيع المعلم الذي طلب ‏منه سرقة أحد الصرافات بتفجيره بأصابع الديناميت، نفذ العملية بالتعاون مع سعيد وأخذ ‏الأموال الموجودة فيه عدا التي وقعت على الأرض لم يستطع جمعها، وعند عودته إلى البيت ‏مع سعيد وجدا أنّ المبلغ قليل لا يلبي طموحاتهما، فسعيد كان يمنّي النفس بشراء منزل ‏ليستطيع الزواج. فكر وائل بعملية أكبر وتكون الختام فوجد أنّ السطو على مصرف مالي يحقق ‏المطلوب له ولسعيد، وأنه بعد هذه العملية سيسافر إلى تركيا ويستقر هناك ويترك هذه الأعمال ‏نهائياً، واستطاع الحصول على موافقة سفارتها وحجز تذكرة طيران.

حاول كثيراً استدراج سلمى ليتبادل معها علاقة حميمة ويغريها بالهدايا فكانت تسايره أحياناً ‏على أن يخطبها من أهلها، لكنه ماطل كثيراً، فأخبرته أن هذه هي المرة الأخيرة التي تأتي فيها ‏إليه.

نفذ وائل وسعيد عملية التفجير للمصرف بأصابع الديناميت عن طريق سعيد، حيث إن وائل ‏كان ينتظره خارج المصرف، إلّا أن سعيد لم يخرج بعد التفجير، فعاد وائل إلى منزله ليجهز ‏نفسه للسفر إلى تركيا، وعندما سمع وسيم قريب سعيد بتفجير المصرف أخبر الشرطة بهوية ‏المنفذين، وشاهد وائل من نافذة منزله رجلين يتمشيان مقابل منزله فعرف أنهما يراقبانه، وأن ‏أمره انكشف ويمكن في أي لحظة أن تأتي الشرطة وتلقي القبص عليه، ففكر بأن يشاهد ‏التلفاز علّه يرى المعلم، وفيما إذا كان لديه أيّ حلٍّ للخروج من مأزقه هذا، وعندما ظهر ‏المذيع معلمه نصحه بأن يترك العالم ويرحل إلى العالم الآخر فسيجد فيه الراحة الأبدية في ‏عالم الخلود، وعندما جاءت الشرطة وداهمت المنزل وجدته جثة هامدة ممداً على السرير تاركاً ‏رسالة يذكر فيها ابنة الجيران الشقراء وأنه تمنى أن يتزوجها.‏

حضرت صاحبة المنزل وتم سؤالها عن البنت المذكورة بالرسالة فأجابتهم أنها ليس لديها أي ‏بنت، لكنه شاهد صورة لابنها وابنته في منزلها فقط، وأحضروا والدته من دار المسنين ‏وأخبرتهم أنها لم ترَ ابنها منذ أكثر من شهر، ولدى سؤالها عن التلفاز والمذيع معلم ابنها قالت ‏لهم التلفاز معطل ولا يعمل منذ زمن طويل، فجربوه فوجدوه فعلاً لا يعمل، وأعلمتهم أنّ ابنها ‏سبق له أن دخل مشفى الأمراض العقلية مدة ستة أشهر وإلى هنا انتهت القصة.‏

وهكذا رأينا أنّ الكاتب استطاع بأسلوبه وحنكته وسرده للأحداث وذكر الوقائع التي عاشها ‏بطل الرواية وائل تبدو كأنها حقيقية وواقعية لا شك فيها، وتمرد على حاله وواقعه ساعياً ‏لتحسينه نحو الأفضل، ولم نتصور بأن تلك الأحداث وما جرى فيها ليست إلّا وهماً وضرباً من ‏الخيال ولم نصل إلى النتيجة المعاكسة لذلك إلّا في نهاية الرواية وما قالته جارته صاحبة ‏المنزل ومن ثم والدته.‏

‏ فهذا العمل يشير إلى براعة الكاتب وأفق خياله وأفكاره التي تجذب القارئ وتجعله يعيش تلك ‏الوقائع والأحداث لدرجة يسير معها ويتقبلها ويجد فيها البطل وائل مسرحاً لها من بدايتها إلى ‏نهايتها، والأفكار المختلفة التي تراوده في تصرفاته وأعماله، وكل هذا يجري ويتم تحت نفوذ ‏وضغط معلمه مذيع المحطة التلفزيونية الذي رأينا بالنهاية أنه غير موجود حقيقة على أرض ‏الواقع، وكان ينفذ كل ما يمليه عليه ويطلبه منه من دون أي انتظار.‏

إنّ كاتبنا أبرع وأبدع في روايته هذه أيما إبداع، وروايته تعدّ من أعماله المميزة التي تألق ‏فيها وأفرغ كل شحناته الأدبية وشدنا إليها، فجعلنا نقرأ بشغف واستمتاع وتلهف لمعرفة تسلسل ‏الأحداث، ورغبتنا الاستمرار بالقراءة والمتابعة حتى النهاية، كل الشكر والتقدير والاحترام ‏لكاتبنا الفذ المبدع أمين الساطي، على أمل تقديم المزيد من أعماله ورواياته وقصصه المتنوعة ‏المتألقة والناجحة.

وقد قال كاتبنا أمين الساطي عن روايته هذه: «وجدت نفسي قد استحوذت عليّ قصة نبوءة على ‏التلفاز، لأنها تختزن في أعماق كل واحد منا الرغبة في التمرد لتحسين أوضاعه الحالية، على ‏الرغم من إدراكه المسبق، بأنه لا يملك المقومات لنجاح هذا الانقلاب ما يجعله يخلط بين ‏الفوضى والتغيير نحو الأفضل».‏

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار