حلب.. مدينة التاريخ والحضارة تروي للزوار قصة مجدها الخالد

حلب الشهباء.. مدينة سيف الدولة الذي حكم وأقام مسرح العلم والأدب بنى وعمّر وأشاع ‏العدل، فكان عصراً ذهبياً، حلب الصنوبر والفينيق والقدود، نفضت غبار الزمن عنها مرات ‏ومرات، ومازالت باقية إلى اليوم تشمخ بقلعتها رغم عوادي الزمن.‏
هدّموها.. أحرقوها.. أبادوا أهلها وأرادوا إزالتها من الوجود ولكنها بقيت، صمدت صمود ‏قلعتها رغم أنوف الغزاة، استطاعت أن تقهر «خسرو الثاني» ملك الفرس الذي أشعل الحرائق ‏في طول المدينة وعرضها، وأخيراً عاد مدحوراً، أما الصليبيون الذين احتلوا المدينة ولكن بعد ‏حصار طويل وبعد قتال ضارٍ مع حلب.. واستولوا على حماة.. أين هم الآن؟.. والمغول قاموا ‏بذبح أهل حلب، قتلوا وأحرقوا ودمّروا أيضاً ولكن حلب بقيت تقاوم وصمدت ولم تنتهِ، وها ‏هي حلب تقاوم الأمريكان والصهاينة الغزاة وكل أشكال الإرهاب الإسلاموي المتطرف، وها ‏هي اليوم صامدة بهمة أهلها الغيارى.‏
منذ عهد سيدنا إبراهيم عليه السلام وكما جاء في معجم البلدان «وفي جانب سور المدينة ‏التاريخي قلعة في أعلاها مسجد وكنيستان، وفي إحداهما كان المذبح الذي قرب عليه سيدنا ‏إبراهيم، وفي أسفل القلعة مغارة كان يخبئ بها غنمة وكان إذا حلبها أضاف الناس بلبنها، فكانوا ‏يقولون حلب أم لا؟» ويسأل بعضهم بعضاً، فسميت حلب؟. وهناك روايات كثيرة حول تسمية ‏المدينة ولكن بعضها يكمل البعض حيث يقال: إن بين أغنام إبراهيم كانت بقرة شهباء وكان ‏بعض القادمين عليه يفضلون لبنها على غيره فكانوا يقولون، لقد حلب الشهباء وبهذا بقيت ‏صفة الشهباء تلازم اسم حلب.‏
كلما ذكرت حلب ذكر اسم «سيف الدولة» وهو أبو العلي حسن الحمداني الذي استطاع سنة ‌‏944 أن ينتزع من الإخشيديين مدينة حلب وأنطاكية وحمص وأن يحصل من الخليفة العباسي ‏على لقب «سيف الدولة» وقد اختار حلب عاصمة له وذلك بسبب وجود القلعة القديمة فيها ‏وقربها من حصون كثيرة، إذ كان ينوي دفع تلك الغارات التي أخذ الروم يشنونها على المدينة، ‏ولأول مرة بعد عهد الأمويين غدت المدينة قاعدة ذات خطر، حسب اعتراف الأعداء لأنه دخل ‏صراعاً مباشراً معهم حتى دحرهم، وقد أحاط «سيف الدولة» نفسه بحلقة من أرباب العلم ‏والأدب ضمت الشهير والموسيقي البارع «أبا نصر الفارابي»، والعالم اللغوي «ابن خالويه»، ‏والنحوي «ابن جني»، والشاعر «أبا فراس الحمداني» و فوق هؤلاء كان الشاعر العربي ‏الكبير «المتنبي» الذي لازم قصر «سيف الدولة» لمدة تسع سنوات، وهكذا كانت المدينة ‏تجمع بين سيوف الفرسان وأقلام العلم والنحو والأدب.‏
أينما تذهب في المدينة، وفي أي اتجاه تكون، ستكون قلعة حلب التاريخية أمامك رابضة على ‏ذلك التل الصخري الأبيض، شامخة اليوم كما كانت شامخة في الماضي، جدرانها العالية ‏وبواباتها الضخمة تروي للزوار قصة تاريخ مدينة لم يستطع أعتى الطغاة الوقوف أمامها ‏وعطر ينبعث منها مزكّى بدم آلاف الشهداء الذين سقطوا دفاعاً عن الوطن والحرية والكرامة، ‏ومازالت القلعة تهتف بأعلى صوت أن لا بديل للحرية ولا مكان للغزاة على هذه الأرض ‏الطاهرة.‏

د.رحيم هادي الشمخي

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار