(بارقات تومض في المرايا) في فضاء قراءتين نقديتين
طرطوس – ثناء عليان:
أقام المركز الثقافي في طرطوس ندوة أدبية للحديث عن المجموعة الشعرية (بارقات تومض في المرايا) للشاعر منذر يحيى عيسى، بمشاركة كل من الدكتور محمد علي أستاذ في كلية الآداب بجامعة طرطوس والأديب عصام حسن وتقديم الأديبة ضحى أحمد بحضور ثلة من الأدباء والمهتمين.
وفي بداية تقديمها للندوة استشهدت الأديبة أحمد ببعض الآراء التي تحدثت عن المجموعة وهم: حسن إبراهيم ناصر، وعلم الدين عبد اللطيف، وحبيب إبراهيم وغيرهم، وتطرقت للدراسات التي كتبت عن هذه المجموعة، عرفت بتجربة الشاعر ومؤلفاته.
ثم قدم الدكتور محمد علي أستاذ في كلية الآداب بجامعة طرطوس دراسة بعنوان: شعرية الفكرة في مجموعة “بارقات تومض في المرايا” بيّن فيها أن الفكرة الشعرية في نصوص الشاعر انطلقت من قضايا فلسفية تتبدى من خلال دفقات شعورية مكثّفة تنقلها من حيز التجريد إلى عوالم الحس، وبذلك ينطلق الشاعر من دوافعه الفكرية والنفسية والعاطفية، ليحاور هذه القضايا التي تشغله، ويتفاعل مع معطياتها التي تراوغ وعيه بها، ومن ذلك قضية (الحياة والموت) التي يرصدها الشاعر من زاويا رؤيوية متعددة، كقوله:
هل من قيمةٍ
نشعرُ بها لهذهِ الحياة
وتدفعنا إلى التمسُّكِ بها
لولا سطوةُ الموتْ ؟!..
وأشار إلى أن الشاعر يستعين بالطبيعة الحسية في أكثر من مقطع للتعبير عن أفكاره المجردة، إذ يجد فيها سبيلاً فنياً للإيحاء بالفكرة على نحو لا يحجب وضوحها، بل يزيده حضوراً في الذهن، إذ يقول في مقطع بعنوان (جذور):
للأزهارِ نُغنّي
ونحتفي بالثّمار
ونكتبُ عنهما الشّعرَ
وننسى الجذورَ
والأغصانْ
ولا يقف الشاعر عند حدود البعد الجمالي لشعرية الفكرة في نصوصه، وإنما يرفد هذا البعد بأبعاد ثقافية تحاور النسق المضمر في سلوك الإنسان وكلامه، وتحاول التمرد على هذا النسق القار في أعماق اللاشعور الجمعي، فيصطدم الشاعر بالمسلّمات الموروثة التي تتحكّم في بعض المفاهيم السائدة، ويخلق حالة شعرية عمادها التمرد، ووسيلتها اللغة الحاضنة للفكرة، والفكرة الشعرية تنبع من القلب حقاً، ولكنها تنمو تحت إشراف العقل، ومما لا شك فيه أن ولادة القصيدة عند الشاعر تبدأ بالفكرة، ولكنه لا يستطيع تحديد موعد الولادة، كما أنه لا يستطيع ضبط شكلها النهائي، إذ تتداخل الأدوات الفنية مع انثيالات اللاوعي في سبيل تشكيل إبداعي للفكرة.
وبرأي د.علي وجود الفكرة شرط لازم للقصيدة، ولكنه غير كافٍ، ذلك أن التشكيل الشعري يطوف عبر أمداء تعبيرية متنوعة، ويحتفي بتلاوين نفسية تمتح عناصرها من خصوصية التجربة.
بدوره قدم الأديب عصام حسن دراسة جاءت بعنوان: التأويليَّة والمَزموريّة في (بارقات تومض في المرايا)..
والذي توقف عند مقدمة المجموعة التي كتبها الدكتور نزار بريك هنيدي، إذ قرأها باهتمام بالغ أدخلته في دوَار أسئلة كثيرة أثارها الدكتور نزار بكلماته وأحكامه وآرائه، مشيراً إلى بعض السمات التي وصف هنيدي بها قصيدة النثر وكاتبيها، والتي جاءت قاسية وغير موضوعية -حسب رأيه- سواء أقصد بها قصيدةَ النثر بشكل عام أم قصد بها المجموعةَ التي قدم لها.
ويرى حسن أن النثر الجديد أو النثر الإبداعي أو ما سميَ بقصيدة النثر جنساً أدبياً مستقلاً لا يزاحم الشعر ولا النثر المعهودين، وهو جنس أدبي له أدواته وأساليبه ورؤاه ولديه كل المقومات الفنية ليكون لوناً من الأدب المبدع يستكنه الحياةَ ويستشرف آفاقَها ويعبر عن عوالم مبدعيه بما لا يتناقض مع القيم الجمالية والفطرة الإنسانية.. وإن كانت أدواته وأبعاده لم يتضح اكتمالها بعد.. فربما تكون من ميزاته أن لا يتقيد بحدودٍ مسبقة استمطاراً للإبداعية.. والاكتشاف.. والتجدد.. والبحث الدائبِ.. الدائم.
وبيّن أن ظاهرة التأويلات والتعريفات تتجلى في أغلب كتابات الأديب منذر عيسى وهذه المجموعة مثال على ذلك, فإنه ميال بحكم اختصاصه العلمي , لأن يرسمَ حدوداً للمعاني التي يقصدها.. في صياغة نصوصه، لكنه لا يريد من تأويلاته وتعريفاته أن يقدم مادة فلسفية معرفية نظرية, بل يرسمها بريشة رؤيته الفنية الإبداعية, ربما ليحدث مفارقة بين ما هو مألوف من دلالاتها وبين ما يراها عليه.. ويقدمها وفق رؤى مختلفة.