إذا سمحتم طبعاً
تشرين- إدريس هاني:
– هذا صراع بالغ التعقيد، وما لم نقف عند هذه المفردة سنتيه، كما تاه الأوّلون، إنّ علاقة الحرب بالتّاريخ علاقة موجعة، كيف لمن يبحث عن وجهه عبثاً- الوجه بالمدلول الليّفيناسي- سيوقف التّاريخ على رجل واحدة؟… والحقيقة أنّ السؤال: من أوقف التّاريخ، الاحتلال أم المقاومة؟ بطبيعة الحال، إنّ الاحتلال بكل أسباب التمكين الإمبريالي عجز عن صناعة تاريخ ولو بدم الأطفال، إنّه يتحرّك في زمن فارغ لا تاريخي، في الأرجوحة الزمنية التي تسبق المخرج التّاريخي للأزمة. وعليه، الذي أوقف التاريخ على رجل واحدة هو المقاومة وليس الاحتلال.
– المثقف حين يصمت، فهو ينتظر مثقفاً آخر يتكلّم، وثمة قسم آخر لا يتكلم طالما هناك آخرون يتكلمون، أخشى من تكرار زمن الشكوك، رايمون آرون، زمن سكت فيه هذا الأخير دهراً ونطق كفراً، يوم حاول تمثّل موقف إيميل زولا في السياق الخطأ، يوم أدان دوغول على عبارة بدت لهم ملتبسة في 27 نوفمبر 1967 دفاعاً عن الاحتلال.
– لن يكون الاتفاق حلاّ، ولن يكون أفضل الحلول مقارنة مع ما سبق، منذ كامب ديفيد، أوسلو، وادي عربة وهلم جرا، لقد رأى ليفيناس ذات يوم في «سلام» السادات أولى خطوات الرجل على سطح القمر. إنّ منازل التسويات مع الاحتلال تقع ما تحت القمر، ففي أي درك سيكون الاتفاق، بينما شعب بكامل عزلته يتشحّط في دمه.
– الخداع الكبير الذي يراهن عليه الاحتلال، يستند إلى سيكولوجيا خطاب قهري مسّه شيء من الذُّهان. إنّه يوحي بأنّه عاجز عن الحركة، بأنّه في حالة موت سريري، ثم يسدد ضربة تبدو بعد ذلك قوية، بينما هو عاجز عن شنّ حرب شاملة. وفرق بين الرشقات والحرب الشاملة.
– يتعين لجم خطاب غير واقعي غير مسؤول، خطاب يقدم صورة حاسمة عن الصراع تخلو من احتمال، خطاب يوهم الرأي العام بتمنيات سهلة، وهو يقدم خدمة للاحتلال، لأنه بمثل هذه التهديفات، يقوض الثقة ويحبط النفوس ويضرّ بالمصداقية.
– توفي المفكر العربي الكبير جورج قرم، فقد كان رجل رأي حجبته الضوضاء المهيمنة على الوسائط. وما دام لم يكن يملأ فضاء أرباب الدكاكين، فهو جدير بأن يترحم عليه حتى أعداء المثقف الحرّ أنفسهم. هؤلاء المثقفون النبلاء الذين يفقدهم العالم العربي تباعاً، سيتركوننا في وحل الجهل وكل أشكال السمسرة والجبن المقنع، لأنّ أولئك النبلاء يفكّرون الأزمة، ولا يتركونها للجُزاف الفكري والتِّقْوال. يكافحون حتى لا يجعلوننا أمة مغلوبة وجاهلة في الوقت نفسه.
– لا قيمة لأي إنجاز خارج الإطار الاستراتيجي، سيصعب الحديث عن زمنية الضربة الانتقامية، لا أحد مهما تكهّن سيعرف مداها، لسبب بسيط، أنّنا لا نعرف ماذا يجري داخل الرّؤوس، لكن التّاريخ الذي يفرض استحقاقاته على السياسة يؤكد على أنّ المفاوضات محرزة في وجود الورقة الأكبر، والورقة الأكبر اليوم هي بين يدي إيران، وهي حق الرد على قيام الاحتلال باغتيال هنية، حق الرد مكفول في القانون الدولي، وهناك أمران:
– ضربة تعقبها ضربة ضمن قواعد اشتباك لا تنتهي إلى حرب شاملة، لكن الاحتلال سيعاند ويثخن في الإبادة، ويبقى الشعب الفلسطيني تحت وابل من نار الانتقام.
– أمام طهران خياران: إمّا تنتصر لهيبتها وإمّا تحوّل حقها في الضغط لإيقاف الإبادة.
يمكن لطهران أن تنتصر بشكل من الأشكال لهيبتها، إذا فكّرت دوليّاً، وهذا تتحمّله الكتلة الغربية وتنتظره، لكن ماذا عن الأهالي في غزّة؟.. لكن بإمكانها أن تنتصر للشعب الفلسطيني إذا فكر ثوريّاً.
في رأيي، أنّ لعبة الدومينو هنا قائمة، إذا جعلت طهران من ثمن استرجاع هيبتها وقف الحرب، سيكون ذلك ليس إنقاذاً لشعب منكوب فحسب، بل انتصاراً لهيبتها وإحرازاً لانتصار محور المقاومة، شريطة أن يكون وقفاً للحرب من دون شروط. لكن هل النتن سيقبل بذلك؟.. إذاً، هناك مشوار آخر أمام عملية حلّ معادلة صراع قائمة، ما لم يدرك الغرب أنّه يدفع ثمن مُغالطاته التاريخية الكبرى ضدّ الجنوب وضدّ الشرق الأوسط.
– وكلما بدأ الأمر، لم يعد اليوم القرار إيرانياً من الناحية المعنوية، بل قراراً فلسطينياً، قرار المقاومة أيضاً. هل تقبل أم لا بأي شيء يخدم مسار تفاوضها؟.. هذه ورقة في يد المقاومة.
– هل يعتقد الاحتلال أنّه سيحقق أهدافه في نهاية المطاف، هل تعتقد الإمبريالية في ذروتها أنّها قادرة على فرض الاحتلال قياساً على سوابق؟.. إن الاحتلال يربض على حيز ضاج بالمقاومة، ثم هو حيز على مقربة من الهارتلاند الآهل بالسكان والأمم، ثم هو حيز صغير وليس قارة…القياس هنا مع الفارق.