العلامة الزراعية الفارقة في سهول حوران تثير جدلاً من المشتل إلى سوق الهال.. البندورة رهينة سوق غير مستقرة والمنتج والمستهلك يدفعان الفاتورة

درعا – وليد الزعبي:

ليست البندورة بالمحصول الهامشي الذي يمكن الاستغناء عنه، بل مادة غذائية رئيسة، تكاد لا تخلو منها موائد الأسر ومع مختلف الوجبات، وخاصةً في فصل الصيف، حيث يتم طرح إنتاج البندورة للعروة الرئيسة بكميات كبيرة، والتي تعول الأسر على أسعارها المعقولة، لكن هذا الموسم شهد على غير المواسم السابقة تذبذباً حاداً في أسعار البندورة المطروحة في الأسواق وبفارق زمني لا يتعدى الأسبوع، والمستهلكون يستهجنون ما يحدث، وخصوصاً أن الإنتاج لم يتراجع عن ذروته إلّا قليلاً، فما الأسباب؟

للفلاحين رأي
عدد من الفلاحين أشاروا إلى أنّ تكاليف زراعة محصول البندورة ليست بالأمر الهيّن، بل باتت مرهقة جداً، ولاسيما لجهة البذار والأسمدة والمبيدات والمحروقات وتكاليف النقل وأجور اليد العاملة، حتى إن التغيرات المناخية والإجهاد الحراري باتا يفرضان تكاليف أدوية زراعية إضافية لا قدرة للكثيرين على تحملها من أجل التقليل من أضرار تلك المتغيرات غير المعهودة.

الرابح والخاسر
وبيّنوا أنه لولا الخبرات التراكمية لدى أغلبية المزارعين، لما كانت لتنجح زراعة البندورة بمختلف أصنافها وتعطي إنتاجاً جيداً من حيث الكم والنوع، مؤكدين أنّ كدّهم وتعبهم غالباً ما يضيع عند تجار أسواق الهال، حيث يأخذون المحصول منهم بأقل الأسعار ويبيعونه بأسعار مضاعفة، وبالنهاية فإنّ الخاسر هو الفلاح والمستهلك، والرابح هم من يعملون في مختلف حلقات سلسلة الوساطة.

((فلاحون: تكاليف الإنتاج عالية وحلقات الوساطة وأجور النقل تضاعف السعر))

تفاوت الإنتاجية
وأكد فلاحون أنّ هناك تفاوتاً بكميات الإنتاج من حقل لآخر ومن منقطة لأخرى، وذلك حسب درجة الرعاية المقدمة لمحصول البندورة، حيث تجد المحصول ناجحاً جداً في حقول معينة والإنتاجية عالية، تصل في الدونم الواحد ما بين ١٠ و١٢ طناً والجودة متميزة، بينما في حقول أخرى يلاحظ أنه ليس بالمستوى المطلوب إن لجهة الجودة أو الكمية. وذكروا أنّ معامل الكونسروة لا تستجر المادة إلّا عندما يصل سعرها لأدنى حد، حيث لا تبالي إن خسر الفلاح أو ربح، وما يعنيها تصنيع دبس البندورة بأقل تكلفة ولو على حساب الفلاح.

تأثير الإجهاد الحراري
يرى متابعون للشأن الزراعي أنّ هذا العام يعد من أكثر الأعوام ارتفاعاً بدرجات الحرارة مقارنةً مع آخر عشر سنوات، حيث ارتفعت الحرارة لدرجات قياسية خلال أواخر فصل الربيع، ما أدى بشكل كبير إلى فشل جزء من محصول البندورة، بالإضافة إلى تسبّبها بحدوث تشوهات بالثمار العاقدة التي تذهب بطريقها إلى معامل الكونسروة وبأسعار زهيدة تبلغ ١٥٠٠ ليرة للكيلو. وبشكل عام أدت الظروف المناخية غير الاعتيادية – وإن بنسب متفاوتة حسب كل منطقة- إلى انخفاض إنتاجية الدونم المتوقعة من ما بين ١٢ و١٤ طناً إلى ما بين ٨ و١٠ أطنان أو حتى أقل.

((أدت الظروف المناخية غير الاعتيادية إلى انخفاض إنتاجية الدونم المتوقعة من ما بين ١٢ و١٤ طناً إلى ما بين ٨ و١٠ أطنان ))

التجار على الخط
حاول بعض تجار سوق الهال وباعة المفرق نفي اتهامهم بأنهم السبب في ارتفاع سعر البندورة في الأسواق مؤخراً، وعرضوا ما لديهم بهذا المنحى، حيث ذكروا أنّ البندورة لا تتحمل درجات الحرارة العالية التي تسود حالياً، وهي تأتي من عند الفلاح ناضجة جداً وكميات ليست بقليلة منها طرية، وأثناء مكوثها في سوق الهال مكدسة فوق بعضها بعضاً حتى يتم تصريفها إلى أسواق هال أخرى أو إلى مناطق أخرى لبيعها بالمفرق، فإن كميات ليست بقليلة منها تتعرض للعطب بفعل درجات الحرارة المرتفعة، ما يعني تحييد تلك الكميات عن عملية البيع لعدم قبول المستهلك بها، وهي تشكل فاقداً بالنسبة لباعة الجملة أو المفرق، ما يضطر هؤلاء الباعة إلى رفع سعر الكميات القابلة للبيع لتعويض قيمة الكميات التالفة، واعتبروا أنّ هذا عاملاً رئيساً يتسبب في ارتفاع سعر المادة ويضاف إلى عوامل أخرى كالعرض والطلب والتصنيع والتصدير.

((تجار: الحرارة المرتفعة تتلف كميات من البندورة ما يضطرهم لرفع السعر لتعويض الفاقد))

العوامل مختلفة
مدير زراعة درعا المهندس بسام الحشيش كان له رأيه بهذا الشأن، حيث أكد أنّ واقع محصول البندورة للموسم الجاري على مستوى المحافظة جيد، وإنتاجيته متميزة لا تقل عن ١٠ أطنان في الدونم الواحد، وتطرق إلى التكاليف المرتفعة لمستلزمات الإنتاج، وهي العامل الرئيسي في ارتفاع سعر المنتج على المستهلك.
وبيّن أن تذبذب الأسعار يخضع للعرض والطلب، ففي الفترة الماضية كانت الأسعار منخفضة، لكون الموسم في ذروة إنتاجه، أما الآن فبدأ الإنتاج بالتراجع تدريجياً مترافقاً مع ازدياد استجرار معامل الكونسروة للمادة لغرض صنع دبس البندورة، أضف لذلك أنّ هناك كميات من الإنتاج تذهب للتصدير. وذكر أن المساحة المنفذة بالبندورة الرئيسة لهذا الموسم بلغت ٢٧١٦ هكتاراً يفوق إنتاجها ٣٠٠ ألف طن.

((المساحة المنفذة بالبندورة الرئيسة لهذا الموسم بلغت ٢٧١٦ هكتاراً يفوق إنتاجها ٣٠٠ ألف طن))

الكونسروة والتصدير
رئيس دائرة الإرشاد الزراعي المهندس محمد الشحادات، أشار إلى أن البندورة مادة غذائية تتربّع على موائدنا خلال الصيف لما لها من فوائد جمة، فهي مكون رئيس بأغلبية الأطباق وتدخل بالصناعة من خلال الكونسروة، حيث ازداد عدد المعامل المستثمرة في المحافظة لأكثر من ٣٦ معملاً، وهي تستجر المادة يومياً لتصنيع مربى البندورة بمختلف الكثافات، ناهيك بوجود أكثر من مشغل لفرز وتوضيب البندورة ونقلها بالسيارات المبردة لمختلف دول الخليج والعراق، أضف لذلك تأمين احتياجات السوق المحلية سواء في محافظة درعا أو غيرها من المحافظات الأخرى.

مواعيد مختلفة
وبيّن الشحادات أنّ البندورة تزرع في المحافظة بمواعيد زراعة مختلفة، حيث تبدأ باكورة الإنتاج من وادي اليرموك ثم من داعل وطفس ثم من نوى ثم من إنخل، وأخيراً من الريف الشمالي للمحافظة، ولاسيما كفر ناسج والحارّة وجاسم ونمر، أي أن لكل من هذه المناطق موعد زراعة يختلف عن الأخرى حسب طبيعتها، كذلك تدخل العروة الخريفية أيضاً في المناطق السابقة بالإنتاج، وخلاصة القول: إنّ البندورة الحورانية تستمر بتغطية احتياج الأسواق طوال النصف الثاني من العام.

أسباب وصعوبات
و عن تذبذب أسعار البندورة، أوضح رئيس دائرة الإرشاد إلى أنه يمكن أن يُردّ إلى محدودية المتاح من البندورة في السوق نتيجة نشاط حركة التصنيع والتصدير لمختلف الأسواق، وكذلك زيادة الطلب بالأسواق المحلية،

((رئيس دائرة الإرشاد: استجرار المادة للتصنيع والتصدير حسّن سعرها))

بالإضافة إلى مجموعة من الصعوبات المتمثلة بارتفاع قيمة مستلزمات الإنتاج من الأسمدة والمبيدات والمحروقات والعبوات، وارتفاع تكاليف النقل والحصاد وقلة اليد العاملة وخروج عدد ليس بالقليل من المزارعين التقليديين لتعرضهم للخسارة خلال المواسم السابقة، وفقدهم لمدخراتهم ومحافظهم المالية وتحوّلهم إلى أعمال أخرى، كما أن هناك آثاراً سلبية خلّفتها التغيرات المناخية، وخاصةً ارتفاع وانخفاض الحرارة بمراحل النمو كافة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار