بحوثنا العلمية الزراعية بين التنظير والنتائج على الأرض.. شتّان بين نتائج التجارب البحثية ومردود المزارعين!

حماة – محمد فرحة:

في عام ١٩٩٧ كنا قد أجرينا العديد من التجارب العلمية الزراعية لزيادة إنتاجية القمح من عشرة أطنان إلى اثني عشر طناً في الهكتار الواحد، وذلك بالتعاون بين خبراء زراعيين سوريين مع خبراء يعملون في إطار المركز الدولي للبحوث الزراعية “إيكاردا” والمركز العربي لدراسة المناطق الجافة والقاحلة “أكساد ” والمركز الدولي للقمح والذرة “سميث” ومقره المكسيك، على تأصيل سلالات جديدة من القمح لزيادة الإنتاجية من ٦ أطنان إلى ٨ و ١٢ طناً في الهكتار الواحد، الأمر الذي سيجعل سورية في طليعة الدول ذات الإنتاجية العالية من القمح بعد الولايات المتحدة وكندا، حيث يصل معدل الإنتاجية إلى أربعة عشر طناً في الهكتار الواحد.
وأوضحت المعلومات في تلك الفترة أن البحوث شملت ٢٥٠٠ سلالة من القمح، وأظهرت النتائج زيادة في الإنتاج بما يتراوح بين ٢٠ و٥٠% وفقاً لتقديرات وزارة الزراعة في تلك الحقبة /الموجود لدينا/.
ووفقاً لذلك، فإن هذه الزيادة ستكون حول الأطنان العشرة في غضون من ٦ – ٨ سنوات تمهيداً للانتقال إلى إنتاج أحد عشر طناً لاحقاً.
والآن بعد كل هذا، هل تستطيع البحوث العلمية الزراعية ووزارة الزراعة أن تقدّما لنا أين ذهبت تلك التجارب؟ ولماذا أعطت ثمارها في تلك الفترة ثم انحسرت، ورحنا نتغنى بإنتاج الهكتار (١٠) دونمات بطنّ و٣ أطنان وفي أحسن الأحوال أربعة أطنان، ونحن الذين كنا نعاني عام ١٩٩٧ من زيادة الإنتاج وعدم وجود صوامع لتخزينها والتي وصلت إلى ما بين أربعة وخمسة ملايين طن، كما كنا نشكو من تدنّي طاقة التخزين حينها؟
ألا يكفي سبعة وعشرون عاماً، أي منذ عام ١٩٩٧ وحتى اليوم من التجارب، أم مازلنا مصرّين على “تقطيع” الوقت وشراء المزيد منه، ونحن بلد اقتصاده زراعي بامتياز؟ فأين تذهب الجهود التي تبذل في سبيل تعميق دور البحث العلمي الزراعي؟ وأين سلالات الأصناف ذات الإنتاجية العالية التي يتحدثون عنها؟ وهل تم استبدال أصناف القمح التي كانت تزرع في تلك الفترة بأصناف اليوم ذات المردود المتدني جداً لنتّهم دائماً المناخ، ولا ننكر أنها أحد الأسباب، لكنها ليست كل الأسباب.
زد على ذلك، قد تكون الأسباب الأخرى عدم تطبيق وتنفيذ الدورات الزراعية، فقمح على قمح في المساحة الواحدة بحثاً عن زيادة الغلة، هذا لم يؤت ثماره يوماً.. لذلك فتشوا عن نوعية الأصناف التي تزرع، وكفى إجهاداً للتربة بمحصول دون سواه، أضف إلى ذلك يوم كان الفلاح يحتفظ ببذار من إنتاجه للموسم التالي، كان المردود أفضل من مردود ما تتحدث عنه البحوث الزراعية اليوم، ولعل الأرقام منذ سنوات هي الدليل القاطع والساطع على كل ذلك.
لا أحد ينكر دور التجارب والبحث العلمي الزراعي، لكن أكبر دليل لو كان مردود وحدة المساحة أفضل مما هو عليه اليوم، أن مئة دونم أعطت في الغاب ٦ أطنان فقط، وفقاً لحديث رئيس اتحاد فلاحي حماة حافظ سالم أثناء فترة التسويق قبل أسابيع من الآن.
من جانبه، الخبير والمختص في الإشراف على بذار القمح في مجال وزارة الزراعة -كما عبر نفسه- الدكتور سلطان اليحيى، فنّد أسباب هذا التراجع الكبير لإنتاجنا من القمح للأسباب التالية:
لعل أهم الأسباب هو الارتفاع المفاجىء دون التدريجي لدرجات الحرارة خلال النصف الثاني من نيسان، ما دفع المحصول إلى النضج القسري قبل أوانه، يضاف إلى ذلك حالة الغمر والضمور، بل تلف البعض من المحصول في منطقة الغاب، ما أدى إلى ضعف بالإنتاجية.
وفي إجابته عن سؤال “تشرين”: لماذا كان إنتاجنا في السابق أفضل من اليوم؟ وكيف تم تقدير الإنتاج بأكثر من مليون ونصف مليون في وقت مبكر، أوضح اليحيى: أولاً كنت منذ شهر نيسان قلت إن إنتاجنا من القمح هذا العام لم يتعدّ الـ٥٠٠ ألف طن، أما تقديرات الآخرين فلم تكن دقيقة، لأن الظروف لم تكن مؤاتية، زد على ذلك غياب بعض المستلزمات وفقاً للمعايير المحددة.
إذاً كيف يكون إنتاج الهكتار بحدود أربعة أطنان في أسوأ الأحوال منذ سنوات واليوم في أحسنها لا يتعدى ذلك الرقم، أي أربعة أطنان؟ يوضح ويقدم مثالاً وصل في المجال البحثي العلمي التجريبي الاختباري في القمح الطري إلى ٧٩٠ كغ في الدونم، وفي القمح القاسي وصل إلى ٧٦٠ كغ طبعاً في الدونم الواحد.
وتطرق إلى أنه تم إرواء المحصول هنا أربع ريّات وإضافة ٢٥ كغ من سماد الفوسفات، لذلك أعطى هذا الإنتاج المميز.
وتسأل أيضاً “تشرين”: لكن لحقول التجارب والاختبارية مقومات ومميزات غير متوفرة لدى المزارعين، وهذا هو السبب بإعطاء الدونم في الحقول الاختبارية هذا الفيض من الإنتاج، في حين نقصه لدى المزارعين هو السبب بتراجع الإنتاج، وليست دائماً الظروف المناخية، فما لحق بمنطقة الغاب لم يصب حلب ولا الرقة ولا الحسكة ولا دير الزور، إذ كان إنتاجها أقل بكثير من السنوات الماضية.

بالمختصر المفيد: ما يشي بأن الظروف المناخية ليست دائماً هي السبب الجوهري، بدليل لم يتعدّ إنتاجنا العام الماضي أيضاً الـ٦٠٠ ألف وفي أحسن الأحوال الـ٧٠٠ ألف، وهذا دليل آخر على أن الأصناف والأنواع المستخدمة منذ سنوات ليست بجودة ما كان يستخدم في حقبة التسعينيات، وكان المحصول يواجه ظروفاً مشابهة أو تختلف عنها قليلاً.
وكي لا نبخس جهود الخبراء والباحثين بشأن ما يجري من تجارب، ونُتّهم بأننا ” سولفنا الشِّيْنَة وتركنا الزينة”، نقدّر عالياً كل تجربة وكل بحث علمي زراعي أثبتت التجارب صحّته وجدواه.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار