أنا وهم وكتاب الأغاني.. هل كان تأريخاً أم اختلاق حكايات تاريخية؟
تشرين- د. رحيم هادي الشمخي:
في يوم من الأيام من عام 1985 ذهبت لشراء (مروحة) للبيت كانت بنا حاجة إليها، وكان مروري في شارع المتنبي في بغداد، وهو شارع مليء بالمكتبات والكتب، ومحطّ أنظار المثقفين، وهنا رأيت مجموعة (كتاب الأغاني) لأبي الفرج الأصفهاني، فاشتريتها فوراً وأجّلت شراء المروحة إلى وقت قريب، ولما عدت إلى البيت، سألتني زوجتي (أم طلعت) عن المروحة، ضحكتُ وقلتُ: اشتريتُ بالمبلغ هذه المجموعة قبل أن تنفد، أما المروحة فيمكن شراؤها في وقت آخر، فتفهّمت الموقف وضحكت، بل هي كلفت نفسها فيما بعد تجليد المجموعة عند أحد المجلدين لِما رأت من اعتزازي بها، ومهما قيل عن هذا الكتاب، فأنا ممن استمتعوا بقراءته فيما مضى من السنوات وقضيت معه ليالي طويلة حتى قرأت الكثير منه.
ومن غريب ما لاحظت فيه أن الأصفهاني تجاهل اثنين من الشعراء هما (أبو نواس وابن الرومي).
وأبو الفرج الأصفهاني هو (علي بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الهيثم) ويرجع نسبه إلى مروان بن محمد آخر خلفاء الدولة الأموية في الشام، وُلد عام 284ه/867م، وتوفي عام 336ه/967م، وكانت ولادته في مدينة أصفهان، وله -عدا (الأغاني)- مؤلفات عديدة، منها: (مقاتل الطالبيين، نسب بني عبد شمس، القيان، الإماء الشواعر، جمهرة النسب، الديارات، الحانات ولعله المسمى «الخمارون والحانات»)، وتذكر المصادر أن الأصفهاني أمضى خمسين عاماً في تأليف كتاب الأغاني، فلما انتهى منه أهداه إلى (سيف الدولة الحمداني) فأعطاه ألف دينار واعتذر منه، ولكن أحد خلفاء الدولة الأموية في الأندلس اشترى منه نسخة منقّحة بألف دينار ذهباً، وهذا الكتاب هو موسوعة أدبية غنية وممتعة؛ وإن حطّ من شأنها بعض القدماء، فقد نُقل عن (النوبختي) قوله: «أبو الفرج الأصفهاني أكذب الناس، كان يشتري شيئاً كثيراً من الصحف ثم تكون كل رواياته منها».
وقال عنه (ياقوت الحموي): إنه «كثير التخليط قليل التحصيل»، وقال أيضاً إنه «كان وسخاً في نفسه ثم في ثوبه ونعله»، وهو عند ابن الجوزي ممن «لا يوثق بروايته»، ومن تأمّل كتاب الأغاني «رأى فيه كل قبيح ومنكر».. ويرى صديقي الشاعر العراقي (حميد سعيد) في كتاب له -وأنا معه في رأيه- «أن هذا الكتاب لا يصلح أن يكون مرجعاً تاريخياً، بل كان الغرض الأول منه هو إمتاع السمّاع ومؤانسة القلوب وترويح النفوس وتحلية الأذواق»، ولكنه في الحق (من أجلّ الموسوعات الأدبية وأعظمها غنى وثروة وقيمة أدبية).
ونُقل عن الدكتور (زكي مبارك) قوله: «إن الأصفهاني لم يختلق هذه الأخبار، إلا أن له يداً في تلوينها ووضعها في قوالب يغلب عليها اللهو والمجون».