جبهة الشمال و«رسائل مختلفة» حملتها ليلة الصواريخ.. هل يُودي مقترح بايدن بالكيان الإسرائيلي إلى «هزيمة كاملة»؟.. غزة والمنطقة تنتظران الموقف الأميركي النهائي
تشرين – مها سلطان:
رغم ما يظهر من مؤشرات تدعو للتفاؤل بعض الشيء، إلا أن أحداً لا يبدو قادراً على إبداء التفاؤل، فكل التصريحات التي خرجت خلال أسبوع مضى تجنبت ذلك، واتخذت مساراً شديد الحذر حيال مؤشرات التفاؤل تلك.
وفيما بدا كل التركيز مُنصبّاً، خلال الأسبوعين الماضيين، على رد حركة حماس والفصائل الفلسطينية على مقترح بايدن الذي تم تدعيمه أممياً يوم الإثنين الماضي، ليأتي الرد يوم أمس الثلاثاء.. عاد التركيز إلى جبهة الشمال بعد ليلة صواريخ أمطرت بها المقاومة اللبنانية المستوطنات الشمالية والتي وصلت إلى حوالي 100 صاروخ، حسب الجيش الإسرائيلي، وأجبرت من تبقى من المستوطنين على التزام الملاجئ.
مع ذلك، ربما للمرة الأولى، يمكن النظر إلى ليلة الصواريخ تلك بعيداً عن مسألة المخاوف التي لا تتوقف بشأن انفجار جبهة الشمال، وبشأن ما يهدد به الكيان الإسرائيلي لناحية الفصل بين جبهة غزة وجبهة الشمال ولناحية أن الهدنة في الأولى لن تنسحب على الثانية.
حتى الآن لا أحد يبدو قادراً على إبداء التفاؤل رغم كل ما يُشاع حول مسار تفاوض مختلف فالكيان غير مضمون في ظل الانقسام الداخلي الحاد ومأزق نتنياهو المتصاعد مع ائتلافه الحكومي
فإذا صح ما ينشره الإعلام الإسرائيلي حول أن البنود النهائية لهدنة غزة تصب كلياً في مصلحة الجانب الفلسطيني «حماس» فإنه يمكن إدراج ليلة الصواريخ تلك في إطار تثقيل الضغط على الكيان من خلال تعميق مأزقه الميداني في الشمال، وإظهار بعض مما سيلحق به في حال استمرت حربه على قطاع غزة، ففي ليلة صواريخ الأمس مشهد واحد فقط مما سيشهده الكيان، وما سيتبع ذلك في حال اتساع المشهد، ومن ضمنه دخول بري للمقاومة اللبنانية/حزب الله إلى الشمال/شمال فلسطين المحتلة، وهو التطور الذي يرعب الكيان لعلمه أنه غير قادر على رده.
على ذمة الإعلام الإسرائيلي
ربما يفيد هنا أن نعرض ما ينشره الإعلام الإسرائيلي حول الهدنة ورد حماس والكذب المتواصل الذي يمارسه متزعم حكومة الكيان بنيامين نتنياهو، فقد كشفت «القناة 12» الإسرائيلية تفاصيل مقترح بايدن الذي بات معلوماً للجميع بأنه مقترح إسرائيلي تسلمه الرئيس الأميركي جو بايدن من نتنياهو، وتالياً رد حماس والتعديلات التي وضعتها عليه وضمّنتها في الرد.. ولم توضح القناة مصادرها أو كيف حصلت على هذه التفاصيل.
وحسب القناة الإسرائيلية فإن اقتراح وقف النار يتضمن التزاماً من قبل الكيان بإنهاء الحرب في غزة حتى قبل إطلاق سراح الرهائن، وهو ما يمثل عملياً هزيمة لـ«إسرائيل».
وخلافاً لما أصر عليه نتنياهو، يبدو أنّ المقترح لا ينص على القضاء على حماس كقوّةٍ حاكمةٍ في غزة، ويتضمن التزاماً إسرائيلياً بإنهاء الحرب حتى قبل إطلاق سراح جميع الرهائن.
وينص البند 15 من الاقتراح على استعادة الهدوء المستدام (وقف الأعمال العدائية العسكرية بشكل دائم) وبدء ذلك قبل تبادل الرهائن والأسرى في المرحلة الثانية.
وتضيف القناة: إن المقترح، الذي جاء في وثيقة تحمل عنوان (مبادئ عامة لاتفاق بين الجانب الإسرائيليّ والجانب الفلسطينيّ في غزة بشأن تبادل الرهائن والأسرى واستعادة الهدوء المستدام)، يتضمن 18 بنداً ويحدد 3 مراحل للاتفاق، ويقدم صورة مفصلة أكثر لمحتوى المقترح الإسرائيلي- الأميركي الذي ردت عليه حماس أمس.
بعد ليلة صواريخ حامية عاد التركيز إلى جبهة الشمال ولكن هل يمكن في هذه المرحلة ما بعد مقترح بايدن الحديث عن أهداف مختلفة أو إضافية للمقاومة اللبنانية
في المرحلة الأولى ستقوم حماس بتحرير جميع الرهائن النساء، بمن في ذلك المجندات، إضافة إلى الرجال فوق سن 50 والمدنيين المرضى والجرحى (33 رهينة في المجموع)، في المقابل سيطلق الكيان الإسرائيلي سراح 30 أسيراً فلسطينياً مقابل كل رهينة، أو 50 مقابل كل جندية، على أنْ ينتمي الأسرى إلى المجموعة نفسها (النساء والأطفال والمسنون وما إلى ذلك) التي ينتمي إليها الرهائن الذين تتم مبادلتهم بهم.
وستستند هويات هؤلاء الأسرى الذين يقدر عددهم بـ 250 إلى القوائم التي تقدمها حماس، باستثناء عدد الأسرى المتفق عليه (100 على الأقل) الذين ستتم مناقشتهم في المرحلة الثانية، كما سيتم إطلاق سراح ما لا يقل عن 50 من الأسرى المفرج عنهم والذين يقضون أحكاماً بالسجن المؤبد.
وحسب القناة فإنه لا يمكن إعادة اعتقال أي من الأسرى المحررين ولن يُطلب منهم التوقيع على أي وثيقة.
وفيما يتعلق بالمسألة الحساسة المتعلقة بالانتقال من المرحلة الأولى إلى الثانية، التي عرضها نتنياهو بشكل مختلف عن بايدن، قالت القناة الإسرائيلية: حسب الوثيقة وفي موعد أقصاه اليوم السادس عشر، ستبدأ المفاوضات غير المباشرة حول تفاصيل عملية التبادل التي ستتم في المرحلة الثانية، مضيفة: إن البند 14 ينص على أن كل الإجراءات في هذه المرحلة بما في ذلك الوقف المؤقت للعمليات العسكرية ستستمر في المرحلة الثانية ما دامت المفاوضات مستمرة، وعلى ضامني هذا الاتفاق بذل كل جهد لضمان استمرار تلك المفاوضات غير المباشرة حتى يتمكن الجانبان من التوصل إلى اتفاق بشأن شروط تنفيذ المرحلة الثانية.
وفي المرحلة الثانية، التي ستستمر 42 يوماً، وفقاً للبند 15، سيُعلن الطرفان عن استعادة الهدوء المستدام (وقف الأعمال العدائية العسكرية بشكل دائم) وبدئه قبل تبادل الرهائن والأسرى، كما ستنسحب القوات الإسرائيلية بشكل كامل من قطاع غزة خلال هذه الفترة أيضاً.
نتنياهو يُكذّب
ورداً على «القناة 12»، قال مكتب نتنياهو: إنّ الوثيقة التي تم تقديمها غير كاملة ومضللة.. وعلى الرغم من نفي نتنياهو، إلّا أنّه لم ينشر نص الاقتراح الإسرائيليّ، ورفض أيضاً الكشف عن الاقتراح الكامل لـ«المجلس الأمني»، ما أثار اتهامات من حلفائه اليمينيين المتطرفين بأنّه يخفي معلومات عنهم عمداً، مهددين بأن «أيّ نهاية للحرب من دون هزيمة حماس ستدفعهم إلى الانسحاب من الحكومة».
إذا صحَّ ما نشره الإعلام الإسرائيلي حول قبول الكيان بوقف النار والانسحاب من غزة قبل إتمام اتفاق التبادل فهذا يعني هزيمة رسمية معلنه لها ما بعدها
وكانت حركة «حماس» أعلنت أمس أنها سلمت ردها للوسطاء، مؤكدة أنه رد يتسم بالمسؤولية والجدية والإيجابية، وينسجم مع مطالب الشعب الفلسطيني والمقاومة، ويفتح الطريق واسعاً للتوصل إلى اتفاق، وقالت: إن الرد يتضمن تعديلات تشمل الجدول الزمني لوقف إطلاق نار دائم، والانسحاب الكامل للقوات الاسرائيلية من غزة، مضيفة: إن المباحثات ستتواصل عبر الوسطاء وبتنسيق أميركي.
واعتبرت حماس أن تحريض الإعلام الإسرائيلي على «الرد» مؤشر إلى محاولات التهرب من استحقاقات الاتفاق.
دراسة أميركية «مستفيضة»
أما إدارة بايدن فقد صرحت بأنها تدرس رد حماس، وقال جون كيربي منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي في مؤتمر صحفي مساء أمس: «تلقينا رد حماس.. فريقنا يدرس الأمر».
ورفض كيربي تقديم أي تفاصيل أخرى، قائلاً: هذا موضوع معقد ويحتاج إلى دراسة مستفيضة.
وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي يجول في المنطقة حالياً، وصف قبول حماس قرار مجلس الأمن لوقف الحرب وفق مقترح بايدن بأنه «إشارة تبعث على الأمل»، مجدداً القول إن نتنياهو أكد التزامه بمقترح بايدن (خلال اجتماعه معه يوم الإثنين الماضي).
وحتى يتكشف مسار التفاوض المقبل، واحتمالات التنفيذ، يتواصل العدوان الإسرائيلي على مختلف مناطق قطاع غزة، موقعاً المزيد من الشهداء (الذين وصلت حصيلتهم غير النهائية إلى حوالي 38 ألف شهيد وفق وزارة الصحة الفلسطينية منذ 7 تشرين الأول الماضي) إلى جانب عشرات آلاف الجرحى ومئات آلاف النازحين.
وشهد فجر اليوم الأربعاء استشهاد 6 فلسطينيين في قصف إسرائيلي استهدف منزلاً في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، بينما يواصل الجيش الإسرائيلي قصف المنازل والشقق السكنية في مدينة غزة والمناطق الشمالية المختلفة.
«يونيسيف» تحذّر
بالتزامن قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف:» إن 3 آلاف طفل يعانون من سوء التغذية ومعرضون «لخطر الموت أمام أعين أسرهم» بسبب حرمانهم من العلاج نتيجة الهجوم الإسرائيلي على رفح جنوب غزة.
وقالت المنظمة في بيان لها: لا يزال العنف المروع والنزوح يؤثران في إمكانية وصول العائلات اليائسة إلى مرافق وخدمات الرعاية الصحية.
وفي هذا السياق، قالت المديرة الإقليمية لـ«اليونيسيف» في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أديل خضر: ما زالت الصور المروعة تظهر من غزة لأطفال يموتون أمام أعين أسرهم بسبب استمرار نقص الغذاء وإمدادات التغذية وتدمير خدمات الرعاية الصحية.
وأضافت: ما لم يتم استئناف العلاج بسرعة لهؤلاء الأطفال البالغ عددهم 3000 طفل، فإنهم معرضون لخطر فوري وخطر للإصابة بأمراض خطرة، والإصابة بمضاعفات تهدد حياتهم.
وتابعت: مع تدمير المستشفيات وتوقف العلاج وشح الإمدادات، فإننا نستعد لمزيد من معاناة الأطفال ووفياتهم.
وشددت على «الحاجة إلى ظروف تشغيل أفضل على الأرض تتم من خلالها زيادة الأمان وتقليل القيود»، إلا أنها أكدت أنه في نهاية المطاف ما يحتاجه الأطفال بشدة «هو وقف إطلاق النار».