أيام السينما التونسية في دمشق…”إنْ كُنتَ تحبُّ الحياةَ..فاذهبْ إلى السينما”!

تشرين- جواد ديوب:

افتتحت وزارة الثقافة/المؤسسة العامة للسينما بالتعاون مع السفارة التونسية بدمشق أسبوع السينما التونسية في دار الأوبرا، مساء أمس، بتقديمٍ مميز من الإعلامية أنسام السيد مديرة قناة سورية دراما، حيث يأتي هذا الأسبوع كنوع من التبادل الثقافي بين البلدين، وفرصة للتواصل مع خبرات فنية جديدة عبر عبق السينما التي تشكل واحدة من مكونات الهوية الثقافية الوطنية لأي بلد.

وقال سعادة سفير الجمهورية التونسية محمد المهذبي في كلمة له، وبعد توجيه التحية لكل من شارك في جعل هذا الأسبوع السينمائي حاضراً في قلب العاصمة دمشق: “هذه المناسبة هي عودةٌ للنشاط الثقافي على المستوى الرسمي لأن التبادل الثقافي على المستوى الشعبي لم ينقطع، وقد كان لرئيسيّ البلدين الرئيس الأستاذ قيس سعيد والرئيس الدكتور بشار الأسد الرغبة المشتركة في ضرورة استرجاع نسق التعاون بين البلدين لبلوغ مراتب أفضلَ مما سبق، خاصةً بعد إحباط المؤامرة التي يعرفها الجميع. وقد اخترنا هنا أفلاماً تونسية غير خاضعة لمنطق السوق، وتعكس بعض اهتمامات السينمائيين التونسيين الجدد”.

“حربُ الصورة”!

وأضاف السفير: “لقد أثبتت الأيام أهمية الصورة ومدى خطورتها في حياتنا، سواء على شاشات الكومبيوتر أو في الدراما التلفزيونية أو السينما، ليس فقط على المستوى الثقافي بل الاقتصادي والسياسي أيضاً، فغيرَ بعيدٍ من هنا ما نشاهده من صور منقولة يومياً من فلسطين المحتلة تنقل للعالم بلاغةَ الدماء المسفوكة التي أخرست المجرمين وجعلت أصحاب الحق يكسبون حرب السرديّات على مستوى العالم، وفضحت المحتل الإسرائيلي، فمعها لا ينفع التزييف حتى لو اعتمدوا أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي، لقد جعلت الصورة المنقولة الشجر والحجر ينطقان بالحق، وجعلت الكرة الأرضية تتلفّعُ بالكوفية الفلسطينية التي غدت لباس إحرامٍ أمام محراب العدالة الكونية، يوشّحُ رؤوسَ وصدور كل الناس الأحرار في العالم، وشكلت بصيص أمل يتّسعُ مع الأيام”.

“ربما لدينا في تونس تاريخ طويل في مجال السينما -يكملُ سعادة السفير كلمته- حيث سافر إليها الأخوان لوميير في عام 1895 ليصورا هناك بعض المشاهد زمن ما يسمى أيام الحماية الفرنسية، لكن الانطلاقة الحقيقية للسينما التونسية كانت إثر استقلال البلاد مع أول مهرجان سينمائي عربي وإفريقي عام 1966 تميز بالدفاع عن فكرة “سينما المؤلف” بعيداً عن الأعمال التجارية، وربما استبق فكرة الاستثناء الثقافي أي عدم اعتبار العمل الثقافي سلعة مثل غيره. مع كل ما رافق ذلك من مشاركة مكثفة للجمهور وحلقات النقاش مع المخرجين، كما صارت النساء في قطاع السينما ينافسن الرجال، وأصبح عندنا مهرجانات منها للأفلام التسجيلية والقصيرة وغيرها، وفتح المجال للتعاون مع البلاد العربية ومنها سورية العريقة المليئة بهذه المواهب والطاقات السينمائية”.

ويضيفُ السفير التونسي: “قيلَ عن المخرج والشاعر جان كوكتو أنه قال: “إنْ كنتَ تُحبُّ الحياة فاذهبْ إلى السينما” وكيف لا نحب الحياة ونحن في بلدٍ مثل دمشق. وكيف لا نحب الحياة وأبو القاسم الشابي يقول: “ومن لم يعاهده شوقُ الحياة تبخّرَ في جوها واندثر”، وكيف لا نحب الحياة حتى من باب تحدي الأعداء الذين يريدون العرب موتى”!

على طريق الحوار الثقافي

فيما قدم الأستاذ مراد شاهين مدير عام المؤسسة العامة للسينما كلمة قال فيها: “قبل عدة عقود تم طرح فكرة توءمة بين مهرجاني دمشق السينمائي وأيام قرطاج السينمائية، وبالفعل تمت تلك المواءمة ونتج عنها دورات وتعاون سينمائي ناجح، وها نحن اليوم نستحضر ذاك الماضي الجميل بين بلدينا، مع كل ما يقرب بيننا من همٍّ ثقافي وقومي، إذ ثمة شيءٌ مشترك بيننا على صعيد السينما بسبب ضيق السوق السينمائية في محاولات مستمرة للوصول إلى العالمية، وعدم الخضوع لمتطلبات السينما التجارية أو الوقوع في فخ الترفيه الفارغ في أي محتوى اجتماعي أو إنساني، وهذه الأيام السينمائية التونسية تشكل خطوة على طريق الحوار الثقافي والإنساني الخلاق بين الشعبين الشقيقين في تونس وسورية”.

في التكريم

كما تم تكريم الفنان القدير الأيقونة دريد لحام، والفنانة القديرة منى واصف النجمة التي أضاءت سماء الفن في البلاد العربية، وكذلك روح المخرج الفقيد عبد اللطيف عبد الحميد التي تشكل أفلامه علامات مضيئة في تاريخ الفن السينمائي العربي والسوري، بحسب وصّف سفير الجمهورية التونسية.

فيما قالت الإعلامية أنسام السيد عن الفنان لحام إنه ينتمي بعمق فني وعلمي إلى الفن بتجلياته المبهرة، هو فنان مغلوبٌ بالحب والوطن، في أعماله يشعر المتلقي بجمرة الحنين إلى زمن مضى ولذعِ الشوق إلى غدٍ أجمل، وكان الأقدر على حماية الهوية والانتماء والأصالة، إنه عراب الفن السوري والعربي”.

فيما وصّفت الإعلامية السيد الفنانةَ القديرةَ منى واصف بأنها نجمة مقاتلة أحلامها ملكية وطموحها لا يستكين ذاكرتها وقادة وعزيمتها فولاذية وإرادتها جعلتها في توهج دائم، أستاذة في خياراتها الإبداعية بحرفية فنية عالية تلامس الوجدان، في المسرح والتلفزيون والسينما، ولا تزال صرختُها في “أسعد الورّاق” عالقة في أذهاننا منذ عقود، صاحبة “الرسالة” وسيدة “الهيبة” السنديانة السورية الشامخة”.

أما عن الراحل عبد اللطف عبد الحميد فكانت كلمة الإعلامية السيد هادئة ووجدانية في رثاء عظيم مبدع “رحل بلا ضجيج ولا صخب في غفلة عن الجميع من دون كلمة وداع، تاركاً غصة في القلب ولوعة… وإرثاً سينمائياً نابضاً بالحب والنفحات الإنسانية. وختمت بالقول: “سنبقى نرسل لك “رسائل شفهية” مع “نسيم الروح” عمّا يطلبه المستمعون وعن “صعود المطر”… لنصل إلى نهاية الطريق”.

كما تم عرض فيلم الافتتاح بعنوان “في عيني” من إخراج نجيب بلقاضي. تناول فيه قضية أطفال التوحد.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار