ليس في الأمر مبالغة أو قراءة خاطئة لما تحضره الولايات المتحدة الأميركية لغزة، ولما بعد غزة «اليوم التالي» وهذا اليوم التالي يندرج على عموم المنطقة، أقله على المحيط الإقليمي للكيان الإسرائيلي.
وليس هناك خطأ في التعبير عندما نستقرأ أن أميركا تحضر لمرحلة «مندوب سامي» في قطاع غزة، وفقاً لما كشفته صحيفة «بوليتيكو» الأميركية الخميس الماضي حول أن إدارة الرئيس جو بايدن تدرس تعيين مسؤول /مندوب/ مدني أميركي في غزة ليقود قوة أمنية تزعم واشنطن أنها لتحقيق الأمن والاستقرار وإعادة الإعمار.
ولا يمكن هنا إلا أن يتبادر إلى الذهن مباشرة إدارة بول بريمر في العراق، المسؤول المدني الذي عينته إدارة جورج بوش الإبن بالصفة نفسها والمهام المزعومة نفسها في العراق ما بعد الغزو الأميركي في عام 2003، والنتيجة كانت أن بريمر نفذ كامل المهمة في خراب ودمار البلاد وإبقائها نهباً للاقتتال والاضطرابات والفشل على مستوى الدولة والمكانة والدور.
كل ما كشفته صحيفة «بوليتيكو» حول المخطط الأميركي لغزة خطير جداً، من تعيين المندوب «السامي» الذي لم تكشف هويته بعد، ليكون كبير المستشارين المدنيين لقوة «معظمها فلسطينية» وليكون رئيساً مباشراً لقائد هذه القوة سواء كان فلسطينياً أو من دولة عربية.. «ودائماً وفق بوليتيكو».
إلى طبيعة التعيين وحجم السلطة التي سيحظى بها، إلى مقر إقامته «في سيناء أو الأردن» من دون استبعاد قاعدة «يُبنى على الشيء مقتضاه» وهذا المقتضى قد يستدعي انتقال مقره إلى «منطقة خضراء» في غزة كما كانت منطقة بريمر الخضراء في العراق.
إلى مسألة أن أميركا تريد أن تكون في قلب غزة وستكون مسؤولة لفترة طويلة لمرحلة ما بعد انتهاء الحرب، إلى مسألة المعابر وتسليمها لإدارة أوروبية، إلى مسألة «الهندسة العكسية» ودور مشبوه لفرنسا/ماكرون.
إلى الميناء العائم الذي شيدته الولايات المتحدة قبالة غزة ودوره المستقبلي، حيث تبرز هنا بشكل مباشر مسألتان كلاهما أخطر من الأخرى، الأولى استغلال الغاز قبالة سواحل غزة، والمسألة الثانية تعيدنا إلى «الممر الهندي» والذي يشكل فيه قطاع غزة محطة أساسية.
هذا جانب واحد فقط مما تحضره الولايات المتحدة لغزة، وإن كان الأخطر مما كُشف حتى الآن، ويبدو أننا دخلنا مرحلة تنفيذ من نوع ما، أو لنقل مرحلة التمهيد للتنفيذ، حيث تم الدفع بفرنسا مجدداً إلى الواجهة لتكون نقطة التقاء وتنسيق خصوصاً مع الجانب العربي.
أميركا وبعد ثمانية أشهر تقريباً من اندلاع جبهة غزة، تريد أن تغلق هذه الجبهة على أوسع استغلال ممكن، وبما يضمن لها موطئ قدم «عسكرية» يُعيد تمكينها من المنطقة على قاعدة إعادة انتشار نفوذ ومراكز نفوذ، هذا من جهة.. ومن جهة ثانية فإن موطئ القدم هذا سيضعها على خريطة «الممر الهندي» كحامٍ له، وبما يجعلها من المنتفعين الأساسيين على المستوى الجيو- اقتصادي، إلى جانب ضرب الخصمين الرئيسيين لها، الصين أولاً باعتبارها صاحبة مشروع اقتصادي/تجاري موازٍ عبر مشروع «الحزام والطريق»، وروسيا ثانياً التي تزاحمها في المنطقة على المستوى الجيو- استراتيجي، هذا عدا عن القوى الإقليمية وعلى رأسها إيران وبما يوازي ثقلها العالمي «مضيق هرمز وبحر العرب».
ما تحاوله أميركا حالياً، وللمرحلة المقبلة، هو حبك هذا المخطط بأقصى قدرة من التمكن والتمكين، ولتحقق ذلك لا بد من أطراف عربية إقليمية «وفلسطينية ايضاً» وفق تلك الـ«الهندسة العكسية» التي تبدأ من إنهاء الحرب ربطاً بأن يكون هناك اتفاق مسبق، رسمي وملزم، بتنفيذ ذلك المخطط وعلى زعم أن الجانب العربي هو الأكثر تضرراً من استمرار الحرب، أو توسعها.
الأيام المقبلة ستكون مزدحمة بالتطورات- كما يبدو- إذا ما انطلقنا في تحليلاتنا وتوقعاتنا من اجتماعات باريس «يوم الجمعة الماضي» والحضور العربي فيها، والاجتماعات الجانبية، وكله برعاية وليام بيرنز رئيس الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه».. وما علينا في الأيام القليلة المقبلة سوى انتظار تدفق الأخبار والتسريبات.
مها سلطان
57 المشاركات