«اليوم التالي» ومقدماته وأذرع أميركا الجديدة للامتداد والبقاء في المنطقة.. كيان الاحتلال لا يريد وأميركا تريد.. مستقبل الحكم في غزة يدخل الدائرة الأخطر
تشرين- هبا علي أحمد:
تصعيدٌ مستمر في الميدان والسياسة وخلف الستار تشهده جبهة العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة ومعركة رفح المرتبطة به.. لقاءات في باريس لإعادة بث الحياة في المفاوضات –المرتقبة خلال أيام- بين كيان الاحتلال والمقاومة الفلسطينية، وخطط أميركية- غربية- إسرائيلية لإدارة غزة بمشاركة فلسطينية- عربية في «اليوم التالي» للحرب تشي بأن القادم أخطر رغم خطورة العدوان بمجمله، وأنّ الولايات المتحدة الأميركية تبحث عن مخارج من العدوان بطريقة لا يظهر فيها الكيان بصورة المهزوم عندما تضع الحرب أوزارها، وتظهرها ـ أي واشنطن- بمظهر «راعي السلام» وتوفر لها الامتداد والبقاء في المنطقة عبر أذرعٍ جديدة، وفي الوقت ذاته «تحتوي» الانتصارات التي حققتها المقاومة الفلسطينية مسنودة بجبهات المقاومة الإقليمية.
ترتيبات أمريكية
الترتيبات الأميركية لـ«اليوم التالي» تفرض على ما يبدو العودة إلى المفاوضات والوصول إلى نتيجة منها لإنهاء مسار من مسارات العدوان الكثيرة والمعقدة، ورغم أنّه لا نتيجة مرجوة من التفاوض مع العدو إلّا إذا أتته الأوامر الأميركية صارمة بوجوب التوصل إلى اتفاق ما في المفاوضات، وفي سياقها يتوجه وفد وزاري فلسطيني إلى القاهرة خلال الأيام القادمة لبحث سلسلة من الملفات المشتركة المتعلقة بتبعات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وذكرت مصادر أنّ المباحثات ستتناول قضية الفلسطينيين الذين غادروا قطاع غزة بعد العدوان.
الترتيبات الأميركية لـ«اليوم التالي» تفرض على ما يبدو العودة إلى المفاوضات والوصول إلى نتيجة لإنهاء مسار من مسارات العدوان الكثيرة والمعقدة
ومن أجل تدعيم الترتيبات المذكورة آنفاً لا بدّ من غطاء إنساني، يتمثل بالسماح بإدخال المساعدات عبر المعابر، وأيّاً ما تكون الجهة المتفق معها لتسهيل ذلك، فإن الغايات الأميركية منفصلة في الأهداف والتكتيكات عن أي اتفاقات، من هنا يمكن فهم دخول شاحنات مساعدات إلى قطاع غزة اليوم عبر معبر كرم أبو سالم، إذ أكد رئيس جمعية الهلال الأحمر المصري في محافظة شمال سيناء خالد زايد أنّ 150 شاحنة مساعدات إنسانية وصلت إلى معبر كرم أبو سالم وبدأت بالعبور إلى داخل قطاع غزة للمرة الأولى منذ عشرين يوماً، مضيفاً: يجري تجهيز شاحنات إضافية في حال إمكانية دخول المزيد من شاحنات المساعدات والوقود على مدار اليوم.
وكانت مصادر أمنية مصرية قد تحدثت في وقت سابق عن إمكانية دخول شاحنات الغذاء والوقود الإنسانية إلى جنوب القطاع عبر معبر كرم أبو سالم، موضحة أن احتمالية دخول المساعدات جاءت عقب التوصل إلى اتفاق بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الأميركي جو بايدن.
وقبل يومين، اتفق الرئيس المصري مع نظيره الأميركي، خلال اتصال هاتفي، على تسليم مساعدات إلى الأمم المتحدة في معبر كرم أبو سالم بصورة مؤقتة، إلى حين التوصّل إلى آلية قانونية لإعادة تشغيل معبر رفح جنوب قطاع غزة من الجانب الفلسطيني، وفق بيان للرئاسة المصرية.
نتنياهو لن يوافق على إنهاء الحرب ولا يريد مناقشة «اليوم التالي» إلّا أنّ أميركا لا تقف عند هذه التفاصيل وعندما تقتضي الضرورة تفرض ما تريد
ويرتبط في السياق ما تمّ الحديث عنه أنّ نقاشاً دقيقاً ومفصلاً تجريه الولايات المتحدة ومصر والسلطة الفلسطينية و«إسرائيل» حول معابر قطاع غزة، يدور حول إدارة فلسطينية رسمية للمعابر مع إمكانية وجود طرف ثالث بتوافق مصري- فلسطيني، وأنّ الحديث يدور في الأساس حول معبري كرم أبو سالم ورفح في جنوب قطاع غزة، إضافة إلى معابر أخرى في شمال القطاع، كما أنّ النقاش يجري بشكل دقيق ومفصل حول إعادة تفعيل اتفاقية المعابر الموقعة بين السلطة الفلسطينية و«إسرائيل» عام 2005، والتي تتضمن تفاصيل متعلقة بعمل معابر غزة.
حكم أميركي غير مباشر
ورغم أن رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو لن يوافق على إنهاء الحرب ولا يريد مناقشة «اليوم التالي»، كما تحدّثت وسائل إعلام العدو، إلّا أنّ أميركا لا تقف عند هذه التفاصيل وعندما تقتضي الضرورة تفرض ما تريد، إذ يتضح أنّ المفاوضات وإدخال المساعدات والكثير من التفاصيل المرتبطة في سياق العدوان التي تعمل واشنطن على تجاوزها بعجالة عبر صيغٍ وتوافقات ثنائية أو متعددة الأطراف، كلها مقدّمات للمرحلة التالية، ويجب التذكير بأنّ واشنطن تعيش تحت ضغط المطالبات بالانسحاب من المنطقة، ولهذا فإن بوابة العدوان على غزة أنسب بيئة من شأنها أنّ توفر غطاء مناسباً لها للالتفاف على مطالب الانسحاب وبالتالي البقاء تحت صيغٍ وعناوين مختلفة ومواربة غير مباشرة، وما كشفته مجلة «بوليتيكو» يصب في هذا السياق، إذ قالت المجلة: إنّ إدارة الرئيس جو بايدن تدرس رسمياً تعيين مسؤول أميركي للإشراف على قوة «حفظ سلام» أغلبيتها فلسطينيون في القطاع، وذلك بعد انتهاء الحرب على غزة، مشيرة إلى أنّ الخطوة تدل على أن الولايات المتحدة تخطط للانخراط بشكل كبير في «تأمين» غزة في مرحلة ما بعد الحرب.
واشنطن تعيش تحت ضغط المطالبات بالانسحاب من المنطقة وبوابة العدوان بيئة مناسبة للالتفاف عليها والبقاء تحت صيغٍ وعناوين مواربة
وقالت مصادر: إن المستشار المدني الأميركي لن يدخل إلى غزة نفسها أبداً، وسيكون مقره في منطقة الشرق الأوسط، وسيعمل بشكل وثيق مع قائد القوة، الذي سيكون إما فلسطينياً أو من إحدى الدول العربية، واعتبرت المجلة ذلك مؤشراً على الرغبة في تجنب أي إيحاء بأن الولايات المتحدة ستحدد مستقبل القطاع، كما أشارت إلى أنّ خطة تعيين المستشار هي واحدة من عدة سيناريوهات تم طرحها لخطة «اليوم التالي».
لا فرصة لتحقيق النصر
لكنّ الترتيبات الأميركية ورغم أنّ الأخطر لم يأتِ بعد، إلّا أنّ صورة الهزيمة الإسرائيلية وانتصار المقاومة الفلسطينية لا يمكن محوها خصوصاً عندما تأتي الاعترافات من عقر دار الكيان، إذ أكد رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت أنه لا توجد فرصة لتحقيق النصر أو التدمير النهائي لـ«حماس»، مشيراً إلى أنّ ادعاء «النصر» لا أساس له من الصحة، وهذا هو شعار رئيس الحكومة الحالي بنيامين نتنياهو حتى يتمكن من التبرير، في إطار المحاولات المتواصلة لإيجاد مسافة بين أحداث 7 تشرين الأول، والمرحلة التي ستنتهي فيها الحرب لأسباب شخصية أو سياسية، ولا علاقة لها بـ«إسرائيل»، لافتاً إلى أنّ الحرب لا تخدم مصلحة «إسرائيل»، بل تخدم مصالح نتنياهو وبعض أعضاء حكومته.
أما على مقلب جبهة الشمال، فتبدو الصورة أشد قساوة على كيان الاحتلال الذي يرزح تحت وطأة صواريخ المقاومة اللبنانية يومياً، إذ أفادت وسائل إعلام العدو بأنّ 15 صاروخاً أطلقت من لبنان نحو الجليل الغربي، وقال شمعون شيفس مدير عام مكتب رئيس حكومة الاحتلال الأسبق إسحاق رابين: فقدنا الجليل وهذا واضح، لافتاً إلى أنّ الهروب الإسرائيلي من جنوب لبنان فيعام 2000 أدى إلى تعاظم قوة حزب الله، موضحاً في السياق إلى أنّه من دون «حزام أمني جدّي فأن سكان الشمال لن يعودوا إلى منازلهم»، مضيفاً: «يجب قول الحقيقة البسيطة.. الحزام الأمني لإسرائيل مع لبنان يمر اليوم في خط “عميعاد” – عكا»
– ادعاء «إسرائيل» «النصر» لا أساس له من الصحة ولا توجد فرصة لتحقيقه أو التدمير النهائي لـ«حماس»
إلى ذلك، شنّ حزب الله هجوماً نارياً مكثّفاً بالأسلحة الصاروخية وقذائف المدفعية استهدف خلاله موقع جل العلام وانتشاراً لجنود العدو في محيطه، وحقق عناصره إصابات مباشرة وأوقعوا فيهم خسائر مؤكدة.