معضلات الكيان الإسرائيلي تتعقّد.. رفح تراكم أوهام الاحتلال.. ولا صورة لـ«النصر».. والأمريكي في صلب الاستراتيجية اليمنية
تشرين – هبا علي أحمد:
تكشف معركة رفح المرتقبة – بدأت عملياً قبل أن تبدأ رسمياً – حجم التفكك والانقسام الذي يعانيه الكيان الصهيوني، ويتضح من خلال جولة على وسائل إعلام العدو حجم الخيبة التي أصيب بها «المجتمع الإسرائيلي» من جراء العملية، والذي كان يرتقب عملية سياسية تنتهي بعودة الرهائن الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية في حين يتعنت رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو على الدخول إلى رفح واضعاً كيانه على مفترق طرق استراتيجي داخلياً وخارجياً، وسط الرفض العالمي الواسع للعدوان على غزة، في المقابل فإنّ استمرار العدوان سيكلف كيان الاحتلال الكثير مع تصاعد عمليات المقاومة في غزة وفي الشمال على الحدود مع لبنان، وفي الجنوب أي من اليمن حيث تتدرج صنعاء في مراحل معركة الإسناد على غزة مستهدفة الإسرائيلي والأمريكي معاً ومتوعدة بالمزيد.
غزة بالنسبة لنا خط أحمر وسنضرب ونستهدف أهدافاً لا يتخيلها العدو وسنصل في المراحل القادمة إلى مواقف لا يتخيلها الأمريكيون
– التصعيد اليمني
وجد كيان الاحتلال الصهيوني خلال عدوانه على غزة نفسه أمام معضلات استراتيجية ليس بسبب إدراك الرأي العام العالمي لحقيقة الكيان الإجرامية وبالتالي إعادة التفكير في مسألة دعم الكيان من عدمه، ولكن أيضاً بسبب تهديدات لم تكن في حسبانه ولا حتى الأمريكي، إذ لم يكن اليمن في الحسبان ولم يكن من وجهة النظر الأمريكي- الصهيونية من الممكن أن يتحول إلى تهديد استراتيجي فاعل ومؤثر في المعادلات وموازين الصراع من دون أي رادع، فمنذ بداية العدوان على غزة تُصعّد المقاومة اليمنية من عملياتها ضد كيان الاحتلال، معلنة بدء مرحلة جديدة من التصعيد وملوّحة في الوقت عينه بمرحلتين؛ خامسة وسادسة، إذ أعلن المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع عن بدء المرحلة الرابعة من التصعيد ضد الاحتلال الإسرائيلي، حيث سيكون هناك عمليات كبيرة للقوات المسلحة اليمنية، قائلاً: غزة بالنسبة لنا خط أحمر، وسنضرب ونستهدف أهدافاً لا يتخيلها العدو، وسنصل في المرحلة الخامسة والسادسة إذا واصل العدو عدوانه على غزة، إلى مواقف لا يتخيلها الأمريكيون، مؤكداً أنّ الاستراتيجية القادمة كبيرة وأنّ الشعب اليمني يُجهّز نفسه للمعركة في حال دخل الأمريكي براً، أو في حال فتحت الطريق لوصول اليمنيين إلى فلسطين.
توغل واسع النطاق
منذ بداية التهديد بعملية رفح ليحقق الاحتلال من خلالها ما لم ولن يحققه، كان واضحاً أن لا معركة من دون ضوء أخضر أمريكي.. صحيح أن واشنطن تحذر من المعركة لكن التحذيرات تنطلق من أسباب مرتبطة بحماية كيان الاحتلال، إذ تدرك واشنطن أنّ «النصر» الذي يريده الاحتلال لن يتحقق، والأكثر من ذلك أنّ صورة الكيان العالمية كما كانت قبل السابع من تشرين الأول الماضي لن تعود وعلاقات «تل أبيب» مع البعض في الجوار الإقليمي لن تكون في أفضل حال، لذلك نجد أنّ معركة رفح باتت موضع سجال يومي بين الأمريكي والإسرائيلي، وتدعي واشنطن أنها لا تعلم متى الموعد المؤكد للعملية بشكلها الرسمي.. أفاد اثنان من كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية بأن إدارة الرئيس جو بايدن تعتقد أنّ «إسرائيل» حشدت ما يكفي من القوات على أطراف مدينة رفح الفلسطينية للمضي قدماً في توغل واسع النطاق في الأيام المقبلة، وأكد المسؤولان في الوقت نفسه، أنهما غير متأكدين حالياً مما إذا كانت «إسرائيل» قد اتخذت قراراً نهائياً بتنفيذ مثل هذه الخطوة في تحدٍّ مباشر لبايدن، وفقاً لوسائل إعلام أمريكية.
رفح تحوّلت إلى مدينة أشباح وسكانها يواجهون الإرهاق المستمر والجوع.. والأمل الوحيد هو وقف إطلاق النار
وأفادت تقارير إعلامية بأنّ قوات الاحتلال بدأت تتقدم وسط مدينة رفح جنوبي القطاع ودخلت الدبابات الإسرائيلية أحياء الجنينة والسلام والبرازيل، مشيرة إلى أنّ المسيّرات الإسرائيلية أطلقت النار على النازحين في مخيمات الإيواء بجباليا.
وأكدت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» أنّ نحو 450 ألف شخص هجروا قسراً من رفح، منذ السادس من شهر أيار الحالي، لافتة إلى أنّه لا مكان آمناً في غزة وسكان رفح يواجهون الإرهاق المستمر والجوع، والأمل الوحيد هو وقف إطلاق النار، في ظل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الذي دخل شهره الثامن، مشيرة إلى أنّ المناطق الداخلية في رفح تحولت الآن إلى مدينة أشباح، حيث يصعب تصديق أن هناك أكثر من مليون شخص لجؤوا إلى داخل رفح منذ أسبوع.
من جهة ثانية، أشارت الوكالة إلى أنّ أكثر من 150 ألف امرأة فلسطينية حامل في قطاع غزة يواجهن ظروفاً ومخاطر صحية رهيبة، واصفة الوكالة الوضع الإنساني المتردي في القطاع بأنه مستوى جديد من اليأس يتكشف تحت أنظار العالم.
أهداف الحرب على غزة لم تتحقق فحسب، بل إنّ وضع الاسرائيليين بات أسوأ بكثير مما كان عليه.. و«إسرائيل» فقدت «مصداقيتها» في العالم
ووسط الأنباء التي تأتي من رفح، أكد الوسيط القطري أنّ العملية العسكرية الإسرائيلية في رفح أعادت الأمور إلى الوراء، في المفاوضات بشأن هدنة في قطاع غزة، قائلاً: نحن الآن في حالة من الجمود تقريباً، مشدّداً على غياب وضوح «إسرائيل» بشأن طريقة وقف الحرب على غزة.
وهم رفح
تؤكد وسائل إعلام العدو أنّ «النصر» الذي يأمله نتنياهو لن يتحقق، والأكثر من ذلك أن وضع الكيان يزداد سوءاً، وقالت صحيفة «معاريف»: «أهداف الحرب على غزة لم تتحقق فحسب، بل إنّ وضع الإسرائيليين بات أسوأ بكثير مما كان عليه في تشرين الأول، فقد فُتحت جبهات جديدة ضدهم من حزب الله في لبنان، ومن اليمن، ومنهما تنطلق صواريخ باليستية وصواريخ كروز وطائرات من دون طيار، ومع مرور الوقت أصيبت «إسرائيل» بالجذام، فقدت صداقتها في العالم، وجيشها معرّض لخطر مذكرات الاعتقال الدولية، وباتت أهّم وأعظم صديق في العالم، الولايات المتحدة، تعيد النظر في مواقفها تجاهنا، وقد تجنّبت بالفعل استخدام حق النقض ضد قرارات ضدنا في مجلس الأمن في حالة واحدة، وتدرس تجنّب بيع الأسلحة والذخيرة للحكومة، إذا لم تتصرف بالتنسيق معها».
اقتحام رفح لن يكون سوى خطوة محدودة ورمزية بهدف الاستهلاك الداخلي والعلاقات العامة، ولن توفر صورة «الانتصار»
وأشارت صحيفة «هآرتس» إلى أنّ الجيش والمستوى السياسي الإسرائيليين يتخذان إجراءات مثيرة للجدل، ذات دوافع سياسية ضيقة، وتصوّر زائف للكرامة الوطنية وهي تؤدي إلى خسائر فادحة، هدفها تكتيكي لكن إسقاطاتها استراتيجية، وينتج منها تراكُم المصاعب أمام التوصل إلى إنهاء الحرب، موضحة الاقتناع بأنّ احتلال رفح بمنزلة خطوة كاسرة للتوازن، وستقضي على قدرة «حماس» على الصمود، وستؤدي إلى تحرير المخطوفين، ليس سوى وهم، لافتة إلى أنّ اقتحام رفح لن يكون سوى خطوة محدودة ورمزية بهدف الاستهلاك الداخلي والعلاقات العامة ولن توفر صورة «الانتصار».
إلى ذلك، أعلنت وزارة الصحة في غزة ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35173 والجرحى إلى 79061، منذ بدء العدوان الإسرائيلي في 7 تشرين الأول 2023.
ورصدت، في تقريرها اليومي، ارتكاب الاحتلال 8 مجازر ضد العائلات، وصل منها إلى المستشفيات 82 شهيداً و 234 جريحاً.
وتحدثت مصادر إعلامية عن انتشال جثامين شهداء من جراء قصف إسرائيلي استهدف مدرسة تؤوي نازحين في مخيم النصيرات وسط القطاع.