تنوّعٌ في العناوين وقلّة في أعداد النُسخ في معرض “شهر الكتاب السوري”
دمشق- جواد ديوب:
تقيم وزارة الثقافة- الهيئة العامة السورية للكتاب “شهرَ الكتاب السوري” في جميع المراكز الثقافية ونوافذ بيع كتب الهيئة والمعارض الدائمة في جامعتي دمشق واللاذقية، وذلك في الفترة الممتدة من 12 أيار الحالي حتى 12 حزيران المقبل، وفي مبنى المدرجات في كلية الحقوق بدمشق أيضاً، لغاية 30 أيار فقط!
“تشرين” التقت الدكتور نايف الياسين مدير عام الهيئة وسألته: ما هي مناسبة المعرض وكيف يرى حال الكتاب السوري اليوم؟
فكانت إجابته: إن “المناسبة هي يوم الكتاب العالمي الذي يصادفُ عادة في شهر آذار لكن في الحقيقة تم تأجيله حتى اليوم، وأقمناه بعنوان (يوم الكتاب السوري) والتأجيل تمّ بسبب تزامنه مع شهر رمضان وبسبب سوء الطقس. لدينا حالياً نحو (1600 عنوان) تتنوع بين القصص والشعر والروايات والدراسات العلمية والفلسفية والآثار… وتقريباً هناك خمسون بالمئة من الإصدارات هي كتب مترجمة”.
نستفسر عن هذه النسبة المنخفضة فيما يخص الكتب المؤلفة، يوضح لنا بالقول: “نعم هناك قلة في موضوع التأليف لأن ما يُطبع ويُنشر هنا عادةً لا يفي المؤلفَ حقَّه، فليس لدينا مراكز أبحاث بميزانيات ضخمة تُمكّن المؤلفين من التفرغ الكامل لإنجازات متنوعة وضخمة وكثيرة، خاصةً أن الكتاب المترجم يمكن أن ينتهي خلال ستة أشهر مثلاً، لكن الكتاب المؤلَّف قد يمتد لسنوات طويلة مرهقة للمبدع، وللأسف إن أجور التأليف والترجمة لدينا لا تزال متدنية رغم محاولاتنا المستمرة لتحسينَها”.
“وهل ترى أن الثقافة بخير اليوم؟”، نسألُه.
يقول: “سنكون مفرطين في التفاؤل إن قلنا إنها بخير!، أنت تعلم حين يكون الوضع الاقتصادي صعباً وقاسياً فإن انعكاساته تطولُ أوضاعَ العمل الثقافي كلها، رغم أن وزارة الثقافة تدعم بشكل كبير حقول الثقافة عموماً، وتدفع أجور التأليف والترجمة مع تكاليف الطباعة المرتفعة، وتعود لتقدم حسماً يصل إلى خمسين بالمئة على سعر الكتب رغم أن العائدات المالية لأي معرض كتاب تعود إلى وزارة المالية وليس إلى وزارة الثقافة”!
الدكتور الياسين يكملُ ويقول: “إن كل ما قلتُه قبل قليل ينطبقُ على مَن يعملون في أدب الأطفال، فمن يعمل في هذا الحقل في ظل هذه الظروف المجحفة، يفعلُ ذلك من منطلق عاطفي أو ارتباط وطني أو شخصي يجعله يستمر في العمل مقارنةً مع ما يحصل عليه في دور نشر عربية أو عالمية… في هذا المناخ إذاً لا يمكن التحدث أبداً عن قفزة نوعية في هذا الشأن أيضاً”.
فيما كانت الأستاذة أريج بوادقجي رئيس تحرير “مجلة شامة” أكثر تفاؤلاً نسبياً في إجابتها عن سؤالنا: هل تمكن أدب الطفل في سورية من الحفاظ على نقاوته بعد الحرب المديدة التي مرت على البلد؟
فهي ترى أنه “في أدب الأطفال لا يمكن التنازل أبداً عن المعايير العالية، سواء كان معياراً أخلاقياً أو لغوياً أو فنّياً… وهذا حمّلَ العاملين في أدب الطفل مسؤوليةً عظيمة وأعباء إضافية للحفاظ على الجودة العالية، رغم أنه بالمقابل لا يوجد موارد بشرية تغطي هذه الجودة العالية من ناحية المضامين والرسومات وتقنيات الطباعة… وأنت تعلم هجرة أدباء الأطفال إلى خارج البلد، لكن رؤيتي هي أن أدب الطفل أدبٌ نوعي، وأدباء الطفل هم كما الأعضاء النبيلة في الجسم، رغم أنه ليس كلُّ كاتب جيد هو بالضرورة كاتبٌ جيد لأدب الطفل! إذ يجبُ عليه أن يكون ملمّاً في علم نفس الطفل، وكيف يختار اللغة المناسبة للشريحة العمرية المحددة، وأن يكون على تماسٍ مع أطفال اليوم… للأسف بعض من يكتبون للطفل يحدثونه عن طفولتهم في القرن الماضي وهذا لا بأس به- في حين إن الطفل الذي يعيش في العصر الحالي يحتاج أيضاً إلى من يستطيع التحدث إليه بلغة معاصرة”.
نشاكِسُ الأستاذة بوادقجي ونقول: لكنّ تجاهلَ الواقعِ المرّ أمرٌ خطِرٌ بالنسبة لأطفال اليوم فهم أذكياء جداً ويعرفون أن الدنيا ليست كلها عصافير تزقزق وفراشات ترفرف؟
تجيبنا بنباهةٍ ودراية: “نعم بالتأكيد لا يمكن أبداً تجاهل الواقع والحرب والأزمة الاقتصادية، وهذا كله قمنا بعرضه لكن بطريقة احترافية لمساعدة الطفل القارئ على معرفة كيف يتعلم ويستعد لتجاوز ما هو كائن إلى ما يجعله إنساناً متوازناً وقوياً”.
وبدورها -كما الدكتور نايف- تتأسف بوادقجي على التكلفة العالية جداً لإصدار “مجلة شامة” – وهي المجلة السورية الموجهة للأطفال من عمر أربع سنوات وحتى ثماني سنوات (الطفولة المبكرة) أصدرتها وزارة الثقافة- الهيئة العامة السورية للكتاب عام 2011- إذ تبلغ تكلفة عدد واحد فقط حوالي عشرة آلاف ليرة بالحد الأدنى للألوان والورق، من دون ذكر لأجور الكتاب والعمال وغيرهم، لكننا نطبع حوالي ثلاثة آلاف نسخة وهو عددٌ قليل بالتأكيد، لكنه أمرٌ مقبول حالياً ضمنَ المتاح”.