الانتخابات الأميركية في ميزان العدوان على غزة.. تناحرٌ أميركي- إسرائيلي استعراضي وألم الشمال يُترجم انفصالاً.. الكيان يتمزّق
تشرين- هبا علي أحمد:
مع عملية رفح المرتقبة التي يمكن القول إنها بدأت ولم تبدأ في آنٍ معاً نتيجة التضاربات والتجاذبات القائمة حول العملية حتى داخل كيان الاحتلال الإسرائيلي، فتارة نسمع أنها «عملية محدودة» وتارة أخرى أن دخول رفح قائم لا محالة، في حين تشير وسائل إعلام العدو إلى أنّ العملية توقفت الآن.. هذه التضاربات يرافقها تناحر أميركي- إسرائيلي للسبب ذاته، وعاد موضوع الخلافات بين الجانبين ليطفو على السطح مشكلاً مادة إعلامية لوسائل الإعلام، إلّا أنّ الحقيقة باتت معروفة للجميع، فأي خلافات تبقى سطحية لا ترقى لأن تكون استراتيجية، ولا سيما أن واشنطن كعادتها تعمد إلى المناورة والمراوغة فتهدد بإيقاف إرسال أسلحة معينة إلى «إسرائيل» لكنها تدعمها وتدعم عدوانها.
وباعتبار أن المسرحيات الأميركية باتت مكشوفة فإن المقاومة الفلسطينية مع جبهات الإقليم المساندة لغزة مستمرة بالتصعيد ولاسيما في جبهة الشمال التي نجدها في وسائل إعلام العدو قيد البحث والتساؤل.
واشنطن ملتزمة أشدّ الالتزام بدعمها للكيان فهي ترفع العصا بوجهه وفي اللحظة ذاتها تعود لترضيه وهي شريكته بالإبادة الجماعية أما حقيقة الخلافات فتعود لأسباب انتخابية
مناورة أميركية
مجدّداً يطلّ علينا الرئيس الأميركي جو بايدن بكلام مثير للسخرية والتهكم حول «أسفه» لاستخدام الكيان قنابل أميركية بقتل المدنيين في قطاع غزة، وأنه إذا دخلت «إسرائيل» رفح فلن تزودها واشنطن بالأسلحة، كأن بايدن يخشى على المدنيين والإنسانية، إلّا أن الحقيقة خلاف ذلك وهي ذاتها التي باتت ثابتة مع مراكمة خسائر الاحتلال.. الحقيقة أن واشنطن ملّت الحرب التي باتت بلا أفق وبلا نتيجة تخدمها وتخدم كيانها، بل على العكس تماماً شوّهت صورتها المشوّهة أساساً، والموقف الأميركي الراهن يأتي تحت ضغط الاحتجاج الطلابي في الجامعات الأميركية التي ضاق طلابها ذرعاً بالدعم الأميركي اللامحدود للمجزرة الإسرائيلية المتواصلة في غزة، وأيضاً يأتي ذلك في عزّ الموسم الانتخابي الأميركي وضيق القاعدة الانتخابية لبايدن، ما عدا ذلك فإن واشنطن ملتزمة أشدّ الالتزام بدعمها للكيان المحتل فهي ترفع العصا بوجهه وفي اللحظة ذاتها تعود لترضيه، ففي الحديث ذاته السابق الذكر لبايدن قال: «تصرفات إسرائيل في رفح لم تتجاوز بعد الخط الأحمر حتى لو تسبّبت أفعالها بتوترات في المنطقة»، مضيفاً: «لقد أوضحت أنّهم إذا ذهبوا إلى رفح، فلن أقوم بتزويدهم بالأسلحة التي تمّ استخدامها تاريخياً للتعامل مع هذه المشكلة، للتعامل مع المدن»، مُعتبراً أنّ «الإسرائيليين لم يذهبوا إلى المدينة بعد».. وهذا يشير إلى التناقض الصريح فيما تقوله أميركا وما تفعله ولا جديد في ذلك، ويدل بشكل صريح على اشتراك واشنطن بالإبادة الجماعية التي يمارسها الكيان في غزة.
تناحر أميركي- إسرائيلي
ورغم أنّ حقيقة الدعم الأميركي المستمر، الذي لن ينقطع بأي حال، يدركها الكيان، إلّا أن كلام بايدن فتح الباب عريضاً لإظهار التناحر ولو ظاهرياً بين الجانبين، ويظهر حقيقة تصريحات الرئيس الأميركي المتعلقة بالانتخابات الأميركية، إذ لوّح سفير الكيان لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان بورقة «أصوات اليهود» بعد تصريحات بايدن بشأن تعليق إرسال الأسلحة إلى «تل أبيب»، قائلاً: « تصريحات بايدن مخيّبة للآمال.. هناك العديد من الأميركيين اليهود الذين صوتوا للرئيس والحزب الديمقراطي، والآن هم مترددون»، ليرد عليه نائب رئيس «الإنتاج والمشتريات الدفاعية» الإسرائيلي السابق، والذي أكد رفضه الادعاء بأن «إسرائيل» تستطيع تحقيق أهدافها من دون الأسلحة الأميركية، وذلك وفقاً للإذاعة الإسرائيلية.
الاحتلال يرفع ورقة «الصوت اليهودي» في وجه بايدن.. العديد من الأميركيين اليهود الذين صوتوا للحزب الديمقراطي الآن مترددون
من جهتها، نقلت القناة «12» عن مسؤول إسرائيلي رداً على تهديد بايدن، قوله: «لدينا ما يكفي من الوسائل لدخول رفح من دون المساعدات الأميركية»، بينما قالت صحيفة «إسرائيل هيوم»: «على إسرائيل احتلال مدينة رفح كي نظهر للعالم أن إسرائيل ليست محمية أميركية».
خاصرة «إسرائيل» الرخوة
هذه التضاربات والتجاذبات والمناورات الأميركية تجابهها جبهات المقاومة في غزة وفي الإقليم بثبات وصمود واستمرارية التصعيد حتى إيقاف العدوان الصهيوني على غزة بشكل نهائي، فالخلل الأميركي- الإسرائيلي تقابله عزيمة وإصرار لدى المقاومة ومساندة من جبهات الإقليم تتسع يومياً وعلى مدار اللحظة، إذ خاضت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة اشتباكات عنيفة مع قوات الاحتلال جنوب غرب حي الزيتون في جنوب شرق مدينة غزة، وتصدّت للآليات الإسرائيلية التي تقدّمت بشكل محدود في المناطق الجنوبية لحي الزيتون وحي تل الهوى، في حين قصفت بقذائف الهاون حشوداً لآليات جيش الاحتلال جنوب حي الزيتون، أتى ذلك بالتزامن مع اعتداءات جوية، إذ استهدفت الغارات الإسرائيلية أحياء الصبرة والزيتون وتل الهوى جنوب شرق مدينة غزة.
حزب الله يضرب «إسرائيل» من خاصرتها الرخوة ومسيّراته سلاح كاسر للتوازن لا حل لها ويسبب شعوراً في مستوطنات الشمال بأنّها لا تتمتع بالأمان
وعلى الجبهة اليمنية، أعلن المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، عن تنفيذ عدة عمليات استهدفت 3 سفن مرتبطة بالعدو الإسرائيلي، وذلك في خليج عدن والمحيط الهندي والبحر العربي بوساطة عدد من الصواريخ البالستية والطائرات المسيّرة، وحقّقت إصابةً دقيقة.
أما جبهة الشمال فشكلت عامل رعب وقلق للعدو ومستوطنيه، وبات الحديث الراهن عن نوعية الأسلحة التي تستخدمها المقاومة اللبنانية –حزب الله- والعجز الإسرائيلي عن مواجهته، إذ أفردت وسائل إعلام العدو حديثاً مطولاً عن مسيّرات الحزب الانقضاضية وتأثيرها في المعركة، وتحدّثت صحيفة «معاريف» في تقرير لها عن ضرب حزب الله «الخاصرة الرخوة لإسرائيل» باستخدام الطائرات المُسيّرة، السلاح الجديد الذي ليس له حل حالياً، وذكرت الصحيفة «أنّ الطائرات من دون طيار هي سلاح كاسر للتوازن، ويُعيد الجيش الإسرائيلي إلى ذاكرته التنظيمية إلى التسعينيات، أي قبل الانسحاب من لبنان، عندما كان تهديد حزب الله يتمثل في إطلاق صواريخ مضادة للدروع باتجاه مواقع الجيش في الحزام الأمني».
وأضافت: «حزب الله كان يتصرف آنذاك بشكل منهجي، ويطلق صواريخ مضادة للدروع على مواقع الجيش في الحزام الأمني، بهدف زرع الخوف وسط الجنود، ليزرع في نفوسهم شعوراً بأنّهم لا يتمتعون بالأمان داخل المواقع، وأنهم مكشوفون في كل المنطقة، والآن كما في السابق يعود حزب الله إلى استخدام الحرب النفسية نفسها»، مؤكدة أنّ هدف الحزب في الأسابيع الأخيرة هو إيجاد شعور في مستوطنات الشمال وفي المواقع بأنّ كل من يتحرك في المنطقة مكشوف، سواء كان في مبنى أم في منطقة مفتوحة، لكن الفرق هو أنّه يستخدم هذه المرة الطائرات المسيّرة المتفجرة، التي بسببها يُعطل جيش الكيان نظام GPS كل بضعة أيام.
وكشفت صحيفة «إسرائيل هيوم» أنّ «الدفاع الجوي التابع للجيش يواجه ارتباكاً في التعامل مع طائرات حزب الله المسيّرة»، موضحة أنّ «الصعوبة التي يواجهها الجيش تكمن في اكتشاف الطائرات المسيّرة الصغيرة ذات المقطع الراداري المنخفض وكذلك في اعتراضها»، في حين أقرّت القناة الـ «12» بأنّ «الدفاع الجوي الإسرائيلي» ليست لديه القدرة 100% على مواجهة الطائرات غير المأهولة الانتحاريّة، التي تُرسَل من مدى قصير وبارتفاع منخفض.
الإيلام الذي يمارسه حزب الله في الشمال يسبب لدى الكيان «معضلة» لم تكن في الحسبان تُرجم صداها تمرّداً لدى ما يسمى «سلطات الشمال»، إذ قال موقع «والاه»: «سلطات الشمال ستعلن في يوم الاستقلال (14 أيار) عن إقامة دولة الجليل والانفصال عن إسرائيل، وهذه الخطوة ستكون مصحوبة بإجراءات إضافية يخططون لها».
«أونروا» تحذّر من نفاد مخزوناتها الغذائية في غزة بحلول غد الجمعة ومخزونات الوقود تتآكل
ناقوس الخطر
في هذه الأثناء، دقت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين «أونروا» ناقوس الخطر، إذ أعلنت أنّ حوالي 80 ألف فلسطيني نزحوا من رفح منذ السادس من الشهر الجاري، مشيرة إلى من نزحوا إلى رفح بحثاً عن الأمان، محذرة من نفاد ما لديها من حصص غذائية في غزة بحلول غدٍ الجمعة، لافتة إلى أن مخزونات الوقود لديها في القطاع تتآكل أيضاً.
ووصفت الوكالة ما تخطط له «إسرائيل» من اجتياح لرفح في أقصى جنوب غزة بأنه مأساة، قائلة: إنّ المدينة التي تسع اليوم 1.4 مليون شخص جلهم من النازحين من شمال غزة تمثل الآن كارثة تتشكل ببطء.