هل يتدحرج ميدان الشمال إلى «منازلة كبرى»؟.. الكيان الإسرائيلي أمام الجبهة «المعضلة» منزوع الردع وبلا خيارات بديلة.. واعتقالات دولية تحاصر حكومة نتنياهو
تشرين – مها سلطان:
لإدراك حجم المأزق الوجودي، الذي وصل إليه الكيان الإسرائيلي، يكفي متابعة وسائل إعلامه، فالإعلام الإسرائيلي لا يكاد يترك أياً من التفاصيل مهما كانت صغيرة إلا ويتحدث عنها بكثير من السوداوية لناحية المستقبل الكارثي، القريب جداً الذي ينتظر الكيان، صحيح أن التركيز يبدو مُنصّباً بصورة أساسية على متزعم حكومة الكيان بنيامين نتنياهو لناحية تحميله المسؤولية المباشرة عن إخفاقات الحرب على غزة إلا أن ذلك لا يلغي هذه الإخفاقات، ولن يوقف مسارها حتى لو جاءت حكومة أخرى بمتزعم جديد، فهذا لن يغير وقائع الميدان ولن يفيد في تحويل مجرى الحرب نحو ما يسميه نتنياهو «الانتصار الكامل».. هذا ونحن لم نتحدث بعد عن الداخل الإسرائيلي بمستوييه، سياسيين ومستوطنين، والذي يمور ويفور على وقع تداعيات 200 يوم كارثية ما بعد عملية «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأول الماضي.
سقوط «هيرمس»
«المعضلة» اليوم بالنسبة للكيان الإسرائيلي، هي الجبهة الشمالية/ حزب الله، ففي الكيان يقولون: إن تطورات الأسبوعين الماضيين على هذه الجبهة تؤكد أن «الردع الإسرائيلي» لم يتآكل فقط بل انتهى.. والسؤال الأخطر هنا «بالنسبة للكيان»: هل تملك المقاومة اللبنانية /حزب الله/ دفاعات جوية لاعتراض الطائرات الحربية الإسرائيلية في حال تدحرج الميدان إلى «منازلة كبرى»؟
خلال الأيام القليلة الماضية نجح حزب الله في إسقاط عدة مسيّرات إسرائيلية من الطراز المتقدم جداً الذي يستخدمه جيش الاحتلال الإسرائيلي لمهام استطلاعية واستخباراتية فوق الأجواء اللبنانية، وهو نجاح لا يخطئ الكيان في قراءته كـ«تحدّ كاسح لتفوقه»، وفي إطار ما سبق أن وعد به حزب الله من مفاجآت مقبلة ستعمّق مأزق الكيان الاستراتيجي في الشمال.
وكان الجيش الإسرائيلي أعلن يوم الإثنين الماضي أن إحدى طائراته المسيّرة تم إسقاطها بصاروخ أرض- جو لحزب الله فوق جنوب لبنان، بينما أعلن حزب الله أنه أسقط مسيّرة اسرائيلية من طراز «إل بيت هيرميس 450» فوق بلدة عيشية اللبنانية على بعد حوالي 13 كم من الحدود مع فلسطين المحتلة، ونشر مقطع فيديو يوثق العملية.. يأتي ذلك بعد أيام من هجوم لحزب الله بعشرات الصواريخ على مستوطنات في الشمال لتدوي صفارات الإنذار في الأرجاء من دون أن ينجح الجيش الإسرائيلي في اعتراض هذه الصواريخ، فاستعاض عن فشله هذا بالزعم أنه قصف موقع إطلاق الصواريخ، وقام بعدة طلعات جوية فوق جنوب لبنان.
وهذه ليست المرة الأولى التي يسقط فيها حزب الله مسيّرة من طراز «هيرميس 450»، إذ سبق أن أسقط واحدة في شهر شباط الماضي، وأخرى في نيسان الجاري من طراز «هيرميس 900» وهي أكبر وأكثر تطوراً من الأولى.. يضاف إلى ذلك الهجمات الصاروخية التي يواصل حزب الله شنها والتي تتوسع كماً ونوعاً وجغرافيا لتعمق من خطورة المأزق الاستراتيجي الذي يفشل الكيان في الخروج منه على جبهة الشمال.. وأهمها كان يوم الإثنين الماضي حيث استهدف بلدة عرب العرامشة الحدودية، ثم مستوطنة شوميرا ليلة الثلاثاء الأربعاء.
الهجوم شمالاً
ومع توقع أن تستمر المقاومة اللبنانية/حزب الله في هجماتها وتثقيلها بصورة أكبر، يواجه الكيان السؤال «المعضلة» الثاني، وهو عن تهديده دائماً بشن هجوم واسع في الجنوب اللبناني لإجبار حزب الله على الابتعاد عن الشمال إلى عمق 7 كم، لكن السؤال الآخر الذي يمثل معضلة أكبر هو: هل يستطيع الكيان تنفيذ هذا الهجوم، أو لنقل هل يتجرأ من دون أن يفكر مليون مرة بتلك المفاجآت التي وعد بها حزب الله؟ وهل يستطيع أن ينفذ هجوماً أعمى إذا جاز لنا التعبير من دون معرفة ما ينتظره؟
لن يفيد الكيان تحميل نتنياهو مسؤولية إخفاقات الحرب ولن يفيده مجيء حكومة جديدة.. هذا لن يلغي الإخفاقات ولن يوقفها ولن يغير مسار الحرب بعيداً عن حتمية الهزيمة
هذه الأسئلة مطروحة بقوة داخل الكيان، وإن كان من غير المعلوم ما إذا كانت تقف وراء امتناع الكيان في الآونة الأخيرة عن التهديد بتنفيذ ذلك الهجوم، لكن المعلوم بالمقابل أن الكيان الإسرائيلي لجأ مؤخراً إلى «قنوات اتصال مُعلنة» في سبيل نوع من التسوية، وبما يؤكد عجزه على جبهة الشمال.
هذا العجز تحدثت عنه وسائل الإعلام الإسرائيلية بصورة مفصلة، معتبرة أن المأزق الاستراتيجي الإسرائيلي على جبهة الشمال هو إنجاز هائل على مستوى الوعي لحزب الله.
ونقلت «القناة 12» عن عسكريين إسرائيليين، حاليين واحتياط، أن عمليات حزب الله طالت محيط حيفا وعكا المحتلتين ومستوطنة آفيفيم، مشيرين إلى أنه لا نهاية في الأفق وأن التسوية السياسية تبدو بعيدة في ظل إجلاء المستوطنين من الشمال.
وأقر هؤلاء بأن نيران الجيش الإسرائيلي لا تنجح في تحقيق أي إنجاز بمواجهة حزب الله، مؤكدين أن «إسرائيل» خسرت الشمال.
صحيفة «يديعوت أحرونوت» جددت عرض كارثة الإخفاق الإسرائيلي بعد 200 يوم على الحرب، مؤكدة أن الجيش الإسرائيلي لم يحقق أهدافه في أي ساحة من ساحات القتال، وأشارت إلى الانسحاب من معظم أراضي قطاع غزة في الأسابيع الأخيرة من دون تحقيق القضاء على «حماس» أو استعادة الرهائن، ومن دون أن يكون بالإمكان إعادة المستوطنين إلى الشمال.
وعلى الصعيد السياسي أكدت «يديعوت أحرونوت» استمرار الفشل في تحقيق أي اختراق في الاتصالات التي حصلت بين واشنطن وباريس من جهة والحكومة اللبنانية وحزب الله من جهة ثانية، يضاف إلى ذلك هجمات اليمنيين المستمرة في البحر الأحمر.
نتنياهو المحاصر
كل هذا ينعكس على الداخل الإسرائيلي مزيداً من التوتر والاضطرابات، حيث لا تتوقف تظاهرات المستوطنين الذين حاصروا مساء أمس وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير في مقره الحكومي، والذي رفض الخروج من دون حماية ترافقه وفق «يديعوت أحرونوت».
«الردع» انتهى شمالاً والسؤال الأخطر للكيان هو ما إذا كانت المقاومة اللبنانية تملك دفاعات جوية لاعتراض الطائرات الإسرائيلية في حال تدحرج الميدان إلى «منازلة كبرى»
فيما يواصل يائير لابيد، زعيم ما يسمى المعارضة الإسرائيلية، الهجوم على حكومة نتنياهو، مطالباً عضوي «الكابينت» بيني غانتس وغادي آيزنكوت بمغادرة هذه الحكومة، قائلاً: حكومة نتنياهو فاشلة، وليس لدى غانتس أو آيزنكوت أي تأثير في أي شيء.. «عودا إلى بيتكما ودعونا نعمل على إسقاط هذه الحكومة».
ومن المقرر أن يعقد كابينت الحرب اجتماعاً اليوم الخميس لمناقشة ما قيل إنه أفكار جديدة بشأن صفقة الرهائن، وحسب هيئة البث الإسرائيلية فإن هذه المناقشة داخلية ولا تعني تقديم مقترح جديد للوسطاء أو المفاوضين.
على الأرجح سيبقى ملفا التهدئة ورفح مجمدين بانتظار التطورات الميدانية خصوصاً جبهة الشمال التي ستسيطر على كامل التركيز والتحشيد الإسرائيلي في المرحلة المقبلة
اعتقالات دولية
وكان مجلس الأمن القومي الإسرائيلي قد عقد اجتماعاً سرياً أمس الأربعاء لتخوفه من صدور مذكرات اعتقال دولية بحق نتنياهو ووزير الحرب يوآف غالانت ورئيس أركان الحرب هرتسي هاليفي.
وقالت «القناة 13» الإسرائيلية: إن المجلس بحث احتمال إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق الثلاثة، وما يمكن اتخاذه من خطوات مضادة لهذا الأمر وكيفية الاستعداد له، وأشارت إلى أن نتنياهو سيجري اتصالات مع «نظرائه» في النمسا وهولندا والتشيك مع محاولة لتدخل الإدارة الأميركية في هذا الأمر.
يتزامن ذلك مع استمرار القصف الإسرائيلي على عدة مناطق في قطاع غزة بينها شارع صلاح الدين وخان يونس ورفح، ما أدى إلى سقوط مزيد من الشهداء الفلسطينيين وبما يرفع أعدادهم إلى حوالي 35 ألفاً منذ 7 تشرين الأول الماضي، إلى جانب عشرات آلاف الجرحى، ومئات آلاف النازحين والمفقودين.
بينما صرح مسؤول عسكري إسرائيلي لصحيفة «يديعوت أحرونوت» بأن «الاستعدادات الإسرائيلية للهجوم على رفح قد اكتملت» بانتظار موافقة المستوى السياسي، أي موافقة نتنياهو.
رفح والهجوم المتعذر
وعملياً، تستمر هذه التصريحات بخصوص رفح من دون أن يكون بالإمكان توقع موعد الهجوم أو حجمه، في ظل استمرار التحذيرات الإقليمية والدولية للكيان الإسرائيلي من المضي به قدماً، حيث يزعم الكيان بأن رفح هي المعقل الأخير لـ«حماس»، وأن الحرب لن تنتهي من دون الهجوم على رفح، فيما يرى مراقبون أن استمرار هذه التصريحات هدف ممارسة أكبر ضغط ممكن على فصائل المقاومة الفلسطينية للرضوخ والقبول بتسوية وفق الشروط الإسرائيلية. وفيما يتعلق بالهجوم فالأرجح أنه لن يتم وفق المراقبين الذين يشيرون إلى أن التطورات المقبلة ستحول دون تنفيذ الهجوم إذا ما أخذنا في الاعتبار تطورات جبهة الشمال التي ستسيطر على كامل التركيز والتحشيد الإسرائيلي في المرحلة المقبلة.. أما مفاوضات التهدئة وتبادل الرهائن والأسرى فستبقى تراوح مكانها وربما تغيب تماماً عن المشهد ربطاً بتطورات جبهة الشمال.