200 يوم من العدوان.. الكيان الإسرائيلي يعوض إخفاقاته بمزيد من المجازر.. ونتنياهو مقبل على طوفان استقالات.. جبهات المقاومة توسع قواعد اشتباك نحو ردع أكبر
تشرين – هبا علي أحمد:
بعد مئتي يوم من العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول الماضي، لا يملك كيان الاحتلال الصهيوني والداعمون له – من الولايات المتحدة الأمريكية إلى القوى الغربية – سوى الاستمرار في استراتيجية الهروب إلى الأمام، ولاسيما بعد الإخفاق التام في تحقيق أي إنجازات في الميدان، بل على العكس تعمّقت المآزق وتوسّعت المعضلات، فالمقاومة الفلسطينية صامدة في الميدان والسياسة، والجبهات الداعمة والمساندة غيرت من خريطة المعادلات وكرّست قواعد جديدة للاشتباك مع العدو في سورية ولبنان والعراق واليمن وإيران، بينما العدو الذي لا يفقه إلّا لغة الدمار مستمر في إبادته الجماعية والمجازر والتطهير العرقي واغتيال كل مقوّمات الحياة لأبناء قطاع غزة الصامدين والمرابطين خلف قوى المقاومة، مع اتساع رقعة العزلة للكيان والرفض العالمي الشعبي لممارساته ولكل من يدعمه، ولاسيما في عقر واشنطن وبريطانيا قلعتي الدعم والمساندة للكيان.
إخفاق واشنطن في إنقاذ الكيان دفعها إلى تحميل المسؤولية لقوى المقاومة لتأليب الرأي العام ضدها، ولاسيما الفلسطيني الذي يئن تحت وطأة الإبادة الجماعية
– الهروب من الوقائع
أفرز العدوان الصهيوني على غزة واقعاً جديداً دفع جميع من يدعم الكيان إلى البحث عن تسويغات ومزاعم لإطالة أمد العدوان بتحميل المسؤولية للمقاومة، ولاسيما في سياق جمود المفاوضات، فرغم كل محاولات واشنطن لإنقاذ الكيان سواء بالدفع بالمفاوضات أو تسويف معركة رفح والمساعدة في «التصدي» للرد الإيراني، إلّا أنها محاولات باءت بالفشل، ولم يبقَ أمام الولايات المتحدة إلّا تحميل المسؤولية لقوى المقاومة لتأليب الرأي العام ضدها، ولاسيما الفلسطيني الذي يئن تحت وطأة المجازر اليومية والإبادة الجماعية، إذ حمّل وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن حركة «حماس» مسؤولية تعطيل الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، مدّعيّاَ أنّ «حماس غيّرت مطالبها في مفاوضات التوصل إلى صفقة لإعادة الأسرى ووقف إطلاق النار» في محاولة واضحة للتنصل من أي مسؤولية وإنقاذ الكيان أيضاً أمام الرأي العام العالمي، إلّا أن الحركة كانت واضحة في ردّها، إذ أشارت إلى أن تصريحات بلينكن لا تمتّ للواقع بصلة، وهي تتناقض مع حقيقة تعاطي الحركة بمرونة أكثر من مرة، في مقابل تعنّت ومماطلة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو وحكومته، ووضعهم العراقيل والعقبات أمام الاتفاق إذ يسعون لإطالة أمد الحرب، مؤكدة أنّ مطالب الحركة والمقاومة واضحة منذ اليوم الأول، وهي نفسها التي قدّمتها خلال آذار الماضي، ولاقت ترحيباً من كل الوسطاء، لافتة إلى أن مطالب الحركة هي ضرورة وقف إطلاق النار بشكل دائم، وانسحاب قوات الاحتلال، وعودة النازحين، وتكثيف الإغاثة، والبدء بالإعمار.
-حديث الاستقالات
وبعد مئتي يوم تفرد وسائل إعلام العدو مساحة واسعة للاستقالات التي تشهدها المؤسسات الأمنية والعسكرية في كيان الاحتلال على خلفية عملية «طوفان الأقصى» التي دفعت من يُقدِم على الاستقالة بالإقرار بالفشل، وبالتالي فإن حرب غزة كشفت هشاشة كبيرة في تلك المؤسسات، إذ تناول إعلام العدو قضية استقالة رئيس شعبة «الاستخبارات العسكرية- أمان» أهارون هاليفا، على خلفية فشله في كشف عملية «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأول 2023، وقالت: إنّ الشرخ الداخلي الذي بدأ يتّسع مع وصول المعركة في قطاع غزّة إلى ما بات جمع كبير من محللي الاحتلال وقادته الأمنيين والسياسيين يرون أنّه طريق مسدود لتحقيق أي نصرٍ أو إنجاز إسرائيلي، مع توقعٍ بموجة كبيرة من الاستقالات في صفوف القيادة السياسية والأمنية خلال الفترة المقبلة.
وأشار محللون في إعلام العدو إلى أنّ هذه الاستقالات تحشر نتنياهو في الزاوية، لأنّه الوحيد الذي يرفض حتى الآن تحمّل أي مسؤولية عن الهزيمة، مضيفين: ما سيحدث من الآن فصاعداً هو أنّ آلته الدعائية «نتنياهو» ستجد أهدافاً جديدة، بدل هاليفا، من أجل تحويل النيران إليها والمطالبة باستخلاص استنتاجات، لافتين إلى أنّ الهدوء النسبي في القتال، إلى جانب شعور الجمهور المسوغ بأنّ الحرب في كل الجبهات قد أوقعت «إسرائيل» في جمودٍ وتعقيد استراتيجي، يجددا النقاش حول مسألة المسؤولية وأهميتها.
وتأتي استقالة هاليفا، بعد أن كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أمس أنّ قائد القيادة المركزية في جيش الاحتلال، يهودا فوكس، أبلغ رئيس الأركان، هرتسي هاليفي، أنّه سيتقاعد بحلول شهر آب المقبل.
المقاومة الفلسطينية صامدة في الميدان والسياسة.. والجبهات الداعمة لها غيّرت من خريطة المعادلات وكرّست قواعد جديدة للاشتباك مع العدو
ورجحت وسائل الإعلام أن يكون بين القيادات المتوقع أن تقدم استقالتها بعد هاليفا، رئيس الأركان هرتسي هاليفي، ونائبه أمير برعام، إلى جانب قائد فرقة غزة أفي روزينفلد، وقائد المنطقة الجنوبية يارون فينكلمان، رغم أنه كان في منصبه لمدة شهرين فقط قبل 7 تشرين الأول الماضي، كما رجحت أن يقدم سلفه أليعزر طوليدانو استقالته أيضاً، وكذلك بالنسبة لقائد شعبة العمليات شلومي بيندر، الذي يتوقع أن يقدم استقالته بسبب الانتقادات التي وجهت له بخصوص نقل كتائب من قيادة فرقة غزة إلى الضفة الغربية عشية طوفان الأقصى.
– جرائم الاحتلال والرد بالمقاومة
في خضم ذلك، تواصل المقاومة الفلسطينية التصدي لقوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، ضمن ملحمة طوفان الأقصى، منذ نحو 200 يوم، إذ خاضت المقاومة اشتباكات ضارية مع قوات الاحتلال في مدينة بيت حانون شمال قطاع غزة، وتمكنوا من قنص جندي إسرائيلي، مع استهداف جرافةً عسكريةً إسرائيليةً من نوع «D9»، بقذيفة «الياسين 105»، فيما دكّوا تجمعاً لقوات الاحتلال المتوغلة، بقذائف الهاون، مع استهداف مستوطنتي «سديروت» و«نيرعام» والمستوطنات على أطراف قطاع غزة برشقات صاروخية، رداً على جرائم العدو الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني .
الاستقالات تحشر بنيامين نتنياهو في الزاوية لأنّه الوحيد الذي يرفض تحمّل أي مسؤولية عن الهزيمة
إلى ذلك، شن جيش الاحتلال غارات على القطاع تزامناً مع عمليات تجريف إسرائيلية في المنطقة، وتهجير النازحين من المدارس؛ من بينها: مدرستا تل الربيع وتل الزعتر.
وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية أن الاحتلال الإسرائيلي ارتكب 3 مجازر في قطاع غزة وصل من ضحاياها إلى المستشفيات 32 شهيداً و59 جريحاً، لافتة إلى أن عدد ضحايا العدوان المتواصل لليوم الـ200 على القطاع ارتفع إلى 34183 شهيداً و77143 جريحاً، بينما لا يزال عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.
في الأثناء، دعت الأمم المتحدة إلى إجراء تحقيق موثوق وكامل ومستقل بشأن اكتشاف مقبرة جماعية ارتكبتها قوات الكيان الإسرائيلي قبل انسحابها من مجمع ناصر الطبي في خان يونس جنوب قطاع غزة المنكوب.
ووصف المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، في مؤتمر صحفي، التقارير عن اكتشاف مقبرة جماعية في قطاع غزة بأنها مثيرة للقلق جداً، داعياً إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة وتمكين العاملين في المجال الإنساني من الوصول إلى غزة بشكل أكبر وحماية المستشفيات.
وكان الدفاع المدني الفلسطيني أعلن في بيان ارتفاع حصيلة الجثث المكتشفة إلى 283 في مقبرة جماعية اكتشفت السبت الماضي في مجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس جنوب القطاع، عقب انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي منه.