إِحمْاء الدُّفوف السياسوية والفِ«ق»رانية في زمن سيبراني قلق

تشرين- إدريس هاني:

كلّنا في زمننا السيبراني نملك التوسل بتقنية فائقة، لكن الضمائر مختلفة في اختياراتها وذِمّتها، فالجريمة السيبرانية مكّنت لرهط غفير، أن يقفزوا على كل الشروط التاريخية الكلاسيكية، إنها مكنتهم من القفز على كل الاعتبارات، والاستدراك على التاريخ الطبيعي بتاريخ افتراضي، إنّ اللحظة السيبرانية شوشت كثيراً على التّاريخ، وفي منعطفها لم تحصل ولادة عسيرة، بل تفقيس فوضوي لأكوام من البيض، فالمزيّفون لا يولدون، وإنما ينبعثون من البيض كبنات البقّ، البيئة الموبوءة ساهمت في تسميم البيئة الثقافية، ولكنها أنعشت جيلاً جديداً من البكتيريا.
هناك تنظيمات وحركات، لن أصفها بسراق الله فقط، لأنّها في تمثُّلاتها الشعبوية وخوارق دجلها، جاوزت المدى، وهي اليوم تسرق الزّمن، وتتحايل على فوارق الأجيال، تتحدّث عن تاريخها بمفاهيم توصلت إليها اليوم فقط من داخل السوق السوداء للبوليميك السياسي، تقييم الماضي بأثر رجعي، ماضٍ كانت فيه قاصرة وتكفيرية، وحين تصبح منظرة للمستقبل والمآلات، فهذا منتهى الافتئات، آلتها في ذلك خطاب حَلْقَوٍي لا ينتمي إلى أي إطار معرفي، شعبوية متدفقّة، لكنها مقبولة، لأنّ العبث بالمفاهيم المتبخّرة حتى لا أقول السائلة، أتاحت هذا النوع من الاستهلاك الشعبوي للمفاهيم المستنفذة.
إنّ خداع الرأي العام في لعبة الاستهجان، هو ما تبقى في رصيد الجماعات من أساليب احتواء الساحات، فالقرافة المعرفية من هذا الخطاب البالي، الرّث، وهذا الترقيع المُحَرْفش، والسخرية البليدة لإخفاء وتمييع الموقف، شكل جديد من القِوادة الأيديولوجية.
بالنسبة لسراق الله، لا زالوا عاجزين عن التخلص من الشعبوية، من الحقد اللعين، من الاستهتار بالمعرفة، من الجشع، من استعمال المحصول الزراعي التّعلمّي في حركة استنزال بليدة، تنزيل أكروباتي للمفاهيم، تمرّس غبي على المفهمة، تحويل العَلَف الديماغوجي إلى خطاب يغري من يجهل تاريخ الأفكار ومنعطفاتها, لا زالوا عاجزين عن التخلص من الحقد، من قبح السريرة، من الكراهية، يتشعبطون في المفاهيم كالذباب في أشرعة المراكب المكسورة، يخاطبون جمهورهم الساذج ويحسبون أنّهم مقنعون لنا أيضاً، تأمّل أن بعضهم من خلال حلقة دعوية يخاطب العالم، أهو الغباء أم «النّوعرة»؟ الأمر تجاوز القفشات بمعناها البريء إلى «التبوهيل» والاستحمار.
يقابلهم سراق الشيطان، من يسرقون حيل الشيطان قبل اكتمالها، سراق الله وسراق الشيطان، في معمعة الصراع متكاملان، وحينما يختلف السُّرّاق، يظهر المسروق.
قُلت: لِمَ الامتعاض، وقد استطال وضع التّفاهة، فما العمل؟
إنّ اللحظة التّاريخية هي منعطف، يقتضي صعود الحقارة، هي عنوان مرحلة انتقالية، يكون الجسد قد أصيب بالوهن، فتضعف المناعة، وتكثر البكتيريا الضارة، وتعبث التّفاهة، إنها مؤشر على حالة انتقالية، فالميكروبات لا تصمد مع عودة المناعة، وهي تتساقط بالملايين وأكثر، لأنها طفيلية زمن الانتقال الصعب.
همّ سراق الله وسراق الشيطان، الهيمنة على البشر، ينتجون السحت على مستوى الفهم: الفهم الديني لدى «ترِّيكة» التطرفات، والفهم الحداثي لدى محترفي إحماء الدفوف، لا تاريخ لهذا الوجع سوى أنّها طفيليات المنعطف التاريخي ومؤشّر على الانتقال.
إنّ المتطرفين من سراق الله وسراق الشيطان، كلهم يشتركون في خاصية ادعاء الاعتدال، وهنا أحب أن أقول لمن لم يجعلوا العدل من أصول الكلام، كيف يجعلونه عنوان السياسات؟ كيف يقوم اعتدال من دون عدل، كيف يتزهّد سراق الله في السلطة بعد أن أسقطهم النّاخب؟ كيف يستعيدون خطاب الزهد بعد أن انتفخت أرصدتهم وانتقلوا في زمن إسلام السوق كما عنون الصديق باتريك هايني، إلى «بُوَيرِنات» مالية، وذاقوا من عُسيلة الصفقات؟
يمكن لسراق الله وسراق الشيطان أن يستغفلوا من لا عهد لهم بتاريخ الأفكار، الأصيل منها والمقصوف الرّقبة، ولكنهم لن يستغفلوا من أدرك مشوارهم الفاوستي.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار