مهنة المتاعب؟
تشتعل أصابعك وتحترق أعصابك عندما تعمل في الصحافة، ولاسيما اليومية!.. فما أن تنجز ملفاً أو مقالة قد تستغرق كتابتها أياماً تمتد وتقصر حسب الحالة المزاجية وسرعة الحصول على المعلومة حتى تنشر، وتجد نفسك في اليوم التالي تحملق من خلف نظارتك في كل شيء حولك، بحثاً عن فكرة متميزة وموضوع مهم يستحق النشر ويجد صدى في نفوس القراء ويعبر عن شيء ما في صدورهم؟!
الصحافة محدودة، عمرها يوم واحد ثم ينتهي كل شيء بسرعة، فإن كنت موفقاً وجدت من ذكرك أو تابعك أو شاركك الرأي والعواطف، وإن لم تكن كلماتك تساوي الحيز المنشور أو المطبوع بها، فبئساً وضياعاً للفكر والجهد والوقت!!!
وكم من صفحات وكتابات كشفت وعرت وأرغدت وأزبدت بجرأة وموثوقية ومهنية عالية مدروسة بعناية تحاكي القارئ في شتى المجالات الاجتماعية والثقافية والسياسية والرياضية والإبداعية وغيرها، لكنها سرعان ما تذهب مع رياح الوقت تاركة أثراً صغيراً لا يقارن مع الأثر الذي يتركه الكاتب من جراء تأليف كتاب أو مطبوعة ؟!
يتألق الكتاب في سماء الإبداع وتجده يتصدر المعارض والمكتبات، ويتربع بأناقة في المجالس والمنتديات الأدبية والثقافية وحتى السياسية، ويبقى اسم المؤلف كجوهرة ثمينة تشهد على حالة الإبداع والفكر ويتم تدارسها من جيل لآخر ويطول عمرها بطول بقاء الورق والحبر، وقد يفنى الكاتب ويبقى مؤلفه حاضراً وشاهداً على ما أنجز؟!
لكن البريق وحده قد لا يكفي!.. فثلة من المؤلفين ودور النشر تجدها تلهث لنشر عناوينها وقصصها وبعض من مؤلفاتها في الصحف تلك الوجبة اليومية الشهية التي ترسم الطريق إلى وجبات الكتب المشتهاة.. وهذا العرض أغرى الكثير من دور النشر والهيئات الثقافية بطرح فكرة نشر كتاب في الجريدة، وكانت صحيفتنا تشرين بكوادرها ممن ساهموا في نجاح هذه الفكرة.
ما بين الجريدة وبين الكتاب.. تجد الصحفي مشغولاً وراء أحداث كثيرة ويومية وآنية سرعان ما تتبخر كفقاقيع ملونة، وتسأل: أين يذهب هذا الجهد الكبير.. كل يوم أحداث جديدة وأخبار سريعة؟! ولاشك في أن الأوراق التي يكتبها الصحفي خلال سنوات عمله الطويلة تساوي وتعادل وقد تزيد على عشرات المؤلفات, لكنها وقائع يحرقها الزمن وعمرها القصير، ومن هنا نتفهم تجارب بعض الزملاء في تجميع مقالاتهم في كتاب مطبوع لمن استطاع إلى ذلك سبيلا!.