قطبة مخفية في الاقتصاد السوري..”أم الصناعات” أمام أزمة بنيوية غير محسوبة
تشرين – بارعة جمعة:
سلسلة إنتاج كاملة تبدأ من مادة القطن الخام وحتى المنتج النهائي، اشتهرت بها سورية منذ القدم، لكونها تقوم على المنسوجات الحريرية التي كانت ولاتزال تميزها، ومنذ القرن الماضي أخذت زراعة القطن في سورية بالنمو والانتشار، كما بدأت صناعة الغزل والنسيج القطني التي تعتمد على القطن المحلي بالتوسع والازدهار والانتقال من الصناعة اليدوية إلى الصناعة الآلية الحديثة، حيث شهدت صناعة الغزل والنسيج في سورية خلال فترة الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي ازدهاراً كبيراً، لكن ما الذي حصل !! وما هي أسباب تدهور زراعة القطن وصناعة النسيج؟؟
بالأرقام.. خُبراء يقدمون اقتراحاتهم لمُعالجة الخلل ودعم الإنتاج
أسئلة مشروعة قدمها خبراء بالشأن الصناعي والزراعي، فتحت باب النقاش حول إمكانية عودة الإنتاج لما كان عليه قبل سنوات؟ وعن السبل الكفيلة بتأمين كسوة المواطن من صناعته المحلية!!
الذهب الأبيض يندثر
تحت هذا العنوان يتساءل الصناعي عاطف طيفور عن أسباب التراجع، مؤكداً أنه لن ينهض الاقتصاد السوري وسعر الصرف ونسبة التضخم، ولن يكسى المواطن دون عودة القطاع النسيجي للحياة، كما سيبقى الاقتصاد السوري بحلقة مفرغة، والمواطن بأزمة مالية، كما سيبقى الإعلام والمحللون بدائرة التخبط، حيث إن الأغلبية منهم لا يعلمون ماهي القطبة المخفية للاقتصاد السوري.. وما هي أسرار نهوض ونمو الاقتصاد السوري المُتسارع قبل الأزمة، والخطة السحرية لدعم وتنمية وتحديث القطاع النسيجي التي انطلقت عام 2003 على حد تعبيره.
لمن لا يعلم .. يُساهم القطاع النسيجي بنسبة 27% من صافي الناتج الصناعي غير النفطي وبحوالي 45% من الصادرات غير النفطية، كما يعمل فيه حوالي 30% من إجمالي العاملين في الصناعة، وحوالي 20٪ من المواطنين السوريين، وهناك حوالي 24000 منشأة مختلفة الحجم، مُسجلة رسمياً تعمل في الصناعات النسيجية عدا المنشآت غير النظامية.. إحصائياتٌ قدمها الصناعي طيفور تؤكد قدرة هذا القطاع على رفد الخزينة بالكثير من القطع الأجنبي، حيث إن قيمة الإنتاج منها تبلغ بتكلفة عوامل الإنتاج من 833 مليون دولار في عام 1995 إلى نحو 2195 مليون دولار في عام 2007.. إلا أن قيمة الصادرات الفعلية تجاوزت 3.5 مليارات دولار ..
الذهب الأبيض يندثر.. سلسلة إنتاج كاملة تبدأ من مادة القطن الخام وحتى المنتج النهائي اشتهرت بها سورية منذ القدم
ازدادت بنسبة كبيرة بعد مساهمة القطاع الخاص في هذا الإنتاج من نحو 72% في عام 1995 إلى 81% في عام 2007، حسب تأكيدات طيفور لـ “تشرين” بسبب إقامة العديد من المشاريع النسيجية الخاصة التي تلت إصدار قانون تشجيع الاستثمار رقم 10 لعام 1991 وتعديلاته.. وكما هو في الإنتاج، فإن حصة القطاع الخاص في الناتج قد ارتفعت بدورها من 70% في عام 1995 إلى نحو 83% في عام 2007 .. وارتفاع نسبة مساهمة القطاع الخاص في الناتج عما هي عليه في الإنتاج، تشير إلى أن المنشآت الخاصة تعمل بكفاءة أكبر من القطاع العام، الذي يتحمل عبئاً اجتماعياً نتيجة التشغيل الاجتماعي، ما يزيد من تكاليف إنتاجه إضافة إلى ما يعانيه من مشاكل أخرى في بيئة عمله.
توفير المادة الأولية
المادة الأولية تي تعتمد عليها ولن تقوم لها قائمة بدونها، هي زراعة القطن المحرك الأساس لصناعة النسيج، وقد تراوحت المساحة التي زرع فيها القطن في سورية خلال الفترة 1995 -2007 بين 200-238 ألف هكتار من الأراضي المروية، يساهم القطاع التعاوني الزراعي بحوالي 42% من إنتاج القطن سنوياً في حين يساهم القطاع الخاص بالنسبة الباقية، أما تحديد أسعار الشراء فهي مهمة الحكومة، ومحصورة بالقطاع العام من خلال المؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان..
طيفور: لن ينهض الاقتصاد السوري دون عودة القطاع النسيجي للحياة
إلا أنه وفي الوقت ذاته، توجد في سورية جهات علمية وفنية مختصة بشؤون القطن ( مثل الهيئة العامة للبحوث الزراعية والمؤسسة العامة لإكثار البذار)، تهتم بإنتاج القطن والوصول إلى أصناف محلية عالية الإنتاجية، مبكرة النضج، متحملة للحرارة، ومقاومة لمرض الذبول “الفيرتسيلومي”، والسيطرة على آفات القطن بطرق آمنة وكلف محدودة، من خلال برنامج متقدم للمكافحة المتكاملة، كما تطور إنتاج سورية من القطن المحبوب بشكل ملموس خلال الفترة 1995 – 2005 حيث ارتفع من 600 ألف طن في عام 1995 إلى 1082 ألف طن في عام 2000 وهو أعلى رقم وصل إليه، لينخفض إلى 1022 ألف طن في عام 2005 ثم ليتابع انخفاضه إلى 686 ألف طن في عام 2006 وإلى 618 في عام 2007 بسبب مواسم الجفاف التي مرت بها سورية، كما تراوح إنتاج القطن المحلوج في سورية بين 209 آلاف طن في عام 2007.. والسؤال اليوم برأي طيفور: من يُعيد هذا الانتاج الزراعي؟ ومن يعيد هذه المحالج للعمل؟ ومن يعيد المصانع للإنتاج؟ ومن يعيد هذه المبالغ للخزينة؟؟..
طيفور: يُساهم القطاع النسيجي بنسبة 27% من صافي الناتج الصناعي غير النفطي وبحوالي 45% من الصادرات غير النفطية.. كما يعمل فيه حوالي 30% من إجمالي العاملين في الصناعة.. وحوالي 20٪ من المواطنين السوريين
نعم هو واجب وطني على الجميع برأي الصناعي طيفور، ومن يظن أن هذا القطاع غير مجدٍ اقتصادياً، بسبب ما يُشاع حول هدر المياه، فعليه مراجعة الأرقام والعودة بالذاكرة إلى الوراء لعام 2007.. ومن يُطالب بتنسيق الشركات المدمرة وشبه المدمرة وتغيير الصفة الإنتاجية، فهو مُساهم بدمار الاقتصاد.. ومن يُطالب بدعم مستوردات القطاع النسيجي، فهو مُدمر للوطن بكل معنى الكلمة..
غير كافية
حالةٌ من التكامل يعيشها قطاع النسيج، تحمل القطاع الزراعي مسؤوليات عدة في توفير مستلزمات العمل للفلاح، المُقدم رغم قلة الإمكانيات على زراعة القطن، بصفته محصولاً استراتيجياً ومهماً جداً، إلا أنه وفي الغالب يحصد خسارته على التوالي، لعدم توازن الكميات المزروعة مع المواد المقدمة لها، حالةٌ متكررة يؤكدها الخبير التنموي أكرم عفيف في حديثه مع “تشرين”، آخذاً من قرية “حورات عمورين” مثالاً، والتي وفق تأكيداته تم تخصيص خطة القطن للجمعية فيها ب١٥٠ دونماً أي حصة القطاع الخاص دونم واحد، وهي التي تمتلك اكتر من ٦٥٠٠ دونم، حيث تم تأمين البذور لكنها لم تُسعر، عدا عن كون الكميات غير كافية لزراعة القطن وسياسة التسعير لا تتناسب مع القطن، حتى المحروقات لا يوجد أي دعم فيها ولا تتناسب مع الواقع، الأمر الذي يُنذر بانتهاء زراعته.
طيفور: من يُعيد هذا الإنتاج الزراعي؟ ومن يعيد هذه المحالج للعمل؟ ومن يعيد المصانع للإنتاج؟ ومن يعيد هذه المبالغ للخزينة؟
هي سياسة غير داعمة لقطاع الإنتاح الزراعي، بشقيه النباتي والحيواني، وفق الخبير أكرم عفيف، من خلال رفع التكاليف، متسائلاً: هل من المنطقي تسعير نصف ليتر مبيد حشري بـ ٧٥٠ ألف ليرة؟.. نعم سياسة التسعير وتمويل القطاع الزراعي غير مُشجعة، داعياً بالوقت ذاته للعمل على عودة الإنتاج كالسابق، فهو أمر ممكن وبسهولة، كما أن الحصار بالنسبة للتنمويين هو فرصة لتشجيع الإنتاج المحلي لا العكس.
عفيف: يجب أن يشكل الحصار بالنسبة للتنمويين فرصة لتشجيع الإنتاج المحلي لا العكس
المشكلة اليوم تكمن في العناوين المطروحة حسب رؤية عفيف، سياسة إبدال المستوردات يجب أن تشجع الإنتاج بينما تسعير المنتج عكس ذلك لا يناسب المحاصيل الإستراتيجية، بما فيها القطن، فيما الحل هو بتخفيض تكاليف الإنتاج الزراعي (أسمدة وغيرها)، حيث إن تكلفة دونم صيفي ٣ ملايين ليرة سورية، ورفع كتلة الإنتاج الزراعي للمُنتجين، وهو أمر تم العمل به سابقاً عبر دعم سعر المنتج المحلي، وهو ما جعل لدينا اكتفاءً وفائضاً كبيراً بالمنتجات، كما أنه ترجمة حقيقية لسياسة إحلال المستوردات، أما اليوم فتشجيع المستورد على حساب المنتج هو خطأ كبير وبات واضحاً للجميع.
عفيف: تخصيص خطة القطن لجمعية قرية حورات عمورين التي تمتلك أكتر من ٦٥٠٠ دونم فيها بـ ١٥٠ دونماً فقط يعني أن حصة القطاع الخاص دونم واحد فقط وهي غير مشجعة
ضمن الإمكانيات والموازنات
أمام كل ما تم ذكره آنفاً.. يعود الصناعي عاطف طيفور للتأكيد مُجدداً عبر حديثه مع “تشرين” بأن الحلول موجودة، وضمن الموارد والإمكانيات المُتاحة أيضاً، مُطالباً برفع سعر التسويق للفلاح ضمن حدود السعر العالمي، بالإضافة إلى حوافز لمكافحة السوق السوداء وتهريب المحصول وضمان تسليم كامل المنتج وتوسعة رقعة الزراعة للقطن، والعمل على إعادة هيكلة اللجان الفنية المسؤولة عن مردود الإنتاج للهكتار والعمل بشكل فوري على إعادة المردود الى ٤،٥ أطنان للهكتار بعد أن انخفض إلى ٢،٥ طن للهكتار، لضمان مضاعفة الإنتاج ضمن الموازنات والمخصصات الموزعة وتفادي هدر المال العام والموارد ومستلزمات الإنتاج، إلى جانب توسعة الزراعة بالمناطق المروية الحديثة والتوسعة بالساحل ضمن المناطق القابلة لتحلية المياه، واعتماد القطن مادة أولية للاقتصاد السوري كما كانت قبل الأزمة، وتغيير العقلية التقليدية الحالية التي تكتفي باعتماد الخطة الزراعية للاكتفاء الذاتي للقطاع العام القائم فقط، وتتجاهل ٢٠٪ من قوة العمل التي تعمل بهذه القيمة المضافة وتتجاهل الصناعات الخاصة التي تحتاج لهذه المخصصات وتشكل ٤٠٪ من الاقتصاد، وتتجاهل جذب الاستثمارات الخارجية وعودة رؤوس الأموال والمصانع المدمرة لهذا القطاع.