وماذا عن “التّجربةِ السّوريةِ” ؟
غالباً ما تتزاحمُ الأجنداتُ والرؤى و”الأمنيات” – الخارجيةُ بخصوصِ اتجاهاتِ بوصلةِ استعادةِ التموضع في البلدان الخارجة من الحروب والأزمات، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بدولة كسورية، تحظى بما يؤهلها دوماً لتكونَ في ناصية الأدمغةِ النفعيةِ ومحطّ أنظار كل قارئ لخلفيات المشهد الإقليمي.
ولعل الجغرافيا ليست المثقّل الوحيد لاستقطابِ ذروة التفاضل على لوائح الاهتمام الدولي، لأنها – الجغرافيا – مفهومٌ وإسقاطاتٌ لايمكن أن يكون مجرداً على الإطلاق بما أن “ملحقاته” تتوزع في مساراتٍ وتشعباتٍ لامحدودة.
الخلاصاتُ التي يرنو إليها الجميعُ اقتصاديةٌ في جوهرها، وإن بدت سياسيةً في واجهاتها بما أن السياسة في خدمة الاقتصاد والثاني يقود الأولى لا العكس، وهنا تمسي المصالحُ هي الحاكمةُ والمستحكمةُ ومحور بوصلة الحراك بمجمله.
في لعبة المصالحِ تتعدد التيارات والخيارات.. وتتضاربُ وتتنازع، لكن بالتأكيد المصلحة السورية هي الرائز الذي يجب أن يكون راجحاً.. فإن جرى الحديث عن مقومات وخصوصيات استراتيجية فيجب أن تكون سورية أولاً، ومثلها خيار الإصلاح الاقتصادي وفلسفته يجب أن تكون سورية بلا أي هوية أخرى.
هذا يعني أنه علينا الإقلاع عن استعارة السيناريوهات والتجارب من الخارج بمسميات وجنسيات أضاعت رشد من يتابع، فلماذا لانرسّخ نموذجاً جديداً في معاودة النهوض في هذا العالم اسمه النموذج السوري أو “التجربة السورية”.
بالفعل سقطت الكثير من التجارب الكبرى الشهيرة في بناء الاقتصادات وإدارتها على مستوى العالم، أمام تجارب ناشئة فرضت نفسها بصمت انطلاقاً من خصوصيات البلدان التي جرّبت، ولعلّ رواندا ليست النموذج الوحيد الذي يستحق المتابعة والدراسة.
أمام إلحاح “الاستحقاق السوري”لانظن أنه من الحكمة الاستمرار بالجدل حول هوية الاقتصاد السوري وجنسه وطعمه ولونه، خصوصاً وأن “الاقتصادات الهجينة” باتت خياراً براغماتياً عالمياً بعيداً عن الاصطفافات ومفهوم المعسكرات القديمة.
نظنُّ أن خيارنا قد حُسمَ في أروقةٍ راقيةٍ ويجب أن نوقف الجدل في اتجاهات -كأنها مقصودة لذاتها – وأحياناً لمجرد الاستعراض والظهور وتسجيل الحضور.
في الاقتصاد لم يعد ثمة محرّمات مستندة على إيديولوجيات قديمة متكلّسة، بل ثمة ميكانيك مرن هو المطلوب يرتكز على “تكنيك” واسع الأفق وحرّ وسلس تقتضيه الحاجة والأولويات التي تقدم نفسها وليست بحاجة لأن يبحث عنها أحد.
“التجربة السورية” هي النموذجُ الجديدُ الذي علينا ترسيخهُ وبلورته وفق خارطة طريق استحقاقات سورية خالصة.. وليكفَّ هواةُ الجدلِ عن إشغال الجميع بسِيَرٍ لاتصلحُ إلا لملء أوقات الفراغ.