الاقتصاد السوري بين الدعم والهويّة
التقى السيد الرئيس بشار الأسد مع متخصصين اقتصادييّن في أكثر من مناسبة، وآخرها اللقاء مع مجموعة من أساتذة الاقتصاد البعثيين من مختلف الجامعات الحكومية بتاريخ 31/3/2024، وتم بحث التحديات التي يواجهها الاقتصاد السوري سواء على المستويين الاقتصاد الكلي والجزئي، وأشار سيادته إلى ضرورة تعميق النقاش بين مختلف الشرائح والقطاعات والمؤسسات والإعلام بهدف خلق رؤية واقعية تنجم عنها سياسات صحيحة، وتم تحديد أهم الأولويات الحالية بعد أكثر من /13/ سنة من الحرب والإرهاب الاقتصادي من عقوبات وحصار مخالفين للشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة، وانسجاماً مع هذا يتطلب منا جميعاً المساهمة في وضع الرؤى حول القضايا المطروحة، مهما اختلفت الآراء وخاصة حول هوية الاقتصاد السوري وأي اشتراكية نريد، والدعم ودور القطاع العام -الحكومي، والخاص والتشاركية بينهما، ودور الحزب والحكومة في رسم السياسات الاقتصادية الناجعة…إلخ، كما فعلت الكثير من دول العالم بعد الحرب مثل (ألمانيا واليابان وروسيا)، وغيرها ولكل منها تجربتها ونتائجها الخاصة، وهنا صعوبة الموضوع، لكن من خلال تفاعل الآراء يمكن أن نصل إلى الأفضل، وهذا يتطلب الانطلاق من جوهر الظاهرة وليس من توصيفها، حيث إن الدعم هو خلل في المنظومة السعرية للسلع والخدمات المطلوبة بين أسعارها السوقية المعروضة من سلع وسيطة أم إنتاجية أم استهلاكية والقدرة الشرائية للمستهلكين بسبب أسعارها المرتفعة بالمقارنة مع الدخل، وبالتالي تخصص الحكومة من موازنتها مبالغ نقدية لتقليل أو لإنهاء الفارق بين السعرين السوقي والمطلوب منطلقة من أهداف اقتصادية واجتماعية وسياسية وغيرها، وهنا نشير إلى أنه قد يستفيد الأغنياء من الدعم أكثر من الفقراء وأن كل دول العالم تعتمد سياسة الدعم لمنتجيها ومستهلكيها ولأسباب متعددة، وتزداد صعوبة الدعم عندما تكون الموازنة السنوية في حالة عجز أي (النفقات أكثر من الإيرادات)، لذلك يتركز السؤال حول كيف نعوض هذه المخصصات النقدية؟.
وانطلاقاً من أنه لا توجد مشكلة اقتصادية إلا وتحمل في طياتها بذور حلها، والحلول موجودة لكنها تحتاج إلى (إدارة وإرادة) وعمل ممنهج، وهنا نقترح التوجه لتحديد مبالغ الدعم الواقعية بكل شفافية – اختيار سلع وخدمات لتقديم الدعم لها – البحث عن مواردنا الاقتصادية المعطلة وتفعيلها – زيادة الإيرادات، مثل أرباح القطاع العام ومكافحة التهرب الضريبي في الخاص الذي يتجاوز نسبة /25%/ – وإدخال القطاع غير الرسمي غير المنظم أو اقتصاد الظل الذي يشكل اكثر من /60%/ من الاقتصاد الوطني – تفعيل عمل مجالس الإدارة المحلية لصالح تنظيم هذا القطاع – وضع سياسة اقتصادية ( نقدية ومالية واستثمارية) محرضة للنمو والتنمية من خلال مقارنة كل نفقة مع مردوديتها- زيادة إنتاجية العمل الصناعية والمردودية الزراعية وكفاءة الخدمات- ترسيخ أسس التنافسية العادلة بين كل القطاعات والفعاليات وإلغاء الاحتكار..الخ، وهذا يتطلب تحديد هوية اقتصادنا وأي اشتراكية نريد؟.
برأينا إن ما يناسبنا هو نهج (رأسمالية الدولة واقتصاد السوق الاجتماعي) وهنا لا أقصد ( المنهج الرأسمالي أو الرأسمالية المتوحشة أو الليبرالية الحديثة) وإنما رأسمالية الدولة أي تعزيز هيبة الدولة من (النظام المؤسساتي والقانون الواضح- السلطة المركزية- الإقليم الجغرافي- السيادة والخطط المستقبلية)، أما اقتصاد السوق الاجتماعي فأعرفه في /4/ كلمات وهي: “للأسواق حريتها وللدولة توجهاتها”، أي تحقيق الربحية الوطنية والعدالة الاجتماعية وتفعيل عناصر الإنتاج والتسويق لتقليل الفجوة التسويقية في السوق على السلع والخدمات، أي الفارق بين (الطلب الكلي والعرض الإجمالي)، أي دعه يعمل وينتج ويسوق لتفعيل الدورة الاقتصادية ما يرسخ ثقافة العمل والانتاج.
وهذا يتطلب أن تتحول الحكومة من حكومة وصائية إلى حكومة تنموية لها برامجها الزمنية والمكانية واعتماد التقييم على أساس اللغة الرقمية، عندها نعيد للاقتصاد مهنيته كعلم مهني وليس أيديولوجي رغم أهمية الأيديولوجية فيه، ويتحول طابع الدعم من الجانب الخيري والأيديولوجي إلى المجال الاقتصادي كما أكد السيد الرئيس، وعندها تصبح كل وحدة نقدية مصروفة على الدعم محرضة للنمو والتنمية، وتزداد الإيرادات، ومعروف أنه كلما زادت الإيرادات كلما توفرت إمكانية زيادة الدعم وأن زيادة الإيرادات تتم عن طريق عاملين أساسيين وهما العمل ومواقع الإنتاج والخدمات.
إن طرح هذه الإشكاليات هي مقدمة لإيجاد حلول لمشاكلنا الاقتصادية وستساهم في زيادة النمو والتنمية وتحسين مستوى المعيشة وتحصين بلدنا.