خبراء يتفقون على أنّ ملف الدعم شائك.. ويقترحون الاستهداف النوعي لتحقيق هدف اقتصادي أو اجتماعي

تشرين- نور ملحم – شمس ملحم :
مع استمرار تراجع الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والارتفاع المستمر في الأسعار، يزداد اعتماد العديد من الأسر السورية على الدعم الحكومي المقدم لعدد من السلع والخدمات الأساسية، إلّا أن ذلك بات لا يحقق الكثير من الأهداف المعلنة، والذي يترافق بزيادة أسعار السلع المدعومة، والحديث المتزايد عن إمكانية إعادة النظر ببعض أوجه ذلك الدعم.
يؤكد الأستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق، الدكتور شفيق عربش، أن موضوع الدعم أصبح شائكاً وليس دعماً بالشكل الصحيح، لأن الدعم هو تنفيذ سياسة حكومية لتحقيق هدف ما اقتصادياً أو اجتماعياً، فما حصل في الماضي أنّ كل شيء يوزع على الجميع وعلى نفس المستوى، حيث كانت توجد إعانات توزع على جميع السوريين مثل الطحين أو الأرز أو السكر.

عربش: الحل هو تمويل الأسر لإطلاق مشاريعها الصغيرة وهذا يعدّ حلاً أفضل للاقتصاد

 

لافتاً إلى أن ما يحصل لا يمكن أن يسمى دعماً ، فمقابل تمويل الدعم هناك هدر كبير وسرقات وفساد تحت مظلته وهي بالنتيجة عبء كبير على خزينة الدولة، التي تنتهي بالعجز لذلك لا تستطيع الاستمرار بهذه السياسة.

ارتفاع معدل الهدر
وبيّن عربش، أن صورة الدعم الأساسية التي تم تبنيها في الآونة الأخيرة نتيجة الأزمة، هي دعم سلعي للأفراد، وأن الإدارات المعنية تواجه صعوبة كبيرة من جراء ذلك، فيؤدي إلى عجز كبير في الموازنة بسبب فقدان السيطرة على مواردها الزراعية والنفطية في المناطق الشرقية من القطر، مبيناً عيوب هذا النوع من الدعم المتمثل في ارتفاع معدلات الهدر، وغالباً ما يتم اللجوء إلى أبسط وأضعف الإجراءات التي لا تكلفها أي عناء،عبر البجث عن مطارح ضريبية جديدة .
مضيفاً بأن الدعم الحكومي في الاقتصاد السوري في الفترة الأخيرة يتركز على السعر العام أي الدعم السلعي لسلع معينة، وكان يستحوذ على أكثر من 90% من شكل الإنفاق العام في قائمة الدعم، حيث إن الحديث عن الدعم يقصد به فقط دعم السلع الأساسية في حياة الأسر، كالمحروقات والخبز والكهرباء وغيرها، فيما الدعم المقدم لبعض القطاعات الرئيسة، كالصحة والتعليم، تحول إلى سياسة عامة تكاد تتفق عليها جميع دول العالم.

تمويل الأسر لإطلاق مشاريعها الصغيرة
وعن الحل الذي يجب العمل عليه قال الدكتور عربش: استبدال الدعم بشبكات الحماية الاجتماعية التي يجب أن تغطي ما بين 70 إلى 75 % من السوريين، ولكن لو تمكنّا من تطبيقها فإن الموازنة المالية لا تستطيع تحمل عبء هذه الحماية، لذلك فإن الحل هو تمويل الأسر لإطلاق مشاريعها الصغيرة وهذا يعدّ حلاً أفضل للاقتصاد، ويمكن أن تعتمد الأسر على نفسها بالإنتاج وهو أفضل من توزيع القليل من الأموال عليهم بشكل شهري لتبقى تنتظر من شهر إلى آخر.

عيسى: العمل وفق المنطق الاقتصادي الذي ينظر إلى الدعم كأداة أو برنامج حكومي مؤقت وليس برنامجاً دائماً ومستمراً

عدم نجاح الدعم
بدوره أكد الباحث الاقتصادي الدكتور هيثم عيسى أن الأسباب التي أدت إلى عدم نجاح الدعم، هو تطبيق الدعم كبرامج متعددة متفرقة لا تنظمها سياسة دعم حكومي كلية تضمن التنسيق بين هذه البرامج وعدم التخبط والفوضى، بما يضمن تحقيق الهدف النهائي لهذه البرامج، كما تمّ تطبيق برامج الدعم بحيث تركّز معالجة نتائج السياسات الحكومية، المتمثلة باستمرارية حاجة المواطن السوري للدعم من دون النظر في الجانب المهم، وهو لماذا أدت تلك السياسات إلى تعميق الحاجة للدعم بدلاً من تقليصها وهو الجانب المهم، حيث استمر تطبيق برامج الدعم لمدة طويلة من دون دراسة وتقييم آثارها وفعاليتها وكفاءتها لأنّ العبء المالي لها كان مقبولاً بمعنى يمكن أن تتحمله الموازنة الحكومية، لكن عندما بدأت الضغوط تتزايد على هذه الموازنة، خاصةً بعد عام 2011، تمّ استدراك الوضع وبدأ التفكير بالدعم وعقلانيته وفعاليته.

نتائج سلبية متفاقمة
وأشار عيسى في تصريحه لـ” تشرين” إلى أنّ العمل ببرامج، الدعم أدى إلى نتائج سلبية متفاقمة كثيرة، فأصبح عبء الدعم كبيراً ويضغط على موازناتها ويستنزف مواردها، وفي الوقت نفسه يوجد شعور صحيح بعدم فعالية قسم منه، وأنّه يؤدي إلى ظواهر اقتصادية سلبية مثل خلق أسواق سوداء عبر التجارة بالمواد المدعومة، تهريب جزء من المواد المدعومة خارج البلاد وضياع الدعم حيث يستفيد منه مواطنو الدول المجاورة!!. ناهيك باختلالات الأسعار والأسواق، وبالنسبة للمواطن، أدى الدعم إلى تواكل المواطن على دعم الحكومة حتى لو لم يكن بحاجة له.
مبيناً، أنه على الدولة عبر سياساتها الاقتصادية المختلفة أن تؤمن بالمحصلة مستوى معيشة لائقاً للمواطنين، وهذا لا خلاف عليه، لكن يكمن الاختلاف في كيفية تحقيق هذا المستوى اللائق للمعيشة.
وبرأي عيسى فإنّ ذلك يجب أن يكون بالدرجة الأولى ودائماً عبر تأمين دخل عمل (رواتب وأجور) تضمن الوصول إلى هذا المستوى اللائق من المعيشة، وفي حال وجود عقبات مؤقتة وعارضة تحول دون تحقيق ذلك يجب تقديم الدعم، من الخطأ أن يتحقق دور الدولة في هذا الجانب عبر الدعم المستمر والدائم لأن ذلك سيقودنا إلى النتائج السلبية المذكورة أعلاه.

برنامج مؤقت وليس دائماً ومستمراً
وأوضح عيسى، أنه في الجزء الأكبر من برامج الدعم ، يتم اتباع ما يُسمى بالدعم الشمولي الذي يشمل جميع المواطنين من دون استثناء، وهذا النوع من الدعم يترافق بمستويات عالية من الهدر وعدم الكفاءة الاقتصادية، بالإضافة لمشاكل أخرى عديدة، لهذا، بدأت الإدارات مؤخراً تدارك الوضع ومحاول الانتقال نحو الدعم الاستهدافي، الهادف إلى التمييز بين المواطنين حسب الحاجة واستهداف المحتاج فعلاً وعم تمكين غير المحتاج من الاستفادة من الدعم مثل تشريح فاتورة الكهرباء والماء حسب الاستهلاك، وتسعير المازوت والبنزين والغاز بأسعار مختلفة مدعومة لبعض فئات المواطنين وبسعر التكلفة لفئات أخرى.
وأضاف الخبير الاقتصادي: إنّ الآلية الأصح للعمل بها لتجنب الأخطاء التي وقعت بها الحكومات السابقة لتوزيع الدعم هو العمل وفق المنطق الاقتصادي الذي ينظر إلى الدعم كأداة أو برنامج حكومي مؤقت وليس برنامجاً دائماً ومستمراً، ويحتاج ذلك لتبني إستراتيجية عمل وطني كلية تتفرع إلى إستراتيجيتين فرعيتين، الأولى والأكثر أهميةً إستراتيجية تشجيع الإنتاج المحلي في القطاعات الحقيقة بهدف رفع مستويات النشاط الاقتصادي الحقيقي التي تولد فرص عمل ودخولاً جديدة ، وبالتالي تخفّض الحاجة عند المواطنين للدعم، والثانية إستراتيجية وطنية للدعم تربط برامج الدعم المختلفة معاً ويتم التنسيق بينها للتحوّل المتدرج والمدروس إلى الدعم الاستهداف لمن يحتاج فعلاً وليس للجميع.

عزوز: معالجة موضوع استغلال وإساءة استخدام الدعم المقدم لمختلف الجهات والبحث عن موارد بديلة

جزء من سياسة الدولة
وفي سياق متصل أكد الدكتور عبد القادر عزوز أنّ دعم المواطن هو جزء من سياسة الدولة، وهناك توجه خلال العامين الماضين لدعم المواطنين ولا تفكر بتغيير ذلك، ولكن هناك خطة لتنظيمه وتغير الإستراتيجيات والآليات وجوهر موضوع الدعم لمن يستحق الدعم ولمن لا يستحقه، بحكم أنه وفي ظل هذه الظروف الصعبة تأتي فاتورة الدعم لتلقي عبئاً إضافياً على الموازنة العامة للدولة، مبيناً في تصريحه لـ ” تشرين” أنّ الدعم الحكومي يظهر من خلال السعر المقدم أو المدعوم وفي مراجعة لمكونات الدعم المدعوم في الفترات السابقة نرى بأنها تشمل المشتقات النفطية بالمرتبة الأولى والدقيق التمويني في المرتبة الثانية وثالثاً دعم الكهرباء ورابعاً السكر والرز بالإضافة لصندوق المعونة الاجتماعية والصندوق الزراعي.
وجود ثغرات بقاعدة البيانات
وأشار الدكتور عزوز إلى أنه اليوم ومع اشتداد الحصار الاقتصادي كان لابدّ من مراجعة ملف الدعم والانطلاق من سياسة الدعم الشامل للدعم الذكي بهدف تحقيق العدالة بالدعم، فالآليات السابقة لم تستطع إيصال الدعم الحقيقي لمستحقيه لذلك تمّ استبعاد العديد، وهي عملية وحيدة بحكم تقليل فاتورة الدعم ولتوسيع شبكة الحماية الاجتماعية والمرافق العامة والصحة والتعليم، حيث أصبحت العملية متحركة ومرنة وسهولة في التشبيك رغم وجود ثغرات بقاعدة البيانات، لذلك لابدّ للعمل لتوسيع الشرائح وتطوير الأرشفة الكترونية في القطاعين العام والخاص.

إعادة هيكلة للدعم
يرى الدكتور عزوز، أنّ المطلوب “في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها المواطن والاقتصاد السوري، ليس إلغاء الدعم أو خفضه بل معالجة موضوع استغلال وإساءة استخدام الدعم المقدم لمختلف الجهات، والبحث عن موارد بديلة، وفي مقدمتها تطوير الإنتاج الزراعي والصناعي ومكافحة التهريب والتهرب الضريبي.
مبيناً، أنّ الحكومة تتجه في الوقت الحالي إلى سياسة إعادة هيكلة للدعم، بمعنى أنها تحاول أن تؤمن الدعم إلى مستحقيه عن طريق إخراج بعض الشرائح الاجتماعية من موضوع الدعم كالتجار وأصحاب بعض المهن، وهذه الخطوة من الممكن أن تلحق الضرر ببعض أصحاب المهن، مقترحاً استثناءهم من الدعم لكنهم من ذوي الدخل المنخفض وإن انتسبوا للمهنة المستثناة، مؤكداً ضرورة دعم مخرجات الإنتاج وتوفير قاعدة بيانات صحيحة ووضع حلول طويلة الأجل بهدف بناء إستراتيجية وخطط اقتصادية كفوءة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار