ملف «تشرين».. «الشيطان يكمن في التفاصيل».. هنا أخفقت المشروعات الصغيرة وتساؤلات حول خطط الإنعاش الوشيك

دمشق– ماجد مخيبر:

المرونة والسهولة التي يتمتع بها القطاع المالي إضافة الى الجدارة في مواجهة المخاطر، داعم أساسي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر، كما هي الداعم الأساسي للنمو الاقتصادي وتحريك العجلة الاقتصادية خاصة وقت الأزمات، مؤسسة ضمان مخاطر القروض كيف تقيّم واقع هذه المشاريع حالياً وهل حققت الدور المطلوب منها؟
هل هناك مشكلة في التمويل وكيف يمكن تجاوزها وحلها في حال كانت العقبات والقيود المصرفية هي السبب في تأخر انتشارها؟ علماً أن هناك الكثير من القروض الممنوحة لهذه المشاريع الصغيرة والمتوسطة تذهب لتنفيذ أعمال أخرى.
الدعم ضعيف
الدكتور قيس عثمان مدير عام مؤسسة ضمان مخاطر القروض بين أن المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر منتشرة بشكل كبير في الجمهورية العربية السورية، وتشكل أكثر من 95% من عدد المشاريع في سورية، وبالتالي فهي منتشرة بشكل كبير وعلى نطاق واسع، وحقيقة لا يوجد أي دعم فعلي لأصحاب هذه المشاريع، أو يمكن وصف الدعم المقدم لهم بالضعيف ولا يلبي الاحتياجات الكبيرة والمتنوعة لأصحاب هذه المشاريع، الأمر الذي يعيق تطور هذه المشاريع ونموها.

عثمان: الدعم المقدم ضعيف ولا يلبي الاحتياجات الكبيرة والمتنوعة لأصحاب هذه المشاريع

مشيراً إلى أن مؤسسة ضمان مخاطر القروض ليس من صلاحياتها تقييم واقع هذه المشاريع في ظل وجود جهات رسمية أخرى أكثر ارتباطاً بهذه المشاريع، وهي الأقدر على تقييم واقع هذه المشاريع والدور الذي حققته، كما أن حجم التمويل الممنوح من المصارف العامة والخاصة لقطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة مازال منخفضاً وأقل بكثير مما يجب أن يكون مقارنة بعدد هذه المشاريع.

دور “ضمان مخاطر القروض”

عثمان أوضح أن أي مواطن يريد الحصول على قرض يجب أن يقدم ضمانات للمصرف الذي سيمنح القرض، والمصرف يطلب الضمانات من المقترض لتخفيض مخاطر عدم سداد القرض، و الضمانات التي تتطلبها المصارف قد تكون عبارة عن كفلاء إذا كان مبلغ القرض صغيراً، أما إذا كان مبلغ القرض كبيراً فيجب أن تكون الضمانات عقارية أو أرضاً أو سيارة أو غير ذلك.
وبالتالي من لا يملك ضمانات لا يحصل على قرض ويحرم من التمويل، ومن هنا جاءت الحاجة لوجود مؤسسة ضمان مخاطر القروض لمساعدة أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة الذين لا يملكون ضمانات كافية في الحصول على احتياجاتهم التمويلية (قروض) من المصارف لدعم مشاريعهم، لتحقيق عدالة التمويل.
ويضيف عثمان: أحدثت المؤسسة لتحقيق مجموعة من الأهداف، أهمها مساعدة أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الحصول على قروض من المصارف بهدف إقامة مشروعاتهم أو توسعة القائم منها أو رفع كفاءتها الإنتاجية، الأمر الذي يساهم في زيادة دخل هذه المشروعات وزيادة فرص العمل والتشغيل في الاقتصاد الوطني، إضافة الى تعزيز دور المصارف في دعم عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال تحفيز المصارف على زيادة حجم القروض الممنوحة لقطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة.

75% من قيمة القرض

ومن الأسباب التي استدعت إحداث مؤسسة ضمان مخاطر القروض، هي حجم التمويل المنخفض والممنوح من المصارف العامة والخاصة لقطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة الإنتاجية مازال منخفضاً، وهناك عدد كبير من أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة يتم رفض قروضهم أو تخفيض المبلغ الممنوح لهم بسبب نقص الضمانات المقدمة من قبل أصحاب هذه المشروعات، وهنا يأتي دور المؤسسة، حيث تتدخل المؤسسة كوسيط بين المقترض (صاحب المشروع) والمصرف (المقرض – الممول). وبالتالي تدرس المؤسسة الملف الائتماني للمقترض (صاحب المشروع)، وفي حال التأكد من وجود جدوى اقتصادية للمشروع وجدية من صاحب المشروع تقدم المؤسسة ضمانتها للمشروع، وهذه الضمانة قد تصل إلى 75% من قيمة القرض، بما لا يزيد على 200 مليون ليرة سورية للمشروع الواحد.
حل لجزء من المشكلة

كما أشار عثمان إلى أن الهاجس الأكبر والحديث الدائم للحكومة حالياً هو دعم الإنتاج وكيفية دعم الإنتاج، وعندما نقول إن المشروعات الصغيرة والمتوسطة تشكل أكثر من 95% من المشروعات في سورية، وبالتالي يجب الاهتمام بهذه المشروعات وتأمين متطلباتها الأساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المرجوة منها في المرحلة المقبلة، ودعمها بالشكل المطلوب يسهم في حل جزء كبير من المشكلة الرئيسية التي تواجه الاقتصاد السوري في الوقت الراهن والمتمثلة بانخفاض الإنتاج، خاصة وأن عدداً كبيراً من هذه المشروعات تعرضت للضرر أو التوقف بسبب الأزمة والحرب الظالمة التي تعرضت لها سورية، كما أن حجم التمويل الممنوح من المصارف العامة والخاصة لقطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة الإنتاجية كان، ومازال منخفضاً، ويرجع نقص تمويل المصارف إلى ضعف الملاءة المالية لأصحاب هذه المشروعات، حيث يتم رفض عدد كبير من القروض، أو تخفيض المبلغ الممنوح لهم بسبب نقص ضماناتهم، أو عدم وجود أي ضمانة والحل الأفضل يكون بتدخل جهة ضامنة للمقترض (صاحب المشروع)، وداعمة للمصرف.

عثمان: مؤسسة ضمان مخاطر القروض تساعد أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة الذين لا يملكون ضمانات كافية

وبالتالي دعم العملية الإنتاجية ومواجهة التحديات التي تعصف بالاقتصاد السوري يتطلب دعم قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ومؤسسة ضمان مخاطر القروض يمكن أن تكون أحد أهم الآليات المتاحة بيد الحكومة لتحقيق هذا الهدف.

بنية تنموية متكاملة

الخبير الاقتصادي الدكتور مجدي الجاموس يقول إن الإحصاءات الاقتصادية العالمية تشير الى أن 37 % من الناتج المحلي العالمي تقدمه المشروعات الصغيرة والمتناهية في الصغر وليس المتوسطة ولدى البحث عن آليات دعم وتسريع إقامة هذه المشروعات يجب أن يكون هناك بنية تنموية اقتصادية متكاملة، من خلال توافر أربعة عناصر رئيسية أولها استقرار سعر الصرف وتوافر القطاع المالي المساعد سواء شركات التأمين أو المصارف والاستقرار السياسي والأمني بالإضافة الى التشريعات والقوانين الداعمة لعملية التنمية .
وللأسف اليوم نحن نفتقد لأغلب هذه العناصر المشكلة للبنية المشجعة على الاستثمار فالقوانين التي تضعها وزارة المالية مشجعة على الاستثمار!  ولا المصارف قادرة في ظل توجهات المركزي بحصر السيولة من القيام بالتوسع في عمليات الإقراض كونها أمام خيارين كلاهما مرّ الأول حصر السيولة للمحافظة على سعر الصرف والثاني فرد السيولة وإزدياد معدلات التضخم وبالتالي تصبح عمليات الإقراض غير مشجعة على الاستثمار وبالتالي القطاع المالي أصبح غير فعال إضافة الى عدم استقرار العلاقات الاقتصادية في ظل ظروف الحصار الاقتصادي الجائر المفروض على البلاد .
الباحث الاقتصادي أشار خلال حديثه لـ”تشرين” إلى أن السؤال المهم اليوم هو ما هي أولويات العمل الحكومي الآن هل هي المحافظة على مؤسسات الدولة القائمة وتقديم الخدمات بالحد الأدنى أو السعي لتسريع وتحريك عجلة التنمية الاقتصادية، وبرأي الحكومة تسعى للمحافظة على مؤسساتها.

تقييد الودائع

وحول دور القطاع المصرفي في دعم إقامة المشاريع الصغيرة والمتوسطة يرى الجاموس أن المشكلة هي في التعليمات ومنع السحب من الحسابات إلا ضمن حدود معينة وبالتالي هذه السياسة تولد عدم الرغبة بوضع ودائع إضافية في القطاع المصرفي، تلك الودائع التي تشكل عنصراً أساسياً لمنح قروض لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة علماً أن المصارف من مصلحتها أن تقدم القروض للراغبين كون هذه القروض تحقق لها أرباحاً .

الجاموس: مشكلة القطاع المصرفي في التعليمات ومنع السحب إلا ضمن حدود معينة

كما أشار الباحث الاقتصادي الى الأثر السلبي لعدم استقرار سعر الصرف فخلال العام 2018 وضمن تصنيفات الجهات الحكومية كان رأس مال المشروع المتناهي في الصغر يبلغ مليون ليرة سورية ورأس مال المشروع الصغير يتراوح ما بين 1 إلى 5 ملايين ليرة سورية، أما المشروع المتوسط فيبلغ رأس ماله ما بين 5 إلى 50 مليون ليرة سورية، وبعد التضخم الكبير الحاصل خلال السنوات الماضية أصبح رأس مال أي مشروع متناهٍ في الصغر يبلغ ما بين 60 الى 70 مليون ليرة سورية، والمشروع الصغير يصل رأس ماله لحدود 750 مليون أما المتوسط فيتراوح رأس ماله ما بين 750 مليون و 2 مليار ليرة سورية، ومن هنا فإن البنوك من حقها أن تكون حذرة في عملية الإقراض نتيجة عدم استقرار سعر الصرف لفترات طويلة وارتفاع معدلات التضخم ما بين فترة وأخرى.
وبرأي الجاموس فإن الحلول الحقيقية هي رغبة حكومية بعملية تحريك عجلة التنمية ووضع قوانين متناسبة مع المرحلة الراهنة وإعطاء التعليمات للبنوك من أجل القيام بفرد السيولة ومنح القروض من خلال رهن مقبول وبكفالة لهذه المشروعات الصغيرة والمتوسطة، مع تبني فكرة معادلة المبلغ المقترض بالعملات الأجنبية أو بالذهب وأن يكون حجم الإقراض لكل مشروع متناسباً مع تصنيفات نهاية العام 2023.

اقرأ ايضاً:

ملف «تشرين».. عقدة التراخيص الإدارية دوامة الارتباك والإرباك المزمنة.. «البزنس الصغير» بانتظار مبادرات كسر التكلّس الإجرائي

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار