قطاع غزة وثلاثة أيام حاسمة.. رفح تدخل على خط السباق الرئاسي الأميركي ولا خلافات بين واشنطن والكيان الإسرائيلي على استمرار العدوان
تشرين- مها سلطان:
ترقب شديد يسود المشهد على جبهة غزة خلال الأيام الثلاثة المقبلة والمتبقية ما قبل حلول شهر رمضان المرتقب والمتوقع في الـ11 من آذار الجاري، حيث جرى تمديد مفاوضات القاهرة إلى السبت المقبل على فرض إمكانية التوصل إلى اتفاق هدنة وتبادل أسرى، علماً أن كل المؤشرات تؤكد أن مصير التمديد لن يكون أفضل حالاً.. يأتي هذا في ظل تواصل الحديث عن مشروع أميركي «جاهز» لعرضه أمام مجلس الأمن الدولي، يطالب بوقف فوري لإطلاق النار، وطبعاً من البدهي القول إن هذا المشروع تم إعداده وفق الرؤية الأميركية، أي الإسرائيلية، لكيفية وقف إطلاق النار، هذا في حال لم تسفر مفاوضات القاهرة عن اتفاق، وهناك حديث عن أن هذا المشروع «أقل انحيازاً» للكيان الإسرائيلي وبما يضمن مروره عبر مجلس الأمن.
موقف انتخابي
وسبق أن كان هناك حديث لافت، خلال الأيام الماضية، حول أن الولايات المتحدة قد تسعى إلى فرض «هدنة أحادية» سواء حصل اتفاق أم لم يحصل، ووفق الإعلام الإسرائيلي فإن واشنطن قد تقدم على مثل هذه الخطوة على خلفية المعركة الانتخابية الرئاسية التي تزداد حدة من جهة، وتتضاعف وطأتها على الرئيس جو بايدن وحزبه الديمقراطي من جهة ثانية، في ظل استطلاعات الرأي التي تصطف إلى جانب خصمه الرئيس السابق دونالد ترامب.. وعليه فإن إدارة بايدن ترغب في تحقيق اختراق على جبهة غزة يُظهرها بمظهر المبادر والداعم لوقف الحرب، خصوصاً أن استطلاعات الرأي تؤكد أن هناك انخفاضاً كبيراً بنسبة دعم الكيان الإسرائيلي بين الأميركيين لمصلحة الجانب الفلسطيني ولضرورة وقف الحرب.
اللافت أن متزعمي الكيان لا يرون في كل ما يُقال عن خطوات جديدة لواشنطن في المرحلة المقبلة على أنها «تغير دراماتيكي» بالموقف الأميركي بدليل نتائج زيارة وزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس إلى واشنطن التي انتقل منها إلى العاصمة البريطانية لندن وكانت له مباحثات أمس الأربعاء مع رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك ومستشار الأمن القومي تيم بارو، ووزير الخارجية ديفيد كاميرون، وذلك بعد اللقاءات التي أجراها مع مسؤولين أميركيين.
إدارة بايدن ترغب بتحقيق اختراق على جبهة غزة يُظهرها بمظهر المبادر والداعم لوقف الحرب في ظل احتدام السباق الرئاسي ووسط استطلاعات الرأي التي تشير إلى انخفاض دعم الأميركيين للكيان الإسرائيلي
ويبدو أن زيارة غانتس إلى واشنطن تركزت بصورة أساسية على الأزمة «السياسية» التي تحولت إلى صراع متصاعد بين متزعم حكومة الكيان بنيامين نتنياهو ومسؤولي حكومته وعلى رأسهم غانتس، وذلك على خلفية الخلافات المتفاقمة حول إدارة العدوان على غزة، هذا ما بدا أن زيارة غانتس ركزت عليه أكثر من مسألة إدارة العدوان ومفاوضات الهدنة و«اليوم التالي» ما بعد الحرب، وعملياً فإن هذا الأمر أقرب إلى الصحة في ظل أن واشنطن ترى أن نتنياهو بات مشكلة حقيقية فيما يخص جبهة غزة، بمعنى أن لا خلاف أميركياً – إسرائيلياً حول العدوان ولكن الخلاف مع نتنياهو فقط ويتركز بشكل أساسي على ما يمكن تسميته «إدارة فردية» يعتمدها نتنياهو وبما لا يعجب أعضاء حكومته وكذلك لا يعجب واشنطن.
حتى في مسألة استعدادات الكيان لتنفيذ عدوان على رفح جنوب قطاع غزة، ليس ثمة خلاف أميركي – إسرائيلي، رغم كل التحذيرات الدولية من الكارثة الإنسانية التي ستحلّ برفح التي تزدحم بحوالي مليون ونصف المليون من النازحين إضافة إلى أهلها.
بلينكن.. رفح
أميركا لا يُقلقها مصير رفح وأهلها والنازحين إليها بقدر ما يُقلقها ألا تكون لدى الكيان خطة واضحة للهجوم، أو لما تسميه إدارة بايدن «خطة جيدة» لإجلاء السكان من رفح قبل اي هجوم، هذا ما قاله وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال لقائه مع غانتس، متجاهلاً مسألة أن العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ خمسة أشهر على قطاع غزة لم يترك مكاناً آمناً يمكن النزوح إليه، اللهم إلا إذا كانت العين ما زالت على سيناء/مصر مكاناً للنزوح، وفق خطة مبيتة لوضع الجانب المصري أمام الأمر الواقع وبحيث يكون مُجبراً على قبول النازحين في سيناء، تفادياً لكارثة إنسانية في رفح في حال الهجوم الإسرائيلي عليها.
زيارة غانتس إلى واشنطن ولندن ركزت على تفاقم الخلافات مع نتنياهو وليس على كيفية إدارة العدوان أو استمراره أو وقف الهجوم على رفح.. وإدارة بايدن ترى أن نتنياهو عقبة في وجه الوصول إلى «اليوم التالي»
قول بلينكن هذا جرى تفسيره على نطاق واسع بأنه «ضوء أخضر» أميركي واضح للهجوم على رفح، وليس بالضرورة وجود خطة واضحة، ولنتذكر هنا أن الولايات المتحدة منذ بدء العدوان على غزة في اليوم التالي لما بعد عملية «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأول الماضي، وهي تطالب الكيان بخطة واضحة «إنسانية» لاستمرار العدوان، وبخطة واضحة أيضاً لما بعد العدوان، أي ما يسمى «اليوم التالي»، ومع ذلك فإن واشنطن لم تضغط في أي يوم على الكيان لتقديم خطة أو الالتزام بخطة، بل سمحت له بالاستمرار في العدوان من دون خطوط حمراء ومن دون محاسبة، وحتى حمايته من المحاسبة دولياً، وإسقاط كل محاولات إيقاف العدوان خلال جلسات مجلس الأمن المتتالية منذ بدء العدوان، ما يعني أن كل هذه الخطط المطلوبة أميركياً هي للاستهلاك الإعلامي وليس للتنفيذ الواقعي.. وعليه فإن غانتس سيعود إلى الكيان بدعم أميركي جديد، والفارق هنا هو من ينفذ ويستمر بالعدوان، غانتس بدل نتنياهو.
ولنذكّر هنا أيضاً بأن كل زيارات بلينكن إلى المنطقة وإلى الكيان، ومعه باقي المسؤولين الأميركيين «والأوروبيين» لم يكن هدفها الضغط على الكيان أو وقف العدوان بقدر ما كان هدفها الحصول على صك استسلام غير مشروط، ولا تزال الحال كذلك سواء مع نتنياهو أو مع غانتس أو مع أي مسؤول إسرائيلي.
– واشنطن لم تضغط في أي يوم على الكيان لتقديم خطة أو الالتزام بخطة بل سمحت له بالاستمرار في العدوان من دون خطوط حمراء ومن دون محاسبة وحتى حمايته من المحاسبة دولياً
تمديد لن يُفلح
وفي آخر زيارة لمسؤول أميركي، وهو آموس هوكشتاين، وكانت الأسبوع الماضي، فإن هذه الحال لم تتغير، ليس على مستوى الكيان فقط، بل على مستوى العودة إلى واشنطن بصك استسلام الفلسطينيين. وإذا كانت واشنطن تعتمد سياسية التصريحات كـ«حالة استهلاك إعلامي» فيما هي خلف الكواليس تؤكد الدعم المطلق للكيان فهذا لا يعني بأي حال أن سياسة التصريحات هذه نجحت في تحقيق الأهداف الموضوعة، سواء على مستوى جبهة غزة و«الجبهات المساندة» أو على مستوى مفاوضات الهدنة. ورغم الأجواء الإيجابية التي سعت إدارة بايدن إلى إشاعتها خلال الأيام الماضية حتى كدنا نصدق بأن اتفاق الهدنة بات بحكم المنتهي، إلا أنه وفجأة بدأت كل التسريبات ثم التصريحات تؤكد انهيار المفاوضات، قبل أن يُعلن عن تمديدها حتى يوم السبت المقبل رغم انعدام التفاؤل بإمكانية التوصل إلى اتفاق.
بناءً على ما سبق فإن جبهة غزة «ورفح ربما» ستبقى مشتعلة خلال شهر رمضان المبارك، وبما يُبقي كل السيناريوهات قائمة باتجاه تطورات مفتوحة على الأخطر إنسانياً وميدانياً.