صناعة الجوع.. ومجزرة الطحين!؟
قاسٍ هو العوز والأقسى هو الجوع ، ويكون موجعاً متى يصوّب على الضعفاء والدراويش والأطفال والنساء .. هكذا باتت العوائل في غزة في ثنايا ظلام إجرامي شيطاني.. يفترشون التراب في أجواء باردة ..لا يجدون ما يطعمون به أطفالهم.. لا يملكون خلاصاً من الموت الذي يتربص بهم.. وأمام الضمير العالمي تنصب صور مفجعة لأطفال صغار ضحايا سوء التغذية.. باتوا هياكل عظمية.. تغيرت أشكالهم ووجوههم.
إنها سياسة إطلاق العنان للإبادة الجماعية أمام أعين العالم، تبدو الصورة معقدة، ورغم أن “إسرائيل” تمتلك القوة النارية اللازمة لقتل الجميع في غزة ، إلّا أنه يتعين عليها أن تجد وسيلة “لتجريم” أهدافها. فعندما يشتبهون في أن أحد مقاتلي المقاومة يختبئ، أو يعيش فقط، في مبنى، فإن ذلك يكون بمثابة مبرر لهدم المبنى بأكمله، وأحياناً المباني المحيطة به أيضاً. وأكثر من ذلك فقد قام جيش الإبادة الجماعية الإسرائيلي بتصنيع عملية تجريم للأهداف المدنية باستخدام الذكاء الاصطناعي.
وما بين لحظة دمار ولحظة نزوح تمرّ وشائجُ وذكريات لقوافل بشرية أضاعت بوصلتها وسط زلزال كارثي.. وحدها الذكريات كأنها حبلُ صرّة حميم، وتسمع قصصاً تئن نبضاً وحزناً وهي تحكي ما يجرى من حرب إبادة شاملة ،الكاميرات تدور في المكان، وحيث يكون الصوت يتردّد صداه في جنبات ركام وأبنية متكسرة ثم تنطفئ الأضواء ويحل العتم .
تتحدى “إسرائيل “كل الأعراف والقيم والأخلاق وتقوم بمذبحة جديدة هذه المرة تستهدف طالبي الخبز الجائعين في شارع الرشيد بغزة. لم تعد تحتاج إلى تبرير لجرائمها أمام البشرية حتى إنها لم تزعم أن قواتها تعرضت للهجوم أو أن هناك مقاتلين للمقاومة في مكان ما حولها. والأنكى أن هذه المذبحة حدثت بينما كانت “إسرائيل” تدّعي “أنها تهتم” بالاحتياجات الإنسانية للسكان الفلسطينيين. وبدلًا من أن تكون حادثة مأساوية منعزلة، فإن “مذبحة الطحين”، كما أصبحت تسمى، يمكن فهمها في الواقع على أنها نذير وفرض للأمر الواقع للنظام الجديد الذي تحاول “إسرائيل” فرضه على شعب غزة بعد خططها البعيدة المنال حتى الآن للقضاء على المقاومة. لقد كان ذلك انعكاساً لخطة “اليوم التالي” التي وضعتها “إسرائيل” لغزة وكل فلسطين، وهي الاحتلال العسكري الدائم وكل ذلك في محاولة لعزل الفلسطينيين وجعل الحياة غير صالحة للعيش في غزة.
حزنت القلوب، والحزن لا يغني من جوع .. نلملم الجراح ونجمع ما بقي من جمرات حب ونمضي.. أخرج نفسك أيها الضمير من قمم الشّح .. ولو كانت شربة ماء فإنها تنعش كبداً ظمأى احترقت بلظى الكارثة.
«نسلّم بقضاء الله وقدره، وفي الروح يرقد الأسى ويعظم الحزن على الفقد للمأوى والأحبة ..على الظلم.. إنهم يتألمون؛ لقد كان النوم بأعين مغلقة ،أما اليوم في غزة فبات الناس ينامون كالأسماك بعيون مفتوحة .