غيّر العدوان الإسرائيلي على غزة الكثير من المعايير عالمياً، سياسياً وأخلاقياً، وإن تمسك الغرب بمزاعمه حول الديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها، وبالتالي استخدامها كما جرت العادة على مقاسه أي بازدواجية فجّة، لكن صوت الشعوب الغربية، ولا سيما شعوب الدول ذاتها الداعمة للكيان الغاصب وعدوانه على غزة، كان أصدح من صوت قادته ومسؤوليه، وأهديّ صوت إلى غزة وقُدِم مقعد لها في مجلس عمومها.
فوز السياسي البريطاني جورج غالاوي في الانتخابات الفرعية للبرلمان البريطاني عن مدينة روتشديل، ولنكن دقيقين وواقعين، هو انتصار معنوي ورمزي لغزة وقضيتها، وهزيمة رمزية ومعنوية أيضاً للكيان الغاصب ومزاعم «حقه في الدفاع عن نفسه» ترتبط باختيار غالاوي ذاته كمدافع دائم عن القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، كما يرتبط – وهنا تكمن أهمية مضاعفة – بتغير المزاج الشعبي العام في بريطانيا، الذي بدأ مع بداية العدوان الإسرائيلي على غزة منذ خمسة أشهر حتى اليوم، أي رغبة في تغير النخب السياسية التقليدية باعتبار أن هذه النخب تركز في طبيعتها واستراتيجيتها على العلاقة مع واشنطن وانعكاس ذلك على مجمل القضايا الخارجية، بينما التغير إن اتسع أكثر فمن شأنه أن ينعكس على التوجهات السياسية للدول الغربية تجاه قضايا الشرق الأوسط على وجه الخصوص.
ومرة جديدة تتعرى «الديمقراطية» الغربية وتسقط، وإن بات الموضوع مستهلكاً، لكن تكراره في هذه المرحلة واجب وضرورة فرضها العدوان على غزة وتعاطي المسؤولين الغربيين معه دعماً ومساندة، ومحاربة كل من يدينه ويقف مع الشعب الفلسطيني، إذ أثار فوز غالاوي «قلق» رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، هذا القلق لم يفكر بحقوق الإنسان في حرية التعبير والاختيار، كما أن هذا القلق يدعو للظن بأن عملية الانتخاب في بريطانيا غير ديمقراطية.. لكن حقيقة القلق تنطلق من هزيمة صوت «إسرائيل» وفوز صوت غزة في عقر دار بريطانيا عرّابة «وعد بلفور».. فبريطانيا «الديمقراطية» لا تأبه لآلاف الجوعى الفلسطينيين ولا تأبه للإبادة الجماعية والتهجير والتطهير العرقي الذي ينتهجه كيان الاحتلال ليلاً ونهاراً بحق أهالي قطاع غزة، لكنها معنية في الصميم بمنع كل من يعارض كيان الاحتلال وإجرامه.
على العموم القلق البريطاني لم يَحُل دون أن تكون غزة حاضرة، وآلية تشويه الصورة وقلب الحقائق لم تفلح، وهذه إحدى «نِعم» العولمة التي انقلبت نقمة على الغرب، حيث لم تمكّنه العولمة من تصدير الصورة التي يريد الغرب تصديرها، بل على العكس تماماً، وهي، وإن نجحت في مكان ما، فإنها فشلت في غزة، حيث كانت صورة الهمجية الإسرائيلية هي المتصدرة والتي أيقظت شعوب العالم على الحقيقة التاريخية ببطلان الرواية الصهيونية حول «الحق اليهودي» في أرض فلسطين، لمصلح انتصار الحق الفلسطيني بالتاريخ والأرض والجغرافيا.
هبا علي أحمد
325 المشاركات