ما هو الثمن؟!
بدأ في الآونة الأخيرة ظهور الكثير من المؤشرات المتعلقة بإعادة النظر بقضايا مهمة كملف الدعم والتعليم والصحة وإدارة أملاك الدولة وغيرها من الملفات الاقتصادية المهمة التي ترافقت مع تعديل بعض التشريعات, إضافة إلى إجراء الحوارات والنقاشات حول أهم وأسرع السبل لمعالجة الأمراض الاقتصادية، والتي تفاقمت أزماتها بسبب الظروف والمتغيرات الدولية. والسؤال كيف ستكون الوظيفة العامة بعد خمس سنوات؟ وأين سيصل مشروع الإصلاح الإداري بعد عشر سنوات؟ وكيف ستكون وزاراتنا ومؤسساتنا وإداراتنا بعد ثلاثين سنة ؟
وبالعودة إلى مشروع الإصلاح الإداري القديم الجديد نجد أن معظم الاقتراحات والتوصيات تتضمن بشكل صريح المضي قدماً بمشروع الإصلاح الإداري.. وكما هو معلوم فقد بدأ هذا المشروع منذ أكثر من عقدين ونصف العقد من الزمن، لكنّ ثمة ظروفاً أدت الى تعطيله .. واليوم تقام العديد من الورشات واللقاءات والمنصات لبحث الطرق والأساليب والتشريعات التي تعيد الحياة للشرايين الاقتصادية بما فيها هذا المشروع المهم والمرتبط بإعادة الإعمار، وتم استقدام خبراء ومستشارين لهذا الغرض، والسؤال الأهم ما مصير التوصيات والمقترحات وكيف ستجد طريقها للتنفيذ؟
ومن دون لفّ ولا دوران فإن الشرط المهم للتنفيذ هو وجود تمويل لمشروع الإصلاح، وليس المطلوب أن نخترع قانوناً من نقطة الصفر، ويكفي أن نضع تشريعات جديدة وعصرية وحضارية قادرة على احتضان مشروع الإصلاح الإداري بشرط أن يتوفر التمويل .
ولعل التجارب الإصلاحية الماضية انتهت بالتركيز على مبدأين أساسيين هما: تحفيز العاملين وأسس إسناد الوظائف.. أي نظام للمراتب الوظيفية وهو المسألة الأهم لجذب الكوادر المؤهلة، وبذلك في حال جذب الكفاءات يمكن أن نحقق نقلة نوعية في الوظيفة العامة والإصلاح الإداري.
والسؤال: لماذا نرتبك كلما وصل المشروع الى موضوع التمويل؟ ونتوجّس من النفقات الكبيرة التي يتطلبها تعديل قانون الوظيفة العامة، وأن ظروف الخزينة العامة لا تسمح، ورغم التوافق بأنه مهما بلغت تكاليف إنجاز مشروع قانون العاملين فهي لا تقاس بالمردود الذي يحققه، ورغم ذلك يتم تأجيل المشروع بسبب التمويل. والسؤال ألا يستحق مشروع الإصلاح الإداري أن نضع له بنداً في الموازنة العامة وأن نستثمر فيه ولو باقتطاع جزء من ميزانيات الوزارات المختلفة والمؤسسات والهيئات التي سيطبق فيها الإصلاح ؟
إن شفافية التشريعات وتحديثها وعصرنتها هي حجر الأساس للنهوض بالاقتصاد الوطني، لكن هذه الجهود مشروطة إلى حد بعيد بالمشروع الوطني للإصلاح الإداري، وعمود هذه التشريعات قانون العاملين، ونعتقد أن تمويله جزء لا يتجزأ من نجاح الملفات الاقتصادية المطروحة وإلا ستكون كل التوصيات والمقترحات معطلة وتؤدي الى المزيد من العجز المادي، فإدارة التغيير هي من سيحدد نقاط القوة والضعف في مرحلة إعادة الإعمار.