ما يدريك لعلها ليمونة!؟
يقول أحد الحكماء: اصنع من الليمونة الحامضة شراباً حلواً، والقصد أن تتحكم بالظروف من حولك وتتحكم بخيوطها لتكون في صالحك وذلك بدلاً من أن تجعل نفسك ريشة تتقاذفها الظروف يمنة ويسرة.
كنت أتأمل في معاني هذه الحكمة وأنا أنظر الى شجرة الليمون الصغيرة في الحديقة المجاورة التي اجتمع حولها بعض العمال لاقتلاعها تمهيداً لتحويل الساحة الخلفية في الحديقة إلى مرآب للسيارات.. بدت شجرة الليمون الجميلة تستجدي البقاء، فلعل أوراقها الزكية الرائحة وسيرتها العطرة تشفع لها، ولعل ثمار الليمون التي طالما أنعشت قلوباً متعبة ضاقت أنفاسها فمنحتها الليمونة الصفراء الدواء والشفاء علّها تحنن القلوب التي أعمى أبصارها بريق المصالح!
لاشك بأن اقتلاع ليمونة تشرق في أغصانها الحياة ليس بالأمر السهل، فالعامل كان يقف أمامها ويتأملها ولعله تعاطف معها، لكنه لم يكن صاحب القرار، فما كان منه إلا أن يقتلعها من جذورها ويفكر إذا ما كان بالإمكان إعادة زراعتها في مكان آخر.
وكأن قدر الليمونة الصغيرة أن تصادفها أيادٍ محناة بالجمال والإبداع تلقفتها مجموعة من خريجي الفنون التشكيلية واحتوتها حتى حين إلى أن خرجت تحف فنية جميلة تحكي قصص الطبيعة وحكايات كائناتها.
كان قلبي ينفطر ألماً على الليمونة الصغيرة كلما نظرت إلى مكانها الفارغ إلا من السيارات المستهلكة، إلى أن وصلتني دعوة من أحد الأصدقاء لحضور معرض تشكيلي من القطع الخشبية التي تحاكي الطبيعة، وهناك وجدت ليموتني كأنها ليمونتي، كانت القطع الخشبية المنحوتة تشكل نفسها كما لو أنها مازالت نابضة خضراء تتيه جمالاً في الطبيعة، فالأيدي الجميلة قامت بتشذيبها من دون أن تغير كثيراً من ملامحها ما أعطاها أشكالاً تجريدية جديدة يجد المتأمل فيها مساحة كبيرة للتخيل.. فهذه قطعة ملونة شُكلت منها أكواخ خشبية جميلة بدت كأنها تعانق بعضها بعضاً، وثمة لوحة تشبه طائراً يفتح جناحيه ليطير في السماء، لكن قصة محزنة تسحبه إلى الأرض، وثمة فتاة ريفية تحمل فوق رأسها شيئاً قد تخيلته يشبه الأمل وتنطلق نحو الحياة بثقة وهدوء .
لا يملك كل منا إلا أن يسأل نفسه: هل أنت قادر على الإبداع واستلهام الجمال مما حولك؟ ما أحوجنا الى البحث عن الجمال في المناطق البعيدة والقريبة المختبئة في زوايا أرواحنا وقلوبنا وأفكارنا ولدى الآخرين من حولنا.. لابد أن ثمة جمالاً حقيقياً لدى كل إنسان قد لا يظهر للعين المجردة إلا بعد عناء.. لكن السؤال هل نحن نبحث عن الجمال، أم إننا أصبحنا نبحث فقط عن الأخطاء؟ ولكل نصيبه مما يسعى.