سلطان العاشقين!
قرونٌ مرت.. ولا تزال الكلمات تطفئ ظمأ من يشتاق إلى صدق القلوب و رقَّتها، ويملك خيالاً خصباً يحلِّق في عوالم ترى فيه العيون ما لا يُرى بالبصر المحدود، وتهيم القلوب ولا أجمل في عوالم تخترق المكان والزمان فتكون قريبةً قرب الروح للجسد وبعيدةً تتخطى الكواكب والنجوم إلى عالم من نور .
عذِّبْ بما شئتَ غيرَ البعدِ عنكَ تجدْ أوفى مُحِبٍ، بما يُرْضيكَ مُبْتَهِجِ
وخذْ بقيَّة ما أبقيتَ منْ رمقٍ لا خيرَ في الحبِّ إنْ أبقى على المهجِ
لِلّهِ أجفانُ عينٍ، فيكَ، ساهِرَة، شَوْقاً إليكَ، وقَلْبٌ، بالغَرامِ، شَجِ
“ما بينَ مُعْتَرَكِ الأحداقِ والمُهَجِ، أنا القَتيلُ بلا إثْمٍ ولا حَرَجِ”
ودَّعْتُ، قبلَ الهَوى، رُوحي، لما نَظَرَتْ عيناي منْ حسنِ ذاكَ المنظرِ البهجِ
قصيدة “عذب بما شئت” كانت ولا تزال من أعذب ما أُنشد من الشعر لكبير الشعراء أبو حفص عمر بن الفارض الذي اشتهر بلقب سلطان العاشقين.
لله ما بين شعر وشعر… شعرٌ يضيع فيه الشاعر وتبقى مشاعره وكلماته، ومابين شاعر يعتلي المنصات ويقول هاؤم أنا المبدع فاقرؤوني وإذا به غارق في أحرف لا يتقن صفّضها ولا يفقه معناها ..
الصدق لا يبلى مهما تطويه السنون وأينما حلّ تكون له الصدارة، والكلمات عندما تتسع بحجم حالات الروح وسفرها تستقر برداً وسلاماً في القلوب التي نبتت نباتاً طيباً ..
ولعلّ عيب الحداثة أنّها تحمل رداءة الأسواق التي تعج بالمنتجات غير الصالحة للعواطف البشرية، وكذلك ما يقال عن منتجات البعض إنها شعر حديث تتبعثر حروفه فوق البسطات وعلى الأرصفة مدعياً أنها لغة العصر، ويغرق الأذواق في الماديات وقد يرتشف المخدرات فتضيع قبل العقول أصحابها، ويريد أن يصل الى القلوب فيصطدم بجدران المقابر وكيف يمكن لما يفنى أن تكون له ذاكرة في قصائد كانت تزين الأرواح قبل الأجساد .
ليست الحداثة هي المشكلة، لكن من يركبون الأمواج ليقفوا أمام الكاميرات ويمنحوا أنفسهم ألقاباً أكبر من قاماتهم ثم يقفزوا فوق الرؤوس ليفوشوا فوق أمواج البحر كالأسماك النافقة ويدّعوا أنهم أرباب القصائد والشعر والأدب، وحين يفتح الناس أوراقهم يجدون أرواحاً محنّطة،وزهوراً اصطناعية ووصفاتِ حبٍّ سامة، وعيوناً مطفأة فيرمون الأوراق في مكبات القرن ويغادرون المسرح …
مابين الرداءة والجمال حقول قمح وغابات صنوبر ورياحين وزقزقة عصافير وأجنحة فراشات ملونة وليس العيب في الوجدان ولا في السمع والبر وإنما هو وجدان وشعور يخرج من القلب ويدخل إلى القلب .