حراك «متصل منفصل» في المنطقة يتوسع بعدة عناوين.. أي تطورات في الأفق وهل من تفاؤل؟.. رفح تتصدر إقليمياً ودولياً والعين على مصر

تشرين – مها سلطان:
في الوقت الذي تتركز فيه الأنظار على رفح، وعلى حركة المسؤولين الأميركيين في المنطقة، وكان آخرها زيارة وليم بيرنز مدير وكالة الاستخبارات الأميركية «سي آي إيه» إلى مصر، والذي سيعود إليها مجدداً في وقت قريب، بعد أن غادرها أمس الأول، وقيل إن الزيارة تركزت على ملف الأسرى.
.. في هذا الوقت ورغم تركز الأنظار على رفح، لا بد من متابعة حراك «متصل منفصل» في المنطقة بدأ يتوسع، بعدة عناوين، وبشكل يبدو معه أن المنطقة مقبلة على سلسلة تطورات، ليست بالضرورة سلبية بمجملها، إذا ما أخذنا بقاعدة «يُبنى على الشيء مقتضاه».. علماً أنه ليس بالإمكان بعد الحديث بشكل واضح عن هذه التطورات باستثناء خطوط عريضة يمكن تتبعها من خلال زيارات وتصريحات وبيانات، وصولاً إلى بعض التفاؤل بخواتيم إيجابية في بعض الملفات.

لا بد من متابعة حراك مستجد في المنطقة وبشكل يبدو معه أننا مقبلون على سلسلة تطورات ليست بالضرورة سلبية إذا ما أخذنا بقاعدة «يُبنى على الشيء مقتضاه»

رفح عنوان متصدر
تستمر رفح عنواناً متصدراً، إقليمياً ودولياً، في ظل مصادقة جيش الاحتلال الإسرائيلي على خطة عدوان جديد على رفح، التي تستضيف حوالى مليون ونصف المليون من الفلسطينيين الذين نزحوا من شمال قطاع غزة على وقع عدوان إسرائيلي مستمر منذ أكثر من أربعة أشهر «منذ عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول الماضي» إضافة إلى أهلها، ورغم كل ما يُقال عن خلافات أميركية- إسرائيلية حول العدوان، وصلت إلى حد الأزمة التي تهدد بقطيعة بين إدارة الرئيس جو بايدن ومتزعم حكومة الكيان بنيامين نتنياهو، على ذمة الإعلام الأميركي، فإن الكيان يواصل تحضيراته لهذا العدوان، جواً وبراً، علماً أنه بالأساس ينفذ عمليات في مناطق عدة في رفح، شهدت تكثيفاً في الأيام الماضية موقعةً مئات الضحايا والجرحى، وموسعةً من أعداد النازحين.
ويبدو بدهياً القول إن هناك كذباً واضحاً في مسألة الخلافات الأميركية- الإسرائيلية، وأنه يجري تهويلها لأغراض معروفة، والإعلام الأميركي نفسه في جزء كبير منه يتحدث عن هذا الكذب، ويرى أن إدارة بايدن عندما تقول إنها ترسل مبعوثين إلى الكيان لإقناع نتنياهو بعدم تنفيذ الهجوم على رفح، فهي تقول نصف الحقيقة فقط، وترسل هؤلاء المبعوثين إما للاتفاق والتوافق على خطوط الهجوم على رفح «وتجنب أن تكون لذلك تداعيات إقليمية كارثية»، أو إنها لا تفعل ما يكفي للضغط على الكيان لمنع الهجوم، وكل ما يفعله هؤلاء المبعوثون هو التحدث مع نتنياهو فقط ومحاولة إقناعه لكن من دون ضغوط، هذا إذا افترضنا أن إدارة بايدن هي فعلاً ضد الهجوم.. فليس من المنطقي مثلاً وفي ظل حملة إقليمية دولية «أميركية» شديدة ومستمرة تحذر من كارثة الهجوم على رفح، إنسانياً وعلى مستوى الإقليم، أن يستمر الكيان في التحضير لهذا الهجوم – الذي بات قاب قوسين من التنفيذ على الأرض- من دون ضوء أخضر أميركي.

ليس أمراً قابلاً للتصديق القول إن الكيان «يتمرد» فقط لأن الموسم موسم انتخابات في أميركا.. الانتخابات مهمة بالتأكيد لكنها لا تؤثر في التوافق بينهما بخصوص غزة وخطرها الوجودي على كليهما

وليس أمراً قابلاً للتصديق القول إن الكيان الإسرائيلي يتمرد على الأميركي «وعلى إدارة بايدن» ويضغط عليها، ليفعل ما يريد، فقط لأن الموسم هو موسم انتخابات في أميركا، من دون أن يعني ذلك أن مسألة الانتخابات ليست شأناً مهماً، أو إنها ليست قضية قابلة للأخذ والرد «بمعنى الضغط والابتزاز» بين أميركا والكيان، لكنها بالمقابل ليست مسألة قد تؤثر في الاتفاق الأميركي – الإسرائيلي لناحية أن جبهة غزة وكل ما يتعلق بها «على مستوى الإقليم» باتت مسألة وجودية للكيان الإسرائيلي، والوجود الأميركي في المنطقة.
ولا شك بأن الأميركي والإسرائيلي باتا يقرأان جيداً تغيرات المنطقة المتسارعة، خصوصاً ما تشهده حالياً لناحية الحراك آنف الذكر، وبقدر ما هي جبهة غزة ملف ضاغط على كليهما، بقدر ما هي في الوقت ذاته ورقة ضغط في اليد الأميركية – الإسرائيلية، مع فارق أن أميركا وكيانها مضطران لمسابقة الوقت لتحقيق ما يمكن تحقيقه قبل أن تتحول غزة إلى ورقة منتهية المفعول بالنسبة لهما.

على خط مصر
بكل الأحوال، وحتى تتوضح بعض الخطوط المستجدة في المنطقة، ستستمر الأنظار متركزة على رفح، وعلى مستويين: الأول هو العدوان الوشيك، والثاني هو الموقف المصري في حال تجاوز التهديد الإسرائيلي الحدود وبما يمسّ السيادة والأمن المصريين، وإن كانت أغلب التوقعات ترجح أن الكيان لن يجرؤ على ذلك رغم كل ما يطلقه من تهديدات بتجاوز الحدود واحتلال محور صلاح الدين- فيلادلفيا بالكامل تحت مزاعم أن القضاء على التهديد، «أي المقاومة»، لن يكتمل من دون احتلال المحور وهو ما تعدّه مصر خطاً أحمر يستدعي عواقب كبيرة.
وكان بيان للخارجية المصرية قد صدر أمس الأحد دعا «القوى الدولية المؤثرة إلى تكثيف الضغوط على إسرائيل للتجاوب مع جهود التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار وإنفاذ التهدئة وتبادل الأسرى والمحتجزين»، وتجنب اتخاذ إجراءات «تزيد من تعقيد الموقف وتتسبب بأضرار لمصالح الجميع من دون استثناء»، وأكد البيان رفض مصر «الكامل» أي عملية عسكرية، محذراً من «عواقب وخيمة» قد تنتج عن ذلك.

أميركا لا ترفض العدوان على رفح.. أما «زعم» حماية المدنيين فهو «كليشة» ثابتة في تصريحات بايدن معناها «ليفعل الكيان ما يريد» من دون مساءلة ولا محاسبة ولا خطوط حمراء

وسبق لمصر أن أعلنت مرات عدة رفضها التهديدات الإسرائيلية أو أي إجراءات منفردة، مع اتخاذها سلسلة تدابير وتحصينات أمنية على طول الحدود استعداداً لكل السيناريوهات، حيث لا يمكن الوثوق بالنيات الإسرائيلية ولا الأميركية «حتى لو كانت التحذيرات والمخاوف تتركز على الإخلال باتفاقية «كامب ديفيد» وترتيباتها وما سيتبع ذلك من تداعيات على مستوى العلاقات وعلى مستوى الإقليم».
وحسب وسائل إعلام أميركية فإن مسؤولين مصريين «لم تسمهم» هددوا فعلاً بتعليق «كامب ديفيد» في حال نفذ الكيان عملية عسكرية في مدينة رفح، مشيرة إلى جهود أميركية – مصرية في هذه الآونة «لتهدئة المخاوف المصرية»، وكانت هذه المسألة محور بحث خلال محادثة هاتفية أمس الأحد بين بايدن ونتنياهو، استمرت 45 دقيقة، حيث قال بايدن بعدها إنه «ينبغي على إسرائيل عدم المضي قدماً في عملية عسكرية في رفح من دون خطة ذات مصداقية لحماية المدنيين».
وبقراءة المحللين فهذا معناه أن أميركا لا ترفض العملية الإسرائيلية، أما «زعم» حماية المدنيين فهو «كليشة» ثابتة في تصريحات بايدن، معناها: «ليفعل الكيان ما يريد من دون مساءلة ولا محاسبة ولا خطوط حمراء»، وسبق لبايدن أن سعى إلى حملة تحريض ضد مصر بين النازحين الفلسطينيين في رفح عندما صرح مؤخراً بأن مصر رفضت فتح معبر رفح لإدخال المساعدات لهم، وهو ما ردت عليه مصر فوراً بالتوضيح والنفي.

«سوء تفاهم ودّي»
أما على المستوى الأول المتعلق برفح «لناحية الأنظار المتركزة عليها» فإن العدوان الإسرائيلي الوشيك كان أيضاً مدار بحث رئيسي في محادثة بايدن- نتنياهو الهاتفية، التي قال فيها بايدن لنتنياهو إنه ينبغي ألا تستمر العملية العسكرية في رفح من دون خطة موثوقة وقابلة للتنفيذ لضمان سلامة ودعم أكثر من مليون شخص لجؤوا إليها»، وفق وسائل إعلام أميركية.. وردّ نتنياهو بالقول إنه سيسمح للسكان بالمغادرة قبل بدء العملية، لكنه لم يوضح إلى أين سيسمح لهم بالمغادرة؟
طبعاً هذه العملية تترافق مع حملة تحريض واسعة من الإعلام الإسرائيلي، الذي يرى أن على جيش الاحتلال أن يفعل ما يراه مناسباً، ووفق القناة الـ«14» الإسرائيلية فإن ما بين الكيان وأميركا هو «سوء تفاهم ودّي» ويجب على «إسرائيل فعل ما تراه مناسباً وهو احتلال رفح».

مفاوضات الأسرى
في الأثناء، كشف مسؤول أميركي عن إحراز تقدم حقيقي في مفاوضات تبادل الأسرى والمحتجزين رغم أنه لا تزال هناك «فجوات يجب سدّها»، مشيراً إلى أن هذه المسألة كانت محور أساسي في محادثة بايدن- نتنياهو الهاتفية، حيث شدد بايدن على «ضرورة الاستفادة من التقدم المحرز في المفاوضات لتأمين إطلاق سراح جميع الرهائن في أقرب وقت ممكن».

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار