فقراء الأرياف!!
لنتفق بداية أنّ المواطن الأكثر إنتاجية هو المواطن الأكثر سعادة، وأنّ الشعور بالقوة والاكتفاء ليس أمراً مستحيلاً، وإن كان هناك تفاوتاً بين الناس من أجل تحقيق ذلك الهدف، فالتنمية المتوازنة تؤدي إلى نمو اقتصادي وزراعي مستدام وعمالة بشرية قادرة ومبدعة وحتى مبتكرة، ولعلّ الريف في بلدنا مثالاً، والمؤكد في وقتنا الراهن أنهم الأكثر فقراً، رغم أنهم الأقدر على إدارة دفة زراعتنا لو توافرت لهم الإمكانيات والسبل، وساندتهم السياسات الزراعية الغائبة!
فقراء الريف هم صغار ملاك الأراضي الذين لا يزرعون أراضيهم، وهم العمال المستأجرين لفترة زمنية محددة، ولا ننسى النساء اللواتي دعمن الزراعة، وبذلن الجهد، وهن الأكثر تأثراً بالفقر والحاجة، وبشكل عام تعاني الأسرة الريفية العوز أكثر من سكان المدينة في ظل الانكفاء عن الزراعة حتى للاستهلاك الشخصي، ولكن أليس لتلك النتائج أسباب ومعطيات؟ وهل بادرت الجهات كلها للبحث عن الحلول بعيداً عن تنظير القاعات المغلقة والاجتماعات؟
سنوات الحرب أصابت قطاعنا الزراعي بخسائر كبيرة، ولكن حتى قبل الأزمة عانت زراعتنا بدءاً من استخدام تقنيات الري الحديث والفرز والتوضيب وغلاء أجور النقل والأسمدة وارتفاع تكلفة الوقود، وصولاً إلى غياب التوعية الزراعية والإرشاد والدعم، والنتيجة كانت تضاؤل المساحات الزراعية المستثمرة والمزروعة، وحدوث خسائر مضاعفة على الفلاحين والمستهلكين!
ما يدعو إلى الاستغراب أنّ الملف الزراعي حتى الآن لم ينضج، وأنّ كل ما قيل عن دعم الأسر الريفية لتحسين فرص العيش والإنتاج ما يزال بعيد المنال، أما ما تم طرحه من وعود حول تجاوز المعوقات، وتطوير الاستراتيجيات الزراعية، والحد من ارتفاع تكاليف الإنتاج من أسمدة وبذور ومبيدات وتأمين محروقات بأسعار مناسبة، فيبدو أن تلك الوعود صارت من الأحلام، وكل ما يقال قفز فوق المشاكل وترحيلها إلى قادم الأيام!
لا شكّ لدينا نقص في الموارد وأزمة في الغلاء، والحل في إدارة مواردنا الطبيعية ودفع عجلة الزراعة بكل ما أوتينا من قوة ودعم وخبرات، حينها فقط يمكن لشبح الفقر أن يتلاشى، ويمكن لأي مزارع ومواطن أن يصبح أكثر إنتاجية وأكثر سعادة وبالتأكيد إهدار الوقت ليس في مصلحتنا.