عندما أخطأت التأمين والمعاشات!
تمر الأيام طويلة على المتقاعدين.. يحسبون بالورقة والقلم كيف يوزعون راتبهم الشهري على ثلاثين يوماً ونيف.. ففي هذه السن لا بد من حصة للدواء.. ولا بد من حصة للتنقل.. ولابد من حصة للغذاء.. ولا بد من حصة لأمور طارئة وهي كثيرة .
أمام الصراف تقف سيدة في العقد السابع تنظر يمنةً ويسرى تتحسب من وجود خطر.. أحد ما قد يخطف الحقيبة ويمضي، هكذا يصور لهم ضعف الحال.. لا مجال إلا للحيطة والحذر عند قبض الراتب .
تضع البطاقة وتضغط زر سحب المبلغ، لكن الرسالة تأتي بأن الرصيد لا يكفي.. تسأل فتاة تقف وراءها: ابنتي هل تساعديني، أريد أن أقبض راتبي التقاعدي؟ تسأل الفتاة كم المبلغ؟ تقول : مئة وتسعون ألفاً.. تبتسم الفتاة.. خالة لا يوجد في رصيدك سوى خمسين ألفاً .. تشهق السيدة: كلا راتبي.. أكثر..!! يتملل الواقفون خلفها بانتظار دورهم.. خالة اذهبي وراجعي مؤسسة التأمينات والمعاشات خلف وكالة «سانا» .. وتمشي السيدة بخطوات بطيئة مرتجفة.. هذا هو الشهر السادس ولا يصل من راتبي سوى خمسين ألفاً.. تستند إلى الحائط لتلتقط أنفاسها.. لقد راجعت المؤسسة مراراً وتكراراً, وقالوا ثمة خطأ وسيتم تصحيحه الشهر القادم وتقبضين كل مستحقاتك.. وتنتظر شهراً وشهرين وثلاثة وأربعة وخمسة وكل مرة تراجع المؤسسة يؤكدون أن الأوراق كاملة.. وحين يأتي الموعد وتقف أمام الصراف يكون الجواب: الرصيد غير كاف.. وتفكر بأن عليها من جديد أن تقضي ثلاثين يوماً بخمسين ألف ليرة فقط! وتعاني ما تعانيه بصمتٍ من دون أن تُشعر أحداً.. تحفظ تلك المقولة الجميلة «وتحسبهم أغنياء من التعفف».
أما بعد، فننتقل إلى مؤسسة التأمين والمعاشات.. أيها القوم رفقاً بآبائنا وأمهاتنا من المتقاعدات والمتقاعدين.. تقضون الأوقات بالكلام وتطلبون من الناس الذهاب والعودة كأنهم شباب صغار وهم يعانون ما يعانون من الذهاب ومراجعة مؤسستكم الموقرة، من دون الحصول على نتيجة أو تحقيق المصلحة، ونتوجه إليكم بالسؤال: ألا يحق لهذه السيدة وغيرها ممن ترتكبون بحقهم أخطاء فظيعة أن تقوم بمحاكمتكم ورفع دعوى قضائية بحقكم، لأنكم بسبب غفلتكم وإهمالكم حرمتم هذه السيدة وغيرها من الراتب الذي هو مصدر عيشها لأكثر من ستة أشهر من دون أن يرفّ لكم جفن.. ولو أن المحكمة العمالية تقاضيكم فتحرمكم من رواتبكم بقدر ما حرمتم هذه السيدة وغيرها من مورد رزقها الوحيد حتى الآن ستة أشهر.. وتحاكمون بحجم الأخطاء المريعة في مؤسستكم .
أيها العاملون في مؤسسة التأمين والمعاشات.. لو أنها أمكم، لو أنه الوالد.. لو أنكم تُرفقون بالمتقاعدين.. لو أننا نقاضيكم.. لو أنكم تحاكمون أنفسكم..؟