متى نبلغ نقطة الالتقاء؟!
تقول القصة: إن الغراب والحمامة اختلفا حيث أصرَّ الغراب أنَّ العشبَ أزرق، في حين أكدت الحمامة أنّ العشب أخضر، وحين احتكما إلى النسر أمر النسر بسجن الحمامة وبعد أن طار الغراب فرحاً “بالانتصار” سألت الحمامة النسرَ لِمَ حبستني وأنت تعلم أنَّ العشبَ أخضر..؟ أجاب النسر، نعم العشبُ أخضر، لكنك أضعتِ وقتك ووقتنا في جدالٍ وسجال مع الغراب الأحمق وكان الأجدر بك ألّا تجادلي السفهاء ولذلك أمرتُ بمعاقبتك..
وهكذا باتَ السجال حول أسباب الأزمات من دون النظر إلى حلها ومواجهتها كحوار الطرشان لا يسمن ولا يغني من جوع، كما يبدو أن مسلسل المؤامرات على سورية على شاكلة كتاب مسلسلات “بوليوود” عشرات الحلقات والحلقات بهدف حصد أكبر مبلغ من الإعلانات .. فكل حين نفاجأ بحدثٍ إعلامي تشويشي عدواني يهدف إلى خلق حالة من الترقب والقلق لدى المواطن البسيط لأن المتابع يدرك أن هذه المسلسلات لا طائلَ منها.
وإنَّ أفضل ردٍّ على هذا التشويش هو النظر إلى المستقبل وإلى المباشرة من دون تأخير بإعادة الإعمار ولا تزال لدينا الكثير من الموارد المهمة.. وفي مقدمتها العنصر البشري المؤهل والقطاع المهني والزراعي والصناعي والخدماتي والتعليمي.. لا نريد أن نتكئَ على أرقام الخسائر والأضرار.. وإنما لا بدَّ من الخروج من هذه النغمة الكئيبة وحالة الانتظار لانتهاء المؤامرات للانطلاق باتجاه التعافي الاقتصادي والاجتماعي.. وكأننا في حالة من الجمود والموت السريري للمؤشرات التنموية..!
لا نريد الغرق في حُفر اليأس والسلبية، ونقول إن أفضل وقت للإعلان عن الاستثمار والعمل هو اليوم وليس غداً لأن القطار يسير ولا فائدة من الانتظار، فلا تكاد توجد دولة صغيرة أو كبيرة إلّا ولديها من التحديات ما ينوء بحمله كاهلها, وبدلاً من كيل الاتهامات علينا إصلاح أساليب الإدارة وتقوية الأجهزة الرقابية وإصدار قوانين لمكافحة الفساد وتطوير خدمات المصارف وشركات التمويل وتمكين المشاريع الاستثمارية والتنموية والمحفزات، وبعدها الدعوة لعودة الاستثمارات السورية إلى حضن الوطن.. وبفرض أنَّ الاستثمارات تبحث عن مناخ ملائم فلماذا لا نصنع نحن هذا المناخ، ولماذا نترك المجال للدول الأخرى وغيرها باستقطاب أموال السوريين واستثماراتهم ونكتفي بالعتب واللوم..
إنَّ الأخطاء تبدأ من التشريعات، وبقدر ما تحتاج القوانين الجديدة إلى رجال القانون، تحتاج إلى هيئة خبراء في العمل المنوط التشريع له وإلى مراكز أبحاث.. إنَّ القوانين والتشريعات الجديدة يجب أن تكون بحجم الدولة السورية وليست على مقاس أشخاصٍ أو جهاتٍ معينة، وإذا كنا بعد سنوات من الحرب الظالمة لم نتعلم كيف نحقق العدالة في دولتنا ولمواطننا في كلِّ شبر من الأراضي السورية من دون تمييز، فهذا يعني أنَّ الثغرات التي استغلها الفاسدون ثم أعداء الدولة ستبقى جرحاً مفتوحاً في جسم الوطن وهذا غير مقبول.
إنَّ الحكومة السورية مؤتمَنة على مصالح السوريين وعلى حماية الدولة ولابدَّ من العدالة والعلم والأخلاق قبل وبعد وأثناء إعادة الإعمار.