فاتورة الاستثمارات الخضراء في سورية 2024.. التمويل بالأسهم أم بالديون؟

تشرين- يسرى المصري:

هل يمكن القول إن عام 2024 م هو عام الاقتصاد الأخضر في سورية من خلال التوجه نحو الاستثمار النظيف واستثمار الموارد الطبيعية المتوافرة من مياه ورياح وطاقة شمسية بغية التوفير وعدم الهدر وتخفيف العبء عن الحكومة وتوفير فرص العمل الكثيرة.‏

ما يؤكد هذا التوجه المبادرة الخضراء للتنمية التي تضمنتها الخارطة الاستثمارية الخضراء حيث شملت مشاريع الاستثمار في الطاقة الخضراء وفي العمارة الخضراء وفي الصناعات الخضراء وفي الزراعة والإنتاج الحيواني والوقود الحيوي ومشاريع الاستثمار الأخضر في البيئة وفي دورة الكربون وفي التعليم الأخضر والإدارة الخضراء للنفايات إضافة لمشاريع الاستثمار الأخضر في قطاع النفط (استخراج وتكرير) وفي قطاع الغاز وفي السجيل الزيتي.‏ ولا تخفى أهمية الخارطة الاستثمارية الخضراء في تحقيق الأمن الاقتصادي والاجتماعي وأمن الطاقة والأمن الغذائي والأمن المائي بتنفيذ مشاريع الخارطة الاستثمارية في مجال تطوير حقول النفط بتقنية البلاسما والطاقة الخضراء وضخ غاز الكربون في الأعماق ما يؤمن ما لا يقل عن 15000 فرصة عمل حقيقية إضافة إلى تأمين 3500 فرصة عمل بقيام مشاريع تطوير محطات إنتاج الطاقة الكهربائية العاملة على الغاز بتقنية النانو والطاقة الشمسية. و2500 فرصة عمل بقيام مشاريع إقامة محطات الطاقة الشمسية لإنتاج الطاقة الكهربائية.‏

الاستثمار في البلدان النامية

في قمة المناخ الأخيرة التي عقدت في الإمارات ركز المشاركون بشكل رئيس على قضية تعزيز الاستثمار في البلدان النامية. وخلال المؤتمر ضرب الخبراء عشرات ومئات الأمثلة على مشروعات متعددة للطاقة المتجددة يمكن أن تكون جذابة لمستثمري القطاع الخاص، لكن لم يكن ذلك هو التحدي الوحيد الذي واجه المشاركين في القمة بمختلف أطيافهم، فإحدى القضايا الشائكة ارتبطت بالكيفية التي يمكن من خلالها إيصال الأموال إلى البلدان منخفضة الدخل لمساعدتها على التكيف مع التغييرات المناخية.

الدول النامية تجد الاقتصاد الأخضر حلماً بعيد المنال .. لافتقار البنية التحتية ومخاوف الديون

وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة فإن المستقبل الأخضر سيظل بعيد المنال إذا لم يساعد العالم البلدان النامية على سد فجوة قدرها تريليونا دولار من الاستثمارات المطلوبة للتحول إلى الطاقة النظيفة، وأربعة تريليونات دولار في استثمارات التنمية المستدامة. ورغم تضاعف الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة ثلاث مرات تقريباً منذ اعتماد اتفاق باريس قبل نحو ثمانية أعوام، فقد تم استبعاد الدول الفقيرة إلى حد كبير، وأكثر من 30 دولة نامية لم تسجل استثماراً دولياً واحداً في توليد الطاقة المتجددة منذ اعتماد معاهدة تغير المناخ التاريخية عام 2015، ولم يتجاوز حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في الطاقة النظيفة الذي اجتذبته البلدان النامية في العام الماضي مبلغ 544 مليار دولار وهو أقل بكثير من احتياجاتها.

وإذا كانت قضية مساعدة البلدان النامية لمواجهة التحديات المناخية قضية محورية، فهي لا تعد يسيرة بأي حال من الأحوال، فالحكومات وحدها لا تستطيع تغطية الاحتياجات التي تقدر بتريليونات الدولارات والمطلوب توفيرها لمساعدة البلدان النامية على تطوير بنيتها في مجال الطاقة المتجددة للتعامل مع ارتفاع درجات حرارة الكوكب. وهذا يدعو إلى قيام القطاع الخاص بدور متزايد في هذا المجال الاستثماري، ولكن إلى أي مدى تعد الاستثمارات في مجال البنية التحتية للطاقة المتجددة ذات جاذبية للقطاع الخاص؟ وحتى إذا تم توفير تلك التريليونات من الدولارات الأمريكية فإن القضية الأكثر خطورة، وربما إلحاحاً، هل تمتلك الاقتصادات النامية القدرة على استيعاب الأموال التي تعهد المانحون خلال القمة بضخها في تلك الاقتصادات، وهل تمتلك البلدان النامية آليات اقتصادية تؤهلها لاستيعاب هذا الحجم الضخم من المساعدات، وماذا إذا أربكت تلك التريليونات أو حتى المليارات المتدفقة الاقتصادات الفقيرة نتيجة عدم جاهزية مؤسساتها الاقتصادية والمالية لاستيعاب تدفقات مالية بهذا الحجم؟ في الوقت الحالي تعكف مجموعة من الدول الغنية على إعداد خطة لضخ مزيد من الأموال سنوياً إلى البلدان النامية للمساعدة في مجال التغير المناخي، ولا شك أن ذلك يمثل طوفاناً من الاستثمارات الأجنبية، حيث تقوم المؤسسات الاستثمارية الكبرى بالدور الرئيس في تحديد المسارات الخاصة بكيفية استثمار تلك الأموال، وسيكون هدفها الرئيس توفير التمويل على نطاق واسع لمشروعات الطاقة المتجددة والبنية التحتية لحماية الدول الفقيرة، خاصة الجزر من ارتفاع منسوب مياه البحر والجفاف وغيرها من ظواهر الاحتباس الحراري.

من جهتها، تقول الدكتورة باربرا بلدينج أستاذة التنمية الدولية في جامعة كارديف: “التدفقات الرأسمالية الضخمة دون أن تكون هناك بنية مالية واقتصادية جاهزة لاستقبالها تكون أضرارها الاقتصادية شديدة الخطورة. الدول الفقيرة ذات الاقتصادات المحدودة من حيث الحجم أو التنوع تفتقر لتلك المؤسسات، وحتى إن توافرت بعض تلك المؤسسات فإنها تفتقر إلى القدرة على توجيه الأموال إلى الاستثمار الإنتاجي، وفي الأغلب ستقع تلك الأموال في فخ الاستثمار الاستهلاكي، وسترفع من معدلات التضخم المحلي. الأمر يتطلب تفكيراً متأنياً للغاية فيما يتعلق بكيفية هيكلة التمويل”.

تتعرض وجهة النظر تلك لانتقاد حاد من عدد كبير من أنصار البيئة، ويرون فيها وسيلة من البلدان المتقدمة لعدم تنفيذ التزاماتها الدولية المالية بمساعدة البلدان الفقيرة، ورغم عدم إنكار هذا التيار للملاحظات الخاصة بضعف بنية المؤسسات المالية في البلدان النامية، وعدم قدرتها على استيعاب تدفقات استثمارية ضخمة خلال فترة زمنية قصيرة، إلا أن ذلك لا ينفي وجود عديد من الحلول للتغلب على تلك المشكلة.

دون الربط بين قضية التنمية والتخلص من الديون والمناخ.. فإن الجهود الدولية للتصدي للتغير المناخي لن تؤتي أكلها”

بدوره، يقول أدام كونار الخبير الاقتصادي الاستشاري السابق في الأمم المتحدة: “إرسال هذه الأموال على شكل أسهم بدلاً من الديون، يقلل الأخطار التي تواجه الدول الفقيرة من تدفق ضخم لرؤوس الأموال في الأمد القصير، كما أنه يربط المستثمرين الأجانب بمشروعات الطاقة المتجددة في تلك البلدان على المدى الطويل”.

ويضيف: “لكن هذا سيتطلب بالطبع مزيداً من الاستقلالية القانونية للمؤسسات الاقتصادية والمالية في البلدان النامية، لتشعر رؤوس الأموال الأجنبية بالأمان، وبأن الحكومات لن تتعسف في التعامل معها في لحظات الأزمات الاقتصادية”.

مع هذا فإن تيار الخبراء الغربيين الذي يعرب عن مخاوفه بشأن التأثير السلبي لتدفقات مالية ضخمة على البلدان النامية لمساعدتها على مواجهة تحديات التغيير المناخي دون أن تكون مؤهلة مالياً واقتصادياً لاستيعاب تلك الاستثمارات، يرى في تقلب العملات المحلية لأغلب الاقتصادات النامية دليلاً آخر على أخطار تلك التدفقات النقدية.

تقلب العملات في العالم النامي

من ناحيته، يقول ساندرسن ولينجتون الخبير الاستثماري، “يشكل تقلب العملات في العالم النامي مشكلة أخرى، فعادة تبنى مشروعات الطاقة المتجددة في الاقتصادات النامية عبر الاعتماد على الديون المقومة بالدولار أو اليورو، وحصة المساهم الأجنبي في هذه المشروعات تكون بالعملة الأجنبية، تلك الالتزامات الضخمة بالعملات الأجنبية توجد لاحقاً أزمات مالية نتيجة تراجع قيمة العملة المحلية، ما يزيد أقساط فوائد الدين، كما أن زيادة الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة كما حدث العام الماضي ترفع تكاليف الاقتراض في الدول الفقيرة”.

مع هذا فإن تجربة الاقتراض بالعملة الأجنبية في الدول الفقيرة تكشف أن المشكلة تبرز بشكل حاد عندما تكون الديون قصيرة الأجل أو في استثمارات يمكن أن تغادر البلاد سريعاً فيما يعرف بالأموال الساخنة.

ويلفت كامبل سلتر الخبير المصرفي إلى أن “الحل يكمن في إنشاء صندوق مالي يساعد على تقديم ديون ميسرة للغاية للدول النامية بفائدة منخفضة ولآجال زمنية طويلة، مع ضمانات للتعامل مع الانخفاضات التي تحدث في قيمة العملة المحلية، هذا يضمن تخفيف مخاوف المستثمرين، ومن جانب آخر يساعد على الحد من عدم الاستقرار الناجم عن سحب المساهمين الأجانب أموالهم مع كل هزة مالية تحدث في البلدان النامية”.

يفتح هذا الجدل الباب على مصراعيه على ما يعده البعض خذلاناً اقتصادياً للجهود العالمية في قضايا المناخ، فبينما يصر المسؤولون على الالتزام بتأمين المساعدات المناخية للعالم النامي، وتنفيذ تعهده بتقديم 11.4 مليار دولار سنوياً مساعدات مناخية بحلول عام 2024، على أن تقدم إداراته عام 2023 نحو تسعة مليارات دولار أمريكي، وأن يتم تخصيص الجزء الأكبر من هذه الأموال من خلال صناديق المناخ متعددة الأطراف، إضافة إلى القروض وغيرها من أشكال التمويل لمشروعات الطاقة النظيفة أو من خلال مؤسسة تمويل التنمية الدولية. فإن السؤال الأكثر تعقيداً وإلحاحاً في الوقت ذاته، هل يمكن للدول المتقدمة أن تلتزم فعلاً بتنفيذ ما تعهدت به.

من جهتها، تقول الدكتورة كلير بالدينج أستاذة العلوم السياسية في جامعة مانشستر الاقتصادية: “المشكلة في قضية المناخ أن الولايات المتحدة ليست شريكاً موثوقاً به بالنسبة لكثيرين، والعديد من المشرعين في الولايات المتحدة ليس لديهم قناعة بقضايا التغيير المناخي، ولا يريدون إنفاق أي أموال على تلك القضية، ويحاولون أن يجدوا مبررات لوقف التمويل، بدءاً من طرح شكوك حول الفكرة ذاتها بأن المناخ يتغير، أو التقييم المبالغ فيه في حجم البيروقراطية والفساد داخل المنظمات الدولية المعنية بهذا الملف وفي مقدمتها الأمم المتحدة، أو بروز تيار من أقصى اليمين الأمريكي يدعي أن الدول النامية لا يوجد لديها قدرة حقيقية للاستفادة من المليارات التي ستضخ في اقتصاداتها للتحول إلى الطاقة المتجددة”.

وتضيف: “دون إبراز جدية حقيقية في التعامل مع الجوانب التمويلية لقضية التغيير المناخي، وتمويل قوي وسريع للبلدان النامية والفقيرة عبر الربط بين قضية التنمية والتخلص من الديون والمناخ، فإن الجهود الدولية للتصدي للتغير المناخي لن تؤتي أكلها”.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار