الفنان عبد الهادي شماع: فنُّ الكاريكاتور في مرحلةٍ حرجة بعد انهيار تحالفهِ التاريخي مع الصحافة المأزومة أصلاً!

تشرين- جواد ديوب:
رسامُ كاريكاتور معجونٌ بهموم مواطني بلده رغم اعتزاله للكاريكاتير السياسي منذ أكثر من 30 عاماً بقرار حازم ونهائي! إلّا أن تفاصيلَ معينة تتسرب بين العناصر والخطوط من دون قصد ربما -حسب تعبيره- لتشي برأيه السياسي وموقفه من حدثٍ يجري هنا أو كارثة وقعت هناك… وما زالت تقع!
هو ابن مدينة حلب، خريجُ كلية الفنون الجميلة سنة 1982 استهواهُ فنُّ الكاريكاتور بوصفه “أحد مضاداتِ الثرثرة، فهو إذ يجازفُ في تقطير الخبرة، واختزال الأفكار؛ إنما يضيءُ الذاكرةَ، ويذكي الخيالَ؛ وتالياً يتيح للمتلقي حصةً في الإبداع والمعرفة”.
وبمناسبة صدور نتائج “المسابقة الكاريكاتورية العالمية” التي اختارتْ “وجهَهُ” كموضوع لها، نسأله أن يوضح لنا معلوماتٍ ضرورية بدايةً:

*كيف بدأت فكرة المسابقة ومَن هي الجهة المنظمة؟ وكم عدد الرسامين المشاركين وما هي النتائج؟
**ذات مساء، قبل أكثر من عام، اتصل بي الفنان “فوزي مرسي” مدير موقع Egypt cartoon وهو شخص لم ألتقِ به يوماً، لكنه يحتفظ لي بأرشيف قديم لا يتوفر بعضه حتى لديّ، كانت بيننا بعض اتصالات نناقش فيها مواضيع -ذات اهتمام مشترك- اتصل ليناقش معي فكرة إقامة مسابقة للبورتريه الكاريكاتيري -وكانت قد أقيمت في مصر في تلك الفترة عدة مسابقات للبورتريه الكاريكاتيري كان موضوعها يدور حول أَعلام الأدب والسياسة مثل: نجيب محفوظ، طاغور، عبد الناصر…لكن هذه المرة عن رسام كاريكاتير لا يزال على قيد الحياة، وذلك لكسر التقليد المعتاد في تكريم الأَعلام بعد وفاتهم. أعجبتُ بالفكرة وفرادتها، وأبعادها المؤثرة لدى الراسم والمرسوم، وذكرتني بأيام دراستي في كلية الفنون حين كنا نتدرب برسم بعضنا أو أساتذتنا على مبدأ (رسامٌ يرسمُ رساماً)، إلى ذاك كنت أعتقد أنه بهذا الاتصال إنما كان يمهد لدعوتي للمشاركة وهو يعرف أني مبتعد عن المسابقات بكافة أشكالها، لكنه قال إنهم اتفقوا أن أكون أنا موضوع النسخة الأولى من (مسابقة الكاريكاتير الدولية) التي يقيمها موقع “Egypt cartoon” بالتعاون مع مجلة “tomato cartoon” لقد فاجأني هذا التفصيل، ولم أجد وقتها سبباً مقنعاً للاعتذار.
*وكيف استقبلتَ فكرة التكريم بهذه الطريقة وأنت فنان كاريكاتور أصلاً؟ هل وجدتها فكرة لامعة ومميزة وجديدة أم فكرة مكررة ومطروقة من قبل؟
**في البداية كنت متحفظاً على ذلك الترشيح، وخشيتُ أن هذه المسابقة لن تلقى النجاح لسبب أنها تدور حول رسام غير مهتم بالمواضيع العمومية التي تتمحور حولها معظم المسابقات العالمية، بل ومغرق بالشأن المحلي لبلده وقضايا ناسه وغير معروف في الوسط “المسابقاتي”، وهو الوسطُ نفسُه المدعوُّ للمشاركة في المسابقة، ولكن اشتراك (214 فناناً حول العالم) كان كافياً ليبدد مخاوفي، بل ويشعرني بالسعادة، خصوصاً أن بعض المشاركات كانت مذهلة “مشغولة بقلب ورب” وفيها إبداع لافت وجميل. وقد فاز بجائزتها الأولى: الفنان عمر زيفالوس Omar Zevallos من البيرو، إضافة إلى (ستّ جوائز شرفية) لفنانين من: البرتغال- إيطاليا- تايوان- الصين- البيرو- ومصر.
*خلال محادثتي معكَ ذكرت لي شيئاً لافتاً يتعلق برؤيتك الشخصية لـ “فكرة الإبداع”، بمعنى أنك تفضل أن تكون في خلفية المشهد وليس في مقدمته، أن تكون أنت “مخرج/صانع” الحدث وليس الحدث نفسه… هل لذلك تفسيرٌ نفسيٌ نابعٌ من خجلك وتواضعك ربما أم هو تفكيرٌ واعٍ ومقصود له علاقة بفهمك لأهمية “المنتج الإبداعي” النهائي وليس “المبدِع” في ذاته؟
**كانت المسابقة محرجة لي على الصعيد الشخصي لأنها دفعت بي لواجهة مشهدٍ ما في الوقت الذي اعتدتُ فيه على إدارة مجمل تفاصيلي الذهنية وجوانب التعبير لدي من خلف الشخصيات التي أرسمها وأُنطِقُهَا بما أريد، تماماً كالذي يفعله مخرج المسرحية حين يكون هو كاتبُ النص أيضاً، وهذا بحد ذاته له عندي منظورٌ إشكالي من مستوى آخر، إذ لا أستطيع فهم جهود فريق -قد يكون كبيراً- يعمل كي يحصد الممثل/ المغني/لاعب كرة القدم… التقديرَ والمالَ والشهرةَ، بينما يغيبُ هذا عن الصناع الحقيقيين لهذا الإنجاز! وأنا أعرف أنّ ذلك يعود لأسباب تجارية واستثمارية ظالمة، فالممثلُ النجمُ يُشعِلُ شباكَ التذاكر، ويحرك سوق الإعلانات، والمغني يحقق لشركته المنتجة الملايين، ولاعبُ الكرة وخصوصاً المهاجم الهداف فإنه يجذب كل شيء ويحقق الملايين لناديه وللمعلنين ولمحطات التلفزيون ولشركات إنتاج الأدوات والألبسة الرياضية، وربما لباعة البسطات الذين يبيعون النسخ المقلدة من قميصه.

ربما كانت هناك بعض المحاولات الخجولة عالمياً لتعديل الميزان المائل والتي جرت في القرن الماضي عبر مسرح (بريخت، أونيسكو، بيكيت، برانديللو) حيث كان النص هو البطل، تلتها ظاهرة “سينما المخرج” على يد أنطونيوني وبازوليني بيرغمان اندريه فايدا وودي آلن وغيرهم، ولاحقاً ظهرت سينما يوسف شاهين ومحمد ملص في منطقتنا، كلها كانت محاولات طيبة، لكن “سطوة رأس المال” أعادت جمع الخيوط إلى يد المنتجين، وعملت على “إعادة تصنيع النجوم واستثمارهم حسب متطلبات السوق”، وفي هذا شكل من أشكال الاستغلال وعدم الإنصاف بل والظلم. في النهاية وحين تُختصر القضايا أمامي إلى خيارين وحيدين، أختار أن أكون مظلوماً لا ظالماً على مبدأ القول المصري الشعبي الشهير: يا بخت اللي بات مظلوم.
*أمام ما وصفته بالمحاولات لتعديل الميزان المائل…أين برأيك أصبح فن الكاريكاتور في سورية؟ هل له التأثير المرجو منه؟
**برأيي إنّ الكاريكاتير عالمياً يمر اليوم بمرحلة حرجة، تتمثل بانهيار التحالف التاريخي مع الصحافة التي تشهد بدورها أزمات متعددة الجوانب، وهذا دفع بالكاريكاتير للانكفاء نحو المعارض والمسابقات وبالتالي حصر حضوره فيما بين “أولاد الحارة ذاتها” وبدأ يفقد تأثيره كوسيلة إعلام ومُشكّل مُساعدٍ للرأي العام، بل بدأ بالابتعاد عن الراهن باتجاه اللا زمان واللا مكان، أي الاتجاه أكثر نحو الفانتازيا والمفارقات الطريفة التي لا تنتقد بقدر ما تقدم لقطة فكاهية، ولابدّ من الإشادة بالصحف التي ما زالت مصرّة على تواجد الكاريكاتير على صفحاتها –على قلتها- باعتباره شكلاً من أشكال السباحة ضد التيار, ومنها صحيفة “الوطن” وصحيفة “تشرين”… إضافة للعودة القوية لكاريكاتير الوجوه والشخصيات.
*إذاً كيف ترى مستقبل فن الكاريكاتور مع الثورات التكنولوجية المتتابعة التي غيرت مفهوم الرسم والصورة والسينما… وربما الفنون كلَّها؟
**أعتقد أنّ الكاريكاتير كفنٍّ هو في مرحلة انتقالية غير واضحة المعالم حتى الآن لكنها تعيد إنتاج مفهوم الكاريكاتير وفق معايير مختلفة هي قيد التشكل، وأنا أعتقد أنه يفتح نافذة نحو التقنية الرقمية ومجالاتها غير المحدودة ربما بالتحول إلى “الكوميك” ووسائل التقنيات الحديثة الأخرى المنتشرة على وسائل التواصل. طبعاً هناك مشكلة تخص رسامي الكاريكاتير العرب عموماً (ومن في حكمهم) في علاقتهم مع المواقع الالكترونية التي لا تتعامل مع الكاريكاتير كما يجب، بل تُفضّل -على ما يبدو- “نقل” ما هو منشور في الصحف وفي مواقع الرسامين من دون أي حرج ومن دون أي تعويض، بسبب غياب القوانين التي تحفظ الحقوق الفكرية للرسامين وغيرهم.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار