إنّها محطّة أخرى في ملاحم الإبادة البشرية

تشرين- إدريس هاني:

يضعنا د. منير العكش الباحث الأمريكي من أصول عربية، من خلال أعماله التخصصية حول الإبادة أمام مشهد مرعب، لذا كان يستحق العناء، التحقيق هنا يذهب إلى نهاياته، الإبادة الجنسية، تعطينا فكرة تتجاوز وضعية الهنود الحمر – موضوع تحقيقات منير العكش- عن 400 سنة من الحروب على الفقراء والمستضعفين في الأرض.

إنّه الجشع، حيث وجد «صناديد ثروة الأمم» في الداروينية الاجتماعية كل مبرراتهم العلمية، إنّ انسياح الإنكلوساكسونية هو في نظرهم حدث إنسانيا فائقاً، بل هو حسب مجلة أنكلوساكسون منذ عددها الأول، أن قدر هذا العرق الإنكلوساكسوني أن يحكم الشرق والغرب.

يتعين على الجميع في نظر البربرية الجديدة أن نصفق لعملية الإبادة، إنها عمل إنساني جبار، هذه المشاهد التي تطرق إليها منير العكش، ما كانت يومها لتقنعني حين أهداني أعماله النفيسة، لقد انتابني إحساس دعاني للحذر من المبالغة، على ما تضمنته من حقائق مهمّة وأسلوب خلاّب، هل حقّا توجد كائنات بشرية تحمل كلّ هذا الاستعداد للإجرام والضغينة؟

بلى، أحداث غزّة تؤكّد مضمون هذا العمل الملحمي الكبير، الذيبات واقعيّاً ومهضوماً، بل تكمن أهميته في ربط الصديق العكش تلك الأحداث بالوضع في الأراضي المحتلة، إنّها قضية واحدة، قضية العنصرية، النواة الصلبة للصهيو..ـنية هي الإنكلوسكسونية، في نظر العكش، يصعب فهم قضية فلسط..ـين بمعزل عن المواجهة مع الغرب.

أنطلق من هذه الحقيقة، لأؤكد بدوري أنّنا نعيش ذروة العنف العنصري الذي فضحته أحداث غزّة، وفي الوقت نفسه، هي ذروة الشّطط الذي يعقبه الفشل، إنّ التقنية وحدها لن تغيّر ملامج جغرافيا مأهولة بدلالات رمزية، إنّ بداية انفراط العقد الاجتماعي داخل كيان عاش على ملحمة من الإيهام بأنّه يستطيع من خلال ذُهان القوة أن يستعيد مثال الإبادة، هي إذن حرب داروينية يتحدد فيها الحق بالعنصرية.

الحرب في غزّة هي محطّة في حرب مفتوحة على فكرة العدالة والمساواة والحقيقة، في عالم يوهم نفسه بأنّه منتظم في أسرة دولية تعمل على إشاعة محتوى عهدين دوليين من الحقوق، ومواثيق تحثّ على السلام، لقد انهار كل شيء، فالعنصرية كشرت عن أنيابها، القرن الواحد والعشرون بات قرنا للإبادة، انهيار النظام الدولي، تحت أنظار العالم شعب يُباد بطريقة وحشية، ولكنه احتلال يتمتع بدعم الغرب غير المنقطع، ليس لأنّ الغرب يدرك لا جدوى الحرب على المدنيين، بل لأنّ الغرب نفسه أفلس في موضوع القوة الناعمة، وكشف عن وجهه الآخر، كآخر وريث للهمجية.

أي سفر يتسع لوصف ما يجري اليوم في غـ..ـزة، هذا الجرح المفتوح، هذه السيول من دم شعب ذنبه الوحيد، إصراره على الوفاء لجغرافيته، لنسقه الرمزي، كم يحتاج مجلس الأمن من الوقت لكي يقول كلمته الحاسمة في أمر هو معلوم من القانون الدولي بالضرورة؟ إنّه حقا أكبر مؤشّر على إلحاحية قيام نظام عالمي جديد.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار