رغم كثير عنائه وجهده لتسجيل حضور على ساحة الفعل الدولي، ولو بالحد الأدنى، إلا أن الحظ العاثر لا يُفارق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وبدلاً من تحقيق هذا الهدف فإن ماكرون لا يسجل سوى حالة تراجع مُزمنة ومُذلة، ولا ندري ما إذا كان ذلك يعود فعلاً إلى الحظ العاثر أم إلى سياسات غير ناجحة رغم عدم دقة التعبير والتوصيف (وحتى لا نقول غبية) بمعنى أنها سياسات لا تبدو متوازنة أو مدروسة أو لنقل أنها سياسات لا تبدو متناسبة مع دولة كفرنسا يُفترض أنها من ضمن أقوى ثلاث دول أوروبية (إلى جانب بريطانيا وألمانيا).. ويُفترض أنها صادرة عن «رجل دولة» وإدارة تضم نخبة المستشارين والخبراء، اللهم إلا إذا كانت هذه الإدارة على شاكلة رئيسها ماكرون عندما يتعلق الأمر بالسياسات الفرنسية الدولية وبصورة فرنسا في الخارج، والتي هي اليوم في أبشع حالاتها، وهذا الأمر ينسحب طبعاً على منطقتنا، خصوصاً بعد عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول الماضي، والعدوان الإسرائيلي الوحشي المستمر على قطاع غزة منذ ذلك التاريخ.. ومنذ ذلك التاريخ يحاول ماكرون- دون جدوى- تسجيل حضور له، ربما لأنه يفعل ذلك وفق السياسات نفسها غير الناجحة، آنفة الذكر، ودون أن يتعلم من فشلها حتى الآن.
حتى بوابة العبور الوحيدة أمام ماكرون (للقول إن فرنسا لا يزال لها بعض الحضور في المنطقة) تكاد تغلق في وجهه، أو هو مضطر لإغلاقها، أو بعبارة أدق عدم العبور منها، ونقصد هنا لبنان الذي كان من المقرر أن يزوره ما بين 21و 23 كانون الأول الجاري، لمشاركة الجنود الفرنسيين (ضمن قوة يونيفل) أعياد الميلاد، لكن المخاوف الأمنية المرتبطة بالوضع غير المستقر في جنوب لبنان، منعته، وفقاً لبيان قصر الإليزية، ففضل تحويل الزيارة إلى الأردن.
والمقصود هنا الجبهة المفتوحة بين المقاومة اللبنانية /حزب الله/ والكيان الإسرائيلي، ويبدو أن ماكرون غير واثق من أن الكيان لن يستهدف مواقع “يونيفل” أو الجيش اللبناني خلال تواجده مع جنوده، كما فعل غير مرة، منذ بدء عدوانه على غزة الممتد منذ شهرين ونصف تقريباً، ولذلك فمن الأفضل عدم المخاطرة.
ما يبدو مستغرباً أن ماكرون (والإليزيه) في صورة الوضع تماماً، ومع ذلك تم الإعلان عن زيارة له إلى لبنان، فهل أن الإليزية لم يحصل من الكيان الإسرائيلي على ضمانات أمنية كافية لسلامة ماكرون وسلامة جنوده، فوجب إلغاء الزيارة؟.. هذا أكثر تفسير منطقي للأمر.
طبعاً نحن هنا لا نتطرق إلى أهداف الزيارة الأخرى، والتي لا يمكن إلا أن تكون المقاومة اللبنانية على رأسها، علماً أن ماكرون يبدو متطوعاً من نفسه (دون طلبٍ من أحد) للقيام بمثل هذه المهمات، ومع ذلك يفشل في كل مرة.
ما زاد وضع ماكرون سوءاً، أن وزيرة خارجيته كاثرين كولونا، أجلت (أو ألغت) هي الأخرى زيارتها التي كانت مقررة إلى لبنان أمس، وحسب المتداول فإن إلغاء الزيارة «نتيجة عطل طارئ» في طائرتها، وكان من المقرر أن تزور الكيان ورام الله، وتدعو إلى «ضبط النفس» و«المسؤولية» حسب المتحدث باسم الخارجية الفرنسية كريستوف لوموان.
ولم يقل لوموان إذا كانت الدعوة ستشمل الكيان الإسرائيلي، أم إنها تخص فقط الفلسطينيين والمقاومة اللبنانية؟
بكل الأحوال لا يبدو سبب إلغاء الزيارة مقنعاً بصورة كبيرة، فإنها لو كانت إدارة ماكرون ترى أن زيارات مسؤوليها مهمة، بمعنى أن الآخرين/المعنيين، ينظرون لها على أنها مهمة، لما تم إلغاء الزيارة، ولكان من الممكن توفير طائرة بديلة مثلاً.. وأن يأتي الإلغاء على خلفية إلغاء، فهذا يطرح تساؤلات كثيرة.. وإذا ما تحققت زيارة كولونا، على اعتبار أن الزيارة تأجلت ولم تلغَ، فهذا لا يعني الكثير ولا يجيب على التساؤلات حول فرنسا ودورها، وحول أنها لا تريد الاقتناع بأنها باتت خارج المنطقة، قولاً وفعلاً.
مها سلطان
58 المشاركات