«وقف إطلاق النار» من مجلس الأمن إلى الجمعية العامة اليوم.. لماذا؟.. ساليفان إلى المنطقة وواشنطن لا ترفض استمرار الحرب على غزة لشهرين وتصلّي لعدم وقوع «حدث صادم» خلالهما
تشرين – مها سلطان:
بعد الفشل المستمر لمجلس الأمن الدولي في تحقيق وقف لإطلاق النار في قطاع غزة، سيتم الانتقال إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة التي من المقرر أن تعقد جلسة لها غداً الثلاثاء لبحث «مشروع قرار بوقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية» في غزة، وذلك وفق ما نقلته وسائل إعلام عن مسؤولين أمميين ودوليين.
قرارات الجمعية العامة لا تتمتع بالإلزام وأي قرار سيخرج منها لا يعدو كونه إجراء شكلياً لحفظ ماء الوجه بمواجهة استمرار المذبحة الإسرائيلية في غزة
لكن، ومن دون التقليل من شأن التوجه إلى الجمعية العامة، لا بد من التساؤل عما إذا كان أي قرار يخرج منها ستكون له صفة الإلزام كما هي الحال في القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، فمن الواضح جداً أن هذا التوجه سببه التفلت من أي «فيتو» أميركي، كما حدث يوم الجمعة الماضي.
ولأن قرارات الجمعية العامة لا تملك صفة الإلزام، فإن التوجه إليها، وتالياً تمرير قرار لوقف إطلاق النار في غزة، لا يعدو كونه إجراء شكلياً لحفظ ماء الوجه بمواجهة المذبحة اليومية التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي بحق أهل غزة منذ السابع من تشرين الأول الماضي.
ساليفان إلى المنطقة مجدداً
وعلى الأكيد أنه لن يكون لجلسة الجمعية العامة، سواء خرج منها قرار أم لم يخرج، تأثير في زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جيك ساليفان إلى الكيان الإسرائيلي المقررة بين يومي الخميس أو الجمعة المقبلين.
وفيما لا توجد تفاصيل حول أجندة الزيارة أو ما إذا كانت ستشمل دولاً في المنطقة، يبرز تساؤل حول هدفها، وما الذي يحمله ساليفان مما لم يحمله المسؤولون الأميركيون السابقون، إذ إن هذه الزيارة هي الأولى له منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة قبل 66 يوماً.
المجريات والتطورات خلال أسبوع مضى ستقود ساليفان، بلا شك، إلى توسيع زيارته، خصوصاً إلى دول معنية بهذه المجريات والتطورات، أو على الأقل إجراء مباحثات حولها واستشراف احتمالات التعاون والتحرك، وليس خافياً على أحد أن التركيز حالياً على جبهة البحر الأحمر مع توسيع المقاومة اليمنية (أنصار الله) معادلة الدعم لغزة وأهلها ومقاومتها.. وعلى الجبهة العراقية مع اشتداد واتساع الضربات التي توجهها المقاومة العراقية إلى القواعد الأميركية في العراق وسورية، والتي قاربت الـ90 هجوماً منذ 17 تشرين الأول الماضي.
زيارة ساليفان تأتي في ظل استمرار الحديث عن «رغبة» أميركية في إنهاء الحرب على غزة نهاية هذا الشهر، يقابلها إصرار إسرائيلي على الاستمرار فيها، لكن هذه الرغبة لا تفسد الدعم الأميركي المطلق، العسكري والسياسي، المُقدم للكيان الإسرائيلي وحربه على غزة، كما أن الولايات المتحدة، كما يبدو، مستمرة عند حدود إبداء الرغبة من دون التحول إلى ممارسة الضغوط، وعند حدود تحذير الكيان من أن حربه بلا جدوى حتى لو استمرت أشهراً أخرى، بل هي على العكس بدأت توسع دائرة الإدانة والاتهامات للكيان ومعه الولايات المتحدة وبما يضاعف الضغط الدولي الذي يتوسع بصورة كبيرة جداً، سواء منه السياسي أم الشعبي، ويكاد كلاهما يتكاملان حتى في الدول التي تؤيد الكيان في عدوانه الوحشي على غزة.
بين واشنطن والكيان
ورغم أن الحديث يستمر عن المهل الأميركية لإنهاء الحرب على غزة، إلا أن إدارة الرئيس جو بايدن لا تحدد فعلياً وبصورة جازمة حاسمة للكيان متى عليه أن ينهي حربه، لكنها تشير إليه بأن الوقت محدود ومن الضروري إنهاء الحرب في أسرع وقت، وبأقل عدد ممكن الضحايا المدنيين، حسب ما يقول مسؤولون أميركيون.
إدارة بايدن لا تحدد فعلياً وبصورة حاسمة للكيان متى عليه أن ينهي حربه لكنها تشير إليه بأن الوقت محدود ومن الضروري إنهاء الحرب بأسرع مدة لأن الوقت ضاغط وليس في مصلحته
لكن هذا الحديث هو أقرب للتمني على الكيان، أكثر منه الرغبة والنصح، وبدقة أكثر هو حديث لا يُعتد به، بمعنى أنه حديث للتداول والتسويق الإعلامي أكثر منه نية أميركية حقيقية بوقف العدوان، وكل ذلك الحديث عن الاختلاف بين الكيان وواشنطن على العدوان وفترة استمراره هو حديث غير منطقي، ولا تبدو قابلة للتصديق مسألة أن واشنطن غير قادرة على ممارسة ضغط مؤثر وحاسم على الكيان لوقف عدوانه.. الجميع بات مدركاً أن الولايات المتحدة هي الجذر الأساس للعدوان واستمراره، وفق تعبير وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان.
وفي أحدث دليل على ذلك، تصريحات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في إفادة صحفية أمس، رداً على سؤال حول ما إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة للاستمرار بدعم الكيان الإسرائيلي إذا استمرت الأعمال العسكرية أشهراً.. بلينكن قال من دون تردد: بالطبع، مشيراً إلى أن «إسرائيل» تواجه تهديداً خطراً وهي بحاجة إلى هذه الحرب على غزة حتى تتأكد من عدم تكرار هجوم مماثل لهجوم 7 تشرين الأول الماضي.
وزاد بلينكن بالقول: إن الولايات المتحدة تناقش جميع القضايا مع الكيان الإسرائيلي بما في ذلك توقيت وتفاصيل الأعمال العسكرية في قطاع غزة.
هذا كلام واضح وصريح من بلينكن، وغيره كثير يصدر عن معظم المسؤولين الأميركيين، ولا نعتقد أن أحداً يحتاج مع مثل هذه التصريحات إلى التشكيك بأن الولايات المتحدة هي شريك كامل في العدوان على غزة.
22 ألف قنبلة في 45 يوماً
صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية كشفت في أحدث تقاريرها عن أرقام استخباراتية تظهر أن الكيان الإسرائيلي أسقط على غزة في أول 45 يوماً من الحرب أكثر من 22 ألف قنبلة مقدمة من الولايات المتحدة، مؤكدة أن إدارة بايدن لا تجري أي تقييم لمدى التزام الكيان الإسرائيلي بقوانين الحرب (وهذا يتناقض كلياً ما تدعيه إدارة بايدن من مطالبتها الدائمة للكيان بالتقليل من حجم الضحايا المدنيين).
وأضافت الصحيفة: إن الأرقام الاستخباراتية التي أُرسلت إلى الكونغرس كشفت أنه خلال شهر ونصف الشهر من الحرب زودت أميركا الكيان بما لا يقل عن 15 ألف قنبلة، بما في ذلك حوالي 907 كيلوغرامات من القنابل الخارقة للتحصينات، وأكثر من 50 ألف قذيفة مدفعية عيار 155 مم.
وتنقل «واشنطن بوست» عن مسؤولين أن إدارة بايدن لم ترفض أي طلب عسكري للكيان الإسرائيلي، ولم يتم التفكير أبداً بقطع المساعدات العسكرية عنه.
وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد زعمت الأسبوع الماضي أنها لم ترَ أي دليل على أن «إسرائيل» تقتل المدنيين عمداً؟!
في كل الأحوال، ومن المجريات والتطورات، فإن العدوان الإسرائيلي على غزة مستمر، وهو سيزداد كثافة في الأيام المقبلة، وفق متزعم الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في أحدث تصريحاته أمس خلال لحكومته الذي قال فيه: إن العدوان على غزة «سيستمر بكثافة، وكثافة أكبر لتحقيق كل أهدافه»، مشيراً إلى أنه تحدث خلال اليومين الماضين مع مسؤولين أوروبيين، بينهم المستشار الألماني أولاف شولتز، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وقال لهم إنه من المستحيل التوفيق بين مسألتين «أن تدعمونا.. وفي الوقت ذاته تطالبوننا بإنهاء الحرب».
على بعد 50 دقيقة
لكن ما لا يقله نتنياهو وغيره من المسؤولين الإسرائيليين تقوله وسائل الإعلام الإسرائيلية التي تؤكد أن الوقت ليس في مصلحة الكيان.
صحيفة «هآرتس»، وحول المعارك في خان يونس، تقول: إن القتال يصبح أكثر حرجاً وتعقيداً، وتضيف: إن الجيش الإسرائيلي يجد صعوبة في التقدم، لافتة إلى وجود «توتر بين أهداف الحرب والوقت المخصص لتحقيقها».
واشنطن لم ترفض أي طلب عسكري للكيان الإسرائيلي.. ولم يتم التفكير أبداً بقطع المساعدات العسكرية عنه.. والخارجية الأميركية لم ترَ أي دليل على أن «إسرائيل» تقتل المدنيين عمداً؟!
وتؤكد «هآرتس» أنه لا توجد لدى الكيان صورة استخباراتية كاملة عن مواقع وجود الرهائن، ولا شك في أن استمرار القتال يعرض حياتهم للخطر.
أما صحيفة «يديعوت أحرونوت» فتتحدث عن حالة الاندهاش التي تسيطر على الجيش الإسرائيلي حيال القوة العسكرية التي تتمتع بها فصائل المقاومة، وتشير إلى ما سمته «مهلة ضمنية» أميركية بأن تنتهي الحرب أواخر هذا الشهر أو الشهر المقبل «إذا سارت الأمور على ما يرام من دون وقوع حدث صادم».
وتقول «يديعوت أحرونوت»: «على الأرض يندهش الجيش الإسرائيلي كل يوم من مدى قوة (حماس).. إنها جيش حقيقي تم تأسيسه على بعد 50 دقيقة من تل أبيب».
وتضيف نقلاً عن مسؤول إسرائيلي عسكري ميداني كبير قوله: إن العمليات العسكرية في حي الشجاعية شرق مدينة غزة ( وحده) تحتاج إلى 6 أشهر، وأن الجيش الإسرائيلي يواجه «مسلحين» وُلدوا ونشؤوا في الحي.. هم مرتبطون به ولن يهربوا.
حال الشجاعية هي حال كل أحياء قطاع غزة، وإذا كان الجيش الإسرائيلي يحتاج في كل حي منها إلى 6 أشهر، فهذا يعني أنه يحتاج إلى سنوات من القتال، بينما النتائج غير مضمونة بالمطلق.