تمديدٌ ثانٍ للهدنة.. التطورات رهن زيارة بلينكن والكرة في ملعب العدو الصهيوني إن احتكم للواقع الميداني

تشرين – هبا علي أحمد:
مع كل تمديد للهدنة في غزة يترسخ أكثر الأمر الواقع الذي فرضته المقاومة وحال الهزيمة للكيان الصهيوني، ومع كل تمديد تضيق خيارات العدو ومعه الأميركي، الذي يُوفد مسؤوليه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه حتى لو كانت الخطوات المتبعة خلافاً للرغبة الصهيونية، إذ لم يعد أمام الواقع المقاوم في غزة ما يمكن عمله وتغيير المجريات في الصالح الإسرائيلي والأميركي راهناً، بل على العكس مع كل تمديد للهدنة التي بُوشر بها منذ صباح الجمعة الماضي تتفاقم حالة عدم اليقين لدى الكيان سواء لناحية ما إذا كان سيواصل غزو قطاع غزة المحاصر، أو لجهة الأسلوب الذي سيتبعه في حال قرّر استئناف اجتياحه القطاع، أي إن الكيان يدور في حلقة مفرغة غير معروفة النتائج وسط ضبابية ما بعد التهدئة والهدنة التي مُددت اليوم يوماً إضافياً وبالشروط السابقة نفسها، أو الهُدن في غزة، وهو التساؤل المطروح منذ الموافقة على هدنة.
إعلان المقاومة الفلسطينية التوصل إلى اتفاق على تمديد التهدئة المؤقتة في قطاع غزة المحاصر لمدة يوم واحد، قبل دقائق من موعد انتهاء التمديد الأول للتهدئة، تزامن مع زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى «تل أبيب»، في زيارة هي السادسة من نوعها للكيان والثالثة إلى الشرق الأوسط منذ السابع من تشرين الأول الماضي.
زيارة بلينكن الحالية ربما تختلف عن سابقاتها من الزيارات، إذ إن مأزق الكيان الصهيوني وحتى الأميركي معه يتعمق ليس في غزة فقط، بل إن المأزق يمتد من غزة إلى الإقليم على نحوٍ عام، وبالتالي هناك ضرورة للدفع بالوساطات والمفاوضات ذات الشأن قدماً ولتحقيق خرق ما في ملف الأسرى ونسبه على أنه منجز ومكسب إسرائيلي- أميركي يسد الفجوة المتشكلة من إخفاق كيان الاحتلال في مساحة 365 كم محصورة ومُحاصرة، أي إن «الهدنة تصب في مصلحة إسرائيل»، كما صرح بلينكن، هذا من ناحية أولى، ومن ناحية ثانية قد تحمل هذه الزيارة في جنباتها توجهاً حقيقياً ليس لفرض موضوع استمرار الهدنة، بل لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة بشكل ناجز ونهائي، إذ إن واشنطن بدأت تتيقن بأن معضلتها إلى جانب «إسرائيل» لا يمكن حلها بهدنة مع استمرار التمديد، لأن الاستمرار لن يحقق غاياتها بإفراج المقاومة الفلسطينية عن جميع أسرى العدو لديها، وهناك الأسرى العسكريون الذين صرحت المقاومة بشأنهم بأنه «لن يكون هناك أي حديث عن تبادل للأسرى العسكريين لدينا قبل وقف العدوان ورفع الحصار عن غزة»، لذلك تدرك واشنطن أن الحل يكمن في وقف العدوان ورفع الحصار عن غزة، وتجد نفسها مضطرة للدفع في هذا الاتجاه قبل أن تفلت الأمور وتتطور إلى ما لا يحمد عقباه، إذ لا يمكن تأسيس واقع ميداني بعد ما آل إليه الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي داخل الكيان على هُدن مؤقتة.
التحذيرات الأميركية من استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة تأتي مواربة، لكنها في الحقيقة تتضمن الكثير من المحاذير والمخاوف، حيث ذكر موقع «أكسيوس» الأميركي أنّ الرئيس الأميركي جو بايدن عبّر في اتصالٍ هاتفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عن «قلقه بشأن عمليةٍ عسكرية إسرائيلية محتملة في جنوب قطاع غزّة» بعد انتهاء الهدنة المؤقتة الحالية، وهذا القلق الأميركي لا يرتبط بدواعٍ إنسانية كما ألمح بايدن «نظراً لتكدّس قرابة مليوني فلسطيني هناك، حيث من شأن تنفيذ العمليات العسكرية في منطقة جنوب القطاع أن يؤدي إلى سقوط أعدادٍ أكبر بكثير من الضحايا المدنيين ويفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع»، بل إن هذا القلق مرده إلى الخشية من تعميق الهزيمة الصهيونية أكثر، فمن لم يستطع تحقيق أي منجز بعد أكثر من 50 يوماً على القتال، كيف يمكن أن يرمم خسارته وقد أنهك تماماً ليس بفعل القتال فحسب، بل أيضاً تحت وقع الضغوط الخارجية والداخلية، الشعبية والرسمية.
حال عدم اليقين التي يعيشها الكيان لا تسري فقط على ما بعد التهدئة أو الهدنة، بل أيضاً على مستوطنات الشمال الخالية من السكان وسط رعب وتخوف من الجبهة اللبنانية، إذ نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن رئيس «مستوطنة كريات شمونة»، أفيخاي شتيرن، قوله في رسالة للمستوطنين «ألا يعودوا إلى المدينة مادام الواقع لم يتغير على الحدود الشمالية»، كما أكدت وسائل الإعلام أنّ «الشمال أُفرغ من سكانه، ومن المشكوك فيه ما إذا كان من الممكن إعادة تأهيله في غضون عام أو أكثر»، ولفتت وسائل الإعلام إلى مطالبة «سكان شمال الكيان بعدم التخلي عنهم».

في المحصلة من الطبيعي ألا يشعر من لا حق له في الأرض بعدم الأمان ومن الضرورة أن يعيش أزمة تهجير، وهي بالحقيقة ليست تهجيراً، بل إعادتهم إلى الشتات الذي جاؤوا منه، وعودة أصحاب الأرض الحقيقيين إليها.. وكل يوم يمر في سياق العدوان الإسرائيلي الهمجي على غزة وعلى التهدئة، هو يوم حاسم يحتمل المزيد من التهدئة كما يحتمل المزيد من التصعيد، لكن مع خروقات العدو المتواصل وإخلاله بما اتفق عليه فإن احتمالات التصعيد تبقى واردة إن لم تضع زيارة بلينكن حداً للتطرف الصهيوني الذي فاق الحدود.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار