في الذكرى السنوية الـ84 لسلخه.. لواء إسكندرون الحاضر في وجدان كل السوريين.. ما أشبه اللواء بفلسطين.. الجريمة والمؤامرة والأيادي السوداء
تشرين- راتب شاهين:
إنه لواء إسكندرون، الحاضر في القلب، بذكراه السنوية الـ84 لسلخه وغيرها، فكل يوم يمر واللواء عن أمه السورية بعيد، يسيل الجرح من جديد ليعطر أفقاً نحلم به بعودته وأرضاً اشتاقت لضمه، فاللواء حاضر أبداً في وجدان كل السوريين، وعودته حتمية مهما طال الزمن.
جريمة مضى عليها 84 عاماً، جريمة كما الجرائم في المنطقة التي يشرف عليها دعاة “حق تقرير المصير وحقوق الإنسان” يتعدد فيها الجناة، وتكثر فيها الأيادي الملوثة بالمصالح التي تستثمر الطمع، فالجاني الأول فرنسا غير مبالية، إلا إذا تضررت مصالحها، والآخر تركي جشع وطماع يرغب بالمزيد من على موائد المصالح الغربية، وما تعطيه له أميركا مقابل تشغيله كأداة في ضرب استقرار المنطقة.
هي مؤامرة بكل معنى الكلمة بين فرنسا المنتدبة والخائفة وتركيا الطامعة، فرنسا الخائفة من ألمانيا الصاعدة وتركيا التي لم تبتلع هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، وهي ترى البلاد العربية تتجه نحو نيل استقلالها الملغوم والمشوش في معظمه، والتي رأت بذلك فرصة لاقتطاع أجزاء من شمال البلاد العربية في سورية والعراق، مستغلة حاجة فرنسية لها ولحيادها في الحرب القادمة ” الحرب العالمية الثانية”.
في عام 1938 قامت فرنسا بخطوة غير مسبوقة للتمهيد لتنفيذ المؤامرة مع تركية مقابل حياد الأخيرة في الصراع القادم مع النازية، إذ منحت اللواء حكماً ذاتياً مع بقائه مرتبطاً من ناحية شكلية بالجمهورية السورية، ثم أعادت إلغاء هذا الرباط الشكلي، وفي العام التالي 1939، انسحبت فرنسا بشكل نهائي، في حين دخلت اللواء قوات تركية، التي قامت بضمه وغيرت اسمه.. ما فعلته فرنسا يعد مخالفاً لصك الانتداب، الذي يلزم الدولة المنتدبة بالحفاظ على أراضي الدولة المنتدب إليها، لكن في ذلك الزمن من يستطيع ردع فرنسا القوية والدولة الاستعمارية المغرورة.
مجلس الشعب أكد في بيان أن جريمة سلخ لواء إسكندرون السليب عن أرض سورية، تمثل نموذجاً لافتاً من السياسات التي دأبت الدول الغربية وحلفاؤها على اتباعها في تفتيت الدول وسرقة ثروات شعوبها وخيراتها، باتباع كل الأساليب اللاأخلاقية واللاشرعية في سبيل تحقيق غاياتهم ومخططاتهم الاستعمارية.
ليس مستغرباً بعد 84 عاماً ألا يعود الحق لأصحابه، مادامت تركيا عضو حلف “ناتو” ذراع أميركا العسكرية في وجه العالم، فوجه الشبه كبير لدرجة التطابق بين تركيا والكيان الإسرائيلي، بين قضية لوء إسكندرون وقضية فلسطين، فجسدا الأفعى تركيا والكيان الإسرائيلي يجتمعان عند الرأس أميركا، المتحكمة والحاكمة والحامية لهما من وجه العدالة الدولية المغلوبة على أمرها.
هذا الشبه أكده مجلس الشعب بقوله: “اليوم وبعد كل تلك السنين يستمر العثمانيون الجدد، الوجه الآخر للعدو الصهيوني المحتل للجولان العربي السوري وفلسطين المغتصبة، والمتمثلون بأردوغان ونظامه الإخواني ومرتزقتهم، في اتباع الأساليب نفسها، مستغلين الحرب الكونية التي شنتها قوى الإرهاب والعدوان على سورية لاحتلال بعض أراضيها”.. هو استغلال ما مرت به سورية طوال المئة عام الماضية، حيث إن قوى الاستعمار لم توفر فرصة لإشغال سورية التي منذ القدم هي قلب العروبة وقلب القوة التحررية في المنطقة.
ما أشبه قضية اللواء بقضية فلسطين.. الجريمة والمؤامرة والأيادي السوداء، هي نفسها والجراح النازفة هي وحدها التي تعود بين الفينة والأخرى، والمنظمات الدولية هي نفسها العاجزة، تتحول أحياناً إلى منبر يُستغل من الاستعمار القديم- الجديد، حينما توافق الظروف مصالحه. الحقيقة نعلمها أن الواقع الدولي اليوم ليس في مصلحة دول الجنوب، فسيطرة الشمال على مقدرات العالم لاتزال قائمة.
السلم والأمن الدوليان لن يتحققا في عالم لا يتم فيه إقرار الحقوق، في عالم شريعة الغاب، حيث الاستثمار الطويل بالصراعات والنزاعات في كل بقعة تسمى منطقة ساخنة على كوكبنا، لذلك فالأمم المتحدة اليوم التي لم تكن بهيئتها هذه بالأمس، مُطالبة بالكثير ونعلم أننا ننفخ في قربة مثقوبة، لأن توازن القوى في عالم اليوم لايزال مائلاً في غير مصالح الشعوب، لكن هذا ما نستطيع فعله الآن.
“لا يموت حق وراءه مطالب”، فلواء إسكندرون بكامل مساحته جزء لا يتجزأ من سورية، ومهما طال الزمن وتكاثر البغاة وتفشّى وتكالب الاستعمار ومشتقاته، فعودته إلى وطنه الأم سورية حتمية.. أملنا بالمستقبل كبير ليس إلا.