التمديد الأول لهدنة غزة.. الكيان على تهديداته وواشنطن مضطرة إلى تقديم إجابات حاسمة.. إدارة بايدن «تجنح» نحو اللا تصعيد بانتظار ما سيعود به بلينكن من المنطقة
تشرين– مها سلطان:
مازالت حالة اللايقين مُسيطرة حيال «ما بعد الهدنة» في غزة، رغم أن التمديد الأول للهدنة – الذي تم إعلانه مع نهاية يوم أمس الإثنين – وسّع دائرة التفاؤل باتجاه إمكانية التوصل إلى وقف كامل لإطلاق النار، فإذا ما تم إلحاق هذا التمديد الأول بتمديد ثانٍ أو ثالث، وصولاً إلى إغلاق ملف الرهائن، فإن احتمالات وقف إطلاق النار، ووقف الحرب تالياً، ستكون راسخة بصورة أكبر، علماً أن فريقاً واسعاً من المراقبين يرى أن إغلاق ملف الرهائن سيسحب ورقة مهمة من يد المقاومة الفلسطينية بمواجهة الكيان الإسرائيلي، لأن إغلاق هذا الملف سيطلق يد الكيان مجدداً في عدوان جديد أكثر كثافة ووحشية ضد غزة، وهو ما يهدد به متزعمو الكيان بشكل يومي منذ ما قبل إقرار الهدنة الأساسية يوم الأربعاء الماضي والتي دخلت حيز التنفيذ صباح الجمعة الماضي..
..علماً أن ملف الرهائن لم يكن هو السبب الرئيس الذي أطلق الحرب، بل كانت صورة الهزيمة الكبرى المذلة التي مُني بها الكيان الإسرائيلي في السابع من تشرين الأول الماضي، والتي نقلتها كاميرات المقاومة الفلسطينية في بث مباشر لكل العالم، وعليه كان العدوان الإسرائيلي على غزة بحجم هذه الهزيمة، وكان الدعم الأميركي المطلق له من دون «خطوط حمراء».. ولكن النتيجة كانت تعميق الهزيمة وانسداد كل الأفق أمام الكيان (وأميركا) لتغيير هذه النتيجة حتى لو استمر القصف الإسرائيلي الوحشي على غزة لأشهر أخرى، ومع نجاح التفاوض والوساطات في الوصول إلى هدنة ومن ثم التمديد لها، فإن التفاؤل تضاعف بإمكانية وقف كامل لإطلاق النار على اعتبار أن نجاح مفاوضات الهدنة سيقود إلى نجاح مفاوضات وقف الحرب، وهي مفاوضات قائمة وتكتسب زخماً مع كل يوم.
وأيضاً.. على اعتبار أن العودة إلى الحرب ستلتهم الموارد العسكرية الإسرائيلية، حيث إن نقل الحرب إلى جنوب قطاع غزة كما يهدد متزعمو الكيان، سيحتاج إلى توسيع الدعم العسكري الأميركي للكيان لناحية حاجته خصوصاً إلى المدرعات الثقيلة، هذا ونحن لم نتحدث بعد عن الاستنزاف الاقتصادي مع كل يوم إضافي من الحرب، «البنك المركزي للكيان الإسرائيلي أعلن اليوم تقديراته لحجم تكاليف الحرب منذ 7 تشرين الأول بـ 198 مليار شيكل، أي ما يعادل 53 مليار دولار، مقسمة بين إنفاق دفاعي وصل إلى 107 مليار شيكل، أي ما يعادل 28,8 مليار دولار، بالإضافة إلى تكاليف التعويض عن الأضرار المباشرة وغير المباشرة ومدفوعات الدين العام وفقدان الإيرادات الضريبية».
*** ***
مع ذلك هناك فريق واسع يتحدث عن حرب أكثر شراسة ما بعد انتهاء الهدنة، منطلقاً من تهديدات متزعمي الكيان، خصوصاً رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ووزير حربه يوآف غالانت.. والأهم الأخطر- كما يقول هذا الفريق- إن أياً من الطرفين، المقاومة الفلسطينية، وكيان الاحتلال الاسرائيلي، لا يتحدثان عن وقف التصعيد، أو عدم العودة إلى الحرب، وبالتالي فإن تمديد الهدنة مرات عدة لا يقلل ولا يحتوي احتمالات وقف الحرب، فهذه الهدن لن تكون بلا نهاية، ومع كثير من التفاؤل قد لا تتجاوز حالات التمديد أسبوع إلى عشرة أيام، وبعدها سنعود إلى حالة الحرب.
طبعاً هذا الفريق يتجاهل أن الكيان الإسرائيلي هو من يهدد بالحرب وبتوسيعها باتجاه جنوب قطاع غزة، وبصورة أعنف، فيما المقاومة بالمقابل تؤكد استعدادها للمواجهة والرد وتعميق هزيمة الكيان.
لكن الولايات المتحدة، حسبما ترسله من إشارات، تجنح باتجاه منع عودة التصعيد باعتبار أنها واجهت خلال الأيام الخمسين الماضية «من الحرب على غزة» مسألتين أساسيتين لا يمكن لها تجاهلهما:
الأولى هي فشل الكيان في تحقيق أي منجز ميداني يمكن تقديمه كانتصار من نوع ما، لتبييض الهزيمة الإسرائيلية في السابع من تشرين الأول الماضي، هذا من جهة.. ومن جهة أخرى أن عودة الكيان إلى الحرب ومهما وصل مستوى القصف الوحشي الذي سيعتمده فإنّ هذا الأمر لن يغير من معادلات ميدان غزة، ومن إن المقاومة الفلسطينية ما زالت بكامل قوتها، فكيف الحال اليوم مع انتصارها أخلاقياً في ملف الرهائن، مع كل ما يتحدث به الرهائن المفرج عنهم، عن حسن المعاملة «بل حسن الضيافة» التي لقوها من المقاومة الفلسطينية، وكيف يوجهون رسائل الشكر لها.
والمسالة الثانية، إقليمية؛ لقد اختبرت الولايات المتحدة جيداً حجم الرد الذي يمكن أن تلاقيه من قبل جبهات المقاومة، والذي بلا شك سيتجدد بصورة أقوى مع العودة إلى الحرب، صحيح أن هذا الرد في أدنى مستوياته حالياً إفساح لنجاح اتفاق الهدنة، لكن جبهات المقاومة تحافظ على تأهب كامل، تخدمها جغرافيا تؤمن لها مرونة التحرك وتكتيكات الضرب والانسحاب، وإبقاء العدو في حالة استنفار دائمة لا يعرف من أين تأتيه الضربات ومتى.
وهذا ما يفسر حماس الولايات المتحدة للهدنة والتمديد لها، ويفسر أيضاً عودتها للحديث عن حلّ الدولتين «كسبيل وحيد لضمان الأمن على المدى الطويل للإسرائيليين والفلسطينيين على السواء، وتمتع الجانبين بقدر متساوٍ من الحرية والكرامة» وفق ما نشره الرئيس الأميركي جو بايدن اليوم الثلاثاء على منصة «إكس» مؤكداً أن إدارته «لن تتخلى عن العمل لتحقيق هذا الهدف».
وعليه.. يتوجه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مجدداً إلى المنطقة في زيارة هي الثالثة له منذ عملية طوفان الأقصى، ومن المتوقع أن تبدأ بعد غدٍ الخميس، حيث يزور الكيان، والأراضي الفلسطينية، ثم يتوجه إلى الإمارات «لحضور مؤتمر المناخ/كوب28» وقد تتوسع الزيارة باتجاه دول أخرى.
يأتي ذلك في وقت تستمر فيه الاتصالات الأميركية الإسرائيلية في سبيل احتواء عدم التصعيد، وفي جديدها اتصال هاتفي اليوم الثلاثاء بين وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن و وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت دعا فيه أوستن إلى عدم توسيع نطاق التصعيد.
وحسب بيان لوزارة الدفاع الاميركية «البنتاغون» فإنّ أوستن بحث مع غالانت المستجدات وملف الرهائن و«التوقف العملياتي للجيش الإسرائيلي في غزة»، كما تم طرح المستجدات بشأن جهود الولايات المتحدة لحماية قواتها ومصالحها عبر منطقة الشرق الأوسط.
وأضاف البيان أن أوستن دعا الفاعلين الدوليين، والفاعلين من غير الدول، إلى تجنب توسيع نطاق الصراع الحالي.
أيضاً يأتي ذلك في وقت تم فيه الإعلان عن جلسة مرتقبة لمجلس الأمن الدولي غداً الأربعاء لبحث الوضع في غزة، وهناك توقعات واسعة بأن تكون جلسة مختلفة، بمعنى أنه سيتم فيها تحقيق خرق من نوع ما، في ضوء المستجدات ما بعد الهدنة والتمديد لها، وفي ضوء ما يُقال عن موقف أميركي جديد، أو رغبة أميركية بعدم التصعيد أو العودة إلى الحرب.
بكل الأحوال.. لن نحتاج إلى وقت طويل لحسم الإجابة عن سؤال: ما بعد الهدنة والتمديدات المحتملة لها، يبدو أن الولايات المتحدة مضطرة – هذه المرة- إلى تقديم إجابة حاسمة.. وتبقى كل الاحتمالات واردة بغض النظر عما يتم إرساله من إشارات ورسائل، تهدئة أو تصعيد.
لننتظر ونرَ.. وبعدها لكل حادث حديث.