في اليوم الـ44.. العدوان الإسرائيلي على غزة مستمر بأعلى درجاته وحشيةً وإجراماً.. معضلتان لا جواب لهما: الهدنة متى تتحقق والحرب متى تتوقف؟
تشرين- مها سلطان:
أربعة وأربعون يوماً، وما زلنا فعلياً أمام معضلتين تتلخصان في سؤالين: هدنة غزة متى يمكن أن تتحقق، والحرب على غزة متى يمكن أن تتوقف؟ وبين هذا وذاك ما زال العدوان الإسرائيلي على غزة مستمراً بأعلى درجاته وحشية وإجراماً.
الإجابة عن المعضلتين لا يبدو أنها ستكون متوفرة في القريب العاجل، رغم ما يُقال عن اشتداد حالة الضغط والغضب العالمي، التي تحاصر الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة في سبيل وقف هذا العدوان.. ورغم ما يُقال أيضاً عن أنه عاجلاً أم آجلاً سيجد الكيان وأميركا نفسيهما أمام حالة إجبارية لناحية وقف العدوان، لكن متى يتم ذلك؟ لا جواب، لأن هذا القول لا يبدو واقعياً بالصورة التي يتم الحديث فيها عنه.
وعليه كان متوقعاً أن يعلن البيت الأبيض اليوم استمرار الفشل في التوصل إلى هدنة، من دون الدخول في التفاصيل، فالمتحدث باسم البيت الأبيض أدريان واتسون قال: «لم يتم التوصل إلى اتفاق، لكننا نواصل العمل الجاد بشأنه»، وهذا القول لم يتغير فعلياً منذ بدأ الحديث عن العمل من أجل التوصل إلى هدنة منذ نحو شهر حتى الآن، وكانت البداية مما سماه الرئيس الأميركي جو بايدن «هدناً مؤقتة/ساعيّة» وصولاً إلى هدنة من خمسة أيام يجري التفاوض حولها منذ أيام وفق ما سُمي على ذمة الإعلام صيغة «50 – 50»، أي وقف إطلاق النار لمدة خمسة أيام يجري خلالها تبادل أسرى بأسرى، (خمسون من عند المقاومة وخمسون ممن يحتجزهم الكيان في معتقلاته).
ما سبق هو ما أوردته اليوم وسائل إعلام أميركية قالت: إن التفاوض يقترب من مرحلة الاتفاق، وذلك قبل أن ينفي البيت الأبيض ويصرح بأن لا اتفاق، حسب واتسون.
وهكذا تبقى هذه المعضلة في حالة المراوحة في المكان، وبعبارة أدق رهينة النيات المبيتة الإسرائيلية – الأميركية من وراء هدنة الأيام الخمسة وتبادل الأسرى، أما المزاعم الأميركية بأن أي هدنة ستصب في مصلحة المقاومة الفلسطينية فهي لا تعدو كونها محاولات مستمرة لإخفاء النيات المبيتة، لأن أي هدنة هي من مصلحة غزة وأهلها، الذين يكادون لا يجدون الوقت لوداع ودفن أحبائهم الذين يفقدونهم بالمئات يومياً تحت وابل وحشي من قصف الطائرات الإسرائيلية.
وفيما يتوقف الحديث عن الهدنة عند هذا المستوى، يستمر الحديث عن «متى تنتهي الحرب على غزة ووفق أي نتائج؟ وهل ستنتهي فعلاً من دون التوسع إقليمياً، أم إن التطورات ما زالت غير مضمونة على قاعدة أن كل التوقعات التي يطلقها المحللون والمراقبون لا تملك سنداً واقعياً لجهة أن الحرب ستبقى على ما هي عليه، أو ستتجه للانحسار؟».
مع سيل هذه الأسئلة فإن بعض الإعلام الأميركي يعود إلى الواقع، مُتخلياً عن افتراض أن حرب غزة ستنتهي حُكماً بفوز للكيان الإسرائيلي، كما أن بعض هذا الإعلام يعود إلى طرح مسألة الوقت، وكيف أن هذا الكيان لا يستطيع أن يصمد في حرب طويلة، حتى مع استمرار الدعم الأميركي.
صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية نقلت عن مسؤولين إسرائيليين توقعاتهم بانهيار اقتصادي للكيان في حال استمر الهجوم البري على غزة أكثر من ثلاثة أشهر، هؤلاء أكدوا للصحيفة أن جدلاً حاداً «وصل إلى طريق مسدود» بشأن الاستمرار وبشأن توقيت سحب الاحتياط وتشغيل الاقتصاد مرة أخرى، مشيرين إلى أن معظم كبار قادة جيش الاحتلال يتوقعون تخفيض عدد القوات وسحبها في غضون شهر أو شهرين من الآن، مؤكدين أن متزعمي الكيان لا يملكون حتى الآن «تصوراً واضحاً عن اليوم التالي في غزة».
حديث «واشنطن بوست» يأتي فيما يتبجح متزعم حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بحرب على غزة تستمر سنةً؟! فيما يقول وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت: إن المقاومة فقدت السيطرة! ويتساءل المراقبون: إذا كان كلام غالانت صحيحاً فهل هذا يعني أن الحرب انتهت؟ خصوصاً أن بايدن ما زال يتحدث عن «هدنة» وعن فشل التوصل إليها، على قاعدة أن المقاومة مازالت تحتفظ بكامل أوراقها للتفاوض من موقع قوة.
صحيح أن بايدن حاول تطعيم كلامه ببعض إنسانية مخادعة حول آلاف المدنيين الضحايا الذين يسقطون بفعل العدوان الإسرائيلي، وأن قلبه «منكسر» من أجلهم، و«حل الدولتين» و«دولة فلسطينية مُستحقة».. إلا أن بايدن لا يغادر ساحة الدعم للكيان، ويُخيّر قطاع غزة وأهله ومقاومته بين وقف العدوان الآن بالشروط الإسرائيلية الأميركية، أو الاستمرار تحت الحرب والضرب، قائلاً: ينبغي ألا يكون هدفنا وقف الحرب الآن، بل وقفها إلى الأبد، وبناء شيء أقوى في غزة وفي كل أنحاء الشرق الأوسط، حتى لا يكرر التاريخ نفسه.
وحتى لا يكرر التاريخ نفسه، التاريخ الذي تكتبه أميركا في منطقتنا في كل مرة، فإن غزة وأهلها ومقاومتها هم من يكتبون التاريخ هذه المرة.. وأميركا والكيان هما أكثر من بات يدرك هذه الحقيقة، ويكابران في الاعتراف بها بممارسة مزيد من الوحشية والإجرام والتهديدات والضغوط.