بعد التئام الجامعة والمؤتمر ماذا بعد؟
تشرين -إدريس هاني:
– ما قيمة الهدنات المؤقتة، إن كان هناك تحدّي للموقف الأممي، من خلال مواصلة حرب الإبادة الجماعية؟ حتى مع التئام العرب والدول الإسلامية في قمة الرياض، لم يقف حمّام الدم، إنّ الاحتلال يسخر من العرب والعجم.
– الالتئام خطوة جديدة، والفضل لـ«طوفان الأقصى»، غير منتظر أن يستعيد العرب قدرتهم على المبادرة بنحو فوري، كلّ العناوين التي تضمنها البيان تنتهك المعجم اللّفظي الذي اشتغلت عليه القوة الناعمة للاحتلال، ضمن التسويات المخملية.
– في خطاب الرئيس السوري بشار الأسد في القمة، تأكيد على الحل الاستعجالي وعدم اعتبار قضية حل الدولتين والسلام أولوية في هذه المرحلة، وقد أكد على أنه لا يوجد هناك شريك للسلام، والراعي بات طرفاً، وسارق الأرض هو الحكم، سورية معنية بالصراع، لأنها آخر من حارب في حرب تشرين، ولأنّ وضع الجولان لا زال معلّقاً، حيث دمشق لم تُوقّع، بتعبير آخر لم تبع الجولان مقابل صفقة، ولأنّ كلّ ما نزل بسورية هو نتيجة لاءات الرئيس الأسد الشهيرة، وأهمها التّخلّي عن المقاومة، شيء أكدنا عليه منذ بدأ الأزمة، وإن كان المُستدركون لهذه الحقيقية وصلوا متأخِّرين، كنّا نخشى من انهيار قلاع الصمود، وتمكين الاحتلال من استغلال هذا الانهيار.
– قرأتُ البيان الذي صدر عن القمة الثنائية بين الجامعة والمؤتمر، والحقيقة، أنّني استحسنته في ظل الشروط المزرية، لأنّ ما كنت أخشاه، أن يتم تجريم المقاومة، وهذا لم يرد، أو تحميلها المسؤولية، وهذا أيضاً لم يرد، أو التسوية بين المقاومة والاحتلال، وهذا لم يرد، أو تجنب تسمية الاحتلال باسمه، وهذا لم يرد، وأمّا المرجعية التي دعا المؤتمر لاعتمادها في استئناف السلام، فهذا تحصيل حاصل، إذا أمكن الأطراف التي انتدبها المؤتمر وفُوض إليها التحرك الدولي، استعجال إيقاف هذا النزيف، فالأمر سيعتبر انتصاراً للمقاومة.
قلت: لم أكن أتوقع أكثر من هذا، فالقمة جمعت العالمين العربي والإسلامي، وكان البيان ليس حاسماً في قيام تحالف عربي – إسلامي يفرض قواعد اشتباك جديدة، ولكنه لم يكن سلبياً، ولكن هناك ما يؤكد على أنّ العنصر الثابت في المعادلة، والذي يتوقف عليه مصير القضية الفلسطينية، هو المقاومة، إنّ محتوى البيان يؤكد أنْ لا سلام ممكن على حساب الفلسطينيين، وهذه مرجعية في حدّ ذاتها بالإضافة إلى مطالب أخرى في البيان تعزز من وضع المقاومة.
– إنّ المعركة منذ عقود، وكما آمن بها أهلها ومارسوها وضحوا في سبيلها، لم تكن يوماً مجرد معركة سياسية، كان الفلسطينيون وجميع مَن انخرط في المواجهة، يؤمن بأنها معركة وجود، وقد كُتبت حول هذه القضية كتابات كثيرة، ووردت كفكرة بديهية في كلّ خطابات المقاومة، لا أحد له الفضل في أي سبق في نحت العناوين، إن كنا نريد التحقيق والإنصاف في ضوء تاريخ الأفكار حول المقاومة، إن كنت متردّداً في هذا، فراجع كتابي: روح المقاومة وفلسفة الزّمن.
– في ذروة التحدي والانتصار، لا قيمة في أن نوزع صكوك الغفران، لأنّ مسلسل المعارك لم ينته، والمصير مفتوح، والنطق عن الله في غريزة التراجيح من دون مُرجح، صبيانيات القاعدين، الذين لا عهد لهم بالحرب، في تقديري، إنّ أبناء الأمة الذين يتحملون مسؤوليتهم التّاريخية، كلّهم خير وبركة، التضليل هنا خيانة، والتّاريخ لا يعبأ بالرّطانة الحِقدولوجية.
– قيمة «طوفان الأقصى»، أنّها عملية أوقفت العدوى في التّمثُّلات والسمسرة في القضية، كانت هناك أطياف بدأت تغير لونها ولغتها وتتبرّم من القضية الفلسطينية، اليوم لفّوا أعناقهم بالكوفية، بعد أن كانوا يمجدون المحتل وينالون من كل ما هو فلسطيني، لقد تمادى الكثير من المُتملّقين والحاقدين للاستخفاف بالقضية الفلسطينية وتاريخ الكفاح الفلسطيني.
وفي السياق نفسه، بدأ الالتفاف والاختباء خلف الأصبع، ولكن الإبهام والمفارقة استمرت: لا تطبيع ولا تصهين ولا.. ولكن كيت وكيت، أي إثبات الصفة بأسلوب آخر، هناك من يريد أن يُعلِّمنا التّاريخ، وبأن القدس هي كيت وكيت، هناك من يصل متأخّراً إلى محطّة عبور مهجورة، مكسورة الفوانيس والعلامات، يظن أنه يعلم ما لا تعلمه أمّة مُكافحة، بجرة قلم وضربة دفّ ينسفون ما تعاقل عليه الأعلام والخبراء، هذا التّاريخ لو فتحناه، لولّى المرجفون منه فراراً، واللسان يلهج بـ«لا مساس»، لقد تردّى الوضع، وعُلِّق المصير على «اليتبرة».
– هل سيكون ما بعد القمّة كما قبلها؟ لمن سَخر من قدرات المقاومة، عليه أن يدرك بأنّ لها الفضل في الولادة الثانية للقضية الفلسطينية، وعلى الجميع عدم الاستعجال، لأنّ تكامل المقاومة سيفرض مزيداً من الالتزامات على المحور كلّه، لقد تبيّن سقف القمة، واتضحت الصورة، لا حاجة إلى مدرسة المشاغبين، لا قيمة لأي تعليق، هذا هو السقف، لكن لا سقف للمقاومة، ومن يريد العنترية فليدعم المقاومة بشفافية، كفى استغباء للأمّة.
– فشلت كل هذه المجزرة في تحرير الأسرى، الاحتلال يعيد الأخطاء نفسها، هل يُتوقع أن يتم الإفراج عن الأسرى من دون ثمن؟ لعل أقلّ ثمن هو تبادل الأسرى، لقد ورد ذلك ضمن مطالب بيان القمّة، الاحتلال لم ينتصر حتى يُملي شروطه، وهو حتى الآن يقصف المستشفيات، وهو حتى الآن يتكبّد خسائر كبيرة في الكمائن والمواجهات التي تجري في التخوم، لن يكون في مقدور جنود الاحتلال خوض حرب المدن، لقد فشلوا فيها دائماً، ولا زالت معارك بيروت شاهدة على ذلك.
– وفي خصوص الأسرى، هناك ما يؤكد على أنّ الحديث مستمر حول هدنة تسمح بالتبادل، ويبقى أنّ هناك ما يتعلق بالأنقاض، فلقد قام الاحتلال بمجزرة لم ينج منها حتى الأسرى، تصعيد الاحتلال واستمراره في القصف، هو لإجبار حماس على التنازل، ولا سيما ما يتعلّق بشرط إطلاق الأسرى، أي غبيّ يا ترى سيقبل بعد حرب الإبادة الجماعية، بتسليم الأسرى للاحتلال من دون أي مقابل؟ المقاومة انتصرت طيلة هذه الأيام، وما تبقى هو ما ستكتسبه لصالح الشعب الفلسطيني.
-أن يعود الالتئام بين الفصائل والسلطة الفلسطينية، حسبما جاء في البيان الختامي للقمّة، مطلب تاريخي، لكن على السلطة أن ترقى إلى مستوى التحدّي، هل منظمة التحرير الفلسطينية مؤهّلة اليوم بقيادة محمود لأن تستوعب الإرادات الفلسطينية؟ هل هي في مستوى الحدث التاريخي لـ«طوفان الأقصى»؟ هل الدول العربية مستعدة لمساعدة الفلسطينين على الالتئام؟ هل منظمة التحرير لا زالت على العهد؟ هذا قرار الشعب الفلسطيني.
– كان من الصعوبة في مكان الحديث عن انهيار منظومة القيم الغربية، بعد أن لم يعد بالإمكان السيطرة على القرار، هذا اختبار حقيقي للديمقراطية الغربية التي تغلّب عليها الرأسمال واللوبيات، ولم تعد وسيلة لتمكين الطبقة الوسطى من تنفيذ إرادتها، لقد استوت شعوب العالم في مطالبها أمام الإمبريالية التي تنكّرت للجميع، للتنوير، للعدالة، للإنسانية، للشعوب، لقد اختارت الاحتلال جهاراً، وتنكرت لكل شيء، وهذا هو الإفلاس الكبير، بل هذا هو التجسيد التّاريخي لمفهوم الباب المسدود.